مقال "رؤى تجديد المحتوى... إيلاف نموذجاً" للكاتب المجيد بكر عويضة، هو في الحق مقال أكثر من رائع، لكاتب مخضرم يحرص على نصاعة المفردة وكمالها، وتضج مقالاته بالصدق والأمانة والوفاء، ويتدفق من يراعه ينبوع الإنسانية التي يبتغيها لمجتمعه بجميع صفاتها وخصائصها.
من خلال هذا المقال الوافي، اتضح لنا أن استشراف المستقبل أسّ ثابت بنى عليه الأستاذ عثمان العمير جميع أفكاره وفلسفته؛ ذلك الاستشراف الذي لا يمكن أن نغلق دونه حاجزاً من الشك، أو جداراً من الريبة، وباب الشك هذا لا يجسر على قرعه كما نعلم، أو يجرؤ على فتحه، إلا من انتدب نفسه لخدمة أمته بهذه العقلية التي استوثقت أن الجسارة والإقدام أجدر بهذه الأمة، وأجدى لها، لأنها ترقى بسلطتها الرابعة، وتجعلها مونقة الكلمة، موطدة الدعائم، وقد أبلى هذا الرجل في سبيل شكيمته، وصريمته، بلاءً حسناً، فقد بذل في تحقيق نمط صحافي مغاير آخذٍ في الاستقرار والتوطد، ما ضنّ به الناس جميعاً.
مما لا يندّ عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أنَّ سمات الاستشراف هذه، بعض الناس يجتويها ويتبرم منها، بالرغم من ترادف الأدلة الحقيقية على نجاعتها، فها هي اليوم "إيلاف" التي حملت على عاتقها أن ترفع لك قيمة "الحدس" وتنوه بذكرها، لعامة الناس وخاصتهم، جاهلهم وعالمهم، تحدثنا عن نفسها، وعن صبرها وتلطفها وهي تسعى لتوصيل مضامين ومعاني الجرأة، والمغامرة، والابتكار، حتى غدت سائغة مواتية، تهضمها ميولك وعواطفك. والمغامرة التي نعنيها هنا، هي المغامرة المضمونة العواقب، المؤتمنة التبعات، لأنَّ عقل صاحبها صاغها في قالب تخطى صور الذهن وأخيلته، واحتفى بجوهر الفكرة التي أسندت رأسها على كتفه، ومضت به متخطية هضبة هواجسه الشمّاء. لقد درس الأستاذ عثمان العمير بذهنه المتقد "الصحافة الإلكترونية" من منابعها الأصلية وتأثر بها، وسعى أن تتخلص أمته من ركام الصحافة الورقية، أو تتنصل منها، ففي ذلك فرصة سانحة لتحسين مركزها ومكانتها بالعالم المتحضّر، وقد حدث هذا قبل أن تصل الصحافة التقنية الإسفيرية إلى ذرى التشعّب والاتساع. فلولا جهود هذا الرجل، وفلسفته، وتفكيره الثاقب، لكانت الصحافة الرقمية العربية في مؤخرة الصفوف.
ولعل الحقيقة التي قد تغفل عنها الكثير من المؤسسات الصحفية، أو تتغافل عنها، أنَّ "إيلاف" كانت منارة الفضل التي نهلت الصحافة العربية الإلكترونية من محاسنها، ونزعم بعد أن استقصينا مشاهد هذا الاستشراف وآثاره، أنَّ الاستشراف دخل غمار المجتمع، وفتن به الناس افتتاناً عظيماً بفضل "إيلاف"، وبفضل صاحبها الذي لا يمت الجمود إلى فكره بصلة أو يصل إليه بسبب.
التعليقات