في طفولتي، بين دفء البيوت وقلوب الإخوة والأصدقاء، لم نكن نسأل عن الطائفة أو المذهب، بل كنا نعيش كعائلة واحدة، نتشارك الأفراح والأحزان، ونتقاسم الحلم ذاته: أن نكون معًا، بلا فواصل، بلا حدود. كنت أرى في عيونهم الأمان ذاته الذي يملأ قلبي، ولم يكن الفرق سوى أسماء على صفحات لا تعنينا شيئًا حين تتحد الأرواح.

لكن حين كبرت، وجدت أن تلك الوحدة التي عشتها كانت حلمًا يتبدد في واقع مفروش بالخلاف والخصام، حيث يُصبح الاختلاف مبررًا للتنافر، والاختلاف في المذاهب سببًا للتباعد.

ولكنني أصرّ أن أؤمن، كما علمني ديني، أن الله جمعنا أولًا قبل أن يفرّقنا، وأن ما يوحدنا أقوى مما يفرّقنا.

{واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا} (آل عمران: 103) ليست مجرد كلمات، بل هي نداء عميق من الروح إلى الروح، يدعونا لأن نمتد بأيدينا لبعضنا البعض، لا أن نبني حولنا جدرانًا من الفرقة.

الإسلام، في جوهره، قصة حب ووحدة، تتلألأ فيها مذاهب كثيرة كنجوم في سماء واحدة، كلها تسير نحو نور التوحيد. الحنفية، الشافعية، المالكية، الحنبلية، الجعفرية، الزيدية، الإباضية، الموحدون الدروز، والنصيريون العلويون... ليسوا إلا ألوانًا مختلفة من لوحة واحدة، لا تفقد جمالها بتنوع ألوانها.

وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". لنتذكر هذه الكلمات، ولنتخلص من أعباء الخصومة التي تثقل صدورنا، لنعيش إخوة يتسع صدر كل منهم للآخر، مهما اختلفت طرق التعبير والنهج.

الاختلاف ليس مرضًا، بل هو حالة إنسانية تحتاج إلى حوار ومودة، إلى قلب مفتوح يحتضن الآخر. في قلبي، لا أرى سوى مكان لكل من أحبّ، وذاك الذي يحب أخاه كما يحب نفسه، هو فعلاً من فهم جوهر الإسلام.

القرآن علّمنا أن القبائل والشعوب خُلقوا ليتعارفوا ويتآلفوا، لا ليقاتلوا بعضهم بعضاً. هذا هو نداء رسالتنا، الذي ينتظر أن يسمع في كل زمان ومكان.

في زمن تكسرت فيه الجسور، وأغلقت الأبواب، لا أرى أمامنا سوى أن نعيد بناء قلوبنا أولًا، وأن نفتحها للمحبة والتسامح.

فالاختلاف لا يلغي الانتماء، بل يصقله ويزيده قوة، حين نعيش بإخلاص تحت سقف واحد، بإيمان واحد، وقلب واحد.