الانتخابات الديمقراطية دون وجود تمثيل لجميع مكونات الشعب ومشاركة حرة تعد فعلاً مبتوراً. "الانتخابات" في الدول الدكتاتورية تسمية دون أي مضمون وفارغة، لأنه يوجد فقط مرشح رئاسي وحيد وحزب واحد يمكن انتخابه. هذا كان حال العراق في الانتخابات حتى عام 2003. ترسيخ ممارسة هذه التجربة يحتاج إلى وقت وإلى إصرار وإيمان بأن الديمقراطية هي الطريق الوحيد لحكم المجتمعات بعيداً عن انقلابات العسكر والأنظمة الحزب الواحد. أما الأحزاب السياسية المتعددة فهي من تقدّم برامجها الانتخابية وما تقدمه من وعود للشعب لتنفيذه إذا ما خالفهم الحظ وتم انتخابهم.

البرامج الانتخابية عادةً تعكس توجه الحزب السياسي بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية إمكانياته في تحقيق البرنامج الانتخابي الواقعي والاستراتيجي، أي وجود دراسة ووجود الميزانية لتحقيق تلك الأهداف والوعود المرتبطة بتلك الدورة الانتخابية. يبقى على الناخب أن يصدق أو ينكر تلك الوعود، وكل ذلك يعتمد على تاريخ الحزب ومصداقيته وبعده عن الفساد الذي بات يسوس العديد من الأحزاب العراقية، والاستثناء يؤكد القاعدة.

هنا أقدّم نموذجاً لترشيح النساء للأحزاب في مدينة كركوك ذو التركيب السكاني التعددي: نجوى كاكائي – الحزب الديمقراطي الكوردستاني، سلوى المفرجي – حزب تقدم، ديلان غفور – الاتحاد الوطني الكوردستاني، أشواق جعفر – جبهة تركمان العراق، منى الجبوري – التحالف العربي، وساهرة غرب – تحالف العزم.

احترام التركيب القومي والعقائدي للمجتمع هو الأساس الديمقراطي في الانتخابات، وهو الطريق الصحيح لنيل ثقة الشعب وتمثيلهم في جميع الانتخابات، وألا يكون الحزب ممثلاً لجزء من الشعب وفكر واحد، وتكون الحكومة كذلك. تجدر الإشارة إلى أن الحزب الوحيد الذي جمع جميع القوميات والعقائد الدينية كان الحزب الشيوعي العراقي والكوردستاني.

الدعاية الانتخابية التي بدأت بها الأحزاب السياسية في العراق يتميز فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بوجود مرشحين من الشعب بكل اتجاهاته القومية والعقائدية. الجدير بالإشارة بهذا الصدد أن الحزب تأسس في 16 آب (أغسطس) عام 1946 بقيادة الخالد الملا مصطفى البارزاني، وفي البداية كان اسم الحزب هو (الحزب الديمقراطي الكردي)، ولكن في المؤتمر الثالث الذي انعقد في مدينة كركوك بتاريخ 26/1/1953، تقرر تغيير الاسم إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ولا ريب أن رئيس البلاد أو الإقليم سيكون المتحدث باسم شعبه وفكره السياسي ويمثل بذلك جميع أبناء الوطن. وهذا الفكر سينعكس على مجمل الحياة السياسية وأداء الحكومة ومؤسسات الدولة والقوانين التي يسنها البرلمان لاحقاً.

أما معظم الأحزاب التي حكمت العراق، فكانت أحزاباً قومية وعربية وفشلت في قيادة البلد ودخلت في حروب جانبية مع شعبها ومع الجيران. لا ريب أن اعتماد الحكومات العراقية السابقة بعد إعلان الجمهورية 1958، خاصة بعد عام 1963، على أحزاب سياسية تمثل عنصر قومي واحد أي الأمة العربية في الحكم والسلطة (الاتحاد الاشتراكي العربي، حزب البعث)، وإهمال التركيب السكاني القومي والعقائدي للشعب العراقي، أدى إلى سواد فكر سلطوي وعسكري قومي التوجه وكان يسمى (عقائدي)، ولذا كانت ظالمة بحق الشعب العراقي. الجدير بالذكر هنا أن عرب العراق هم جزء من الأمة العربية وليس جميع العراقيين. هذا الخندق الأحادي جاء بالويلات على هذا الشعب العراقي وامتلأت السجون بالوطنيين العراقيين، وقُصفت كوردستان 75 عاماً حيث أهدر ثروات العراق بشراء الأسلحة والمعدات والطائرات والقنابل والعتاد لقصف كوردستان. هنا لا يجوز نفي وجود بعض الكورد ممن تعاونوا ويتعاونون مع الحكومات المتتالية.

المتابع للسياسة والسياسيين في العراق ما بعد الاحتلال 2003 يرى أن السوس الفكري القومي لا يزال ينخر جذور السياسيين الفكرية في تلك الأحزاب وممثليها في البرلمان، الذي شوهد في التصريحات العلنية في الإعلام، وادعاءاتهم المتكررة بمركزية الحكم ونقد أداء حكومة إقليم كوردستان كنتيجة مباشرة لفسادهم وفشلهم في تقديم ما قدمته حكومة الإقليم لشعبه من إنجازات وتطور في جميع المستويات وبميزانية لا تصل إلى نسبة 20 بالمئة من الثروة الوطنية. الغريب أن تلك الأفكار القومية باتت جزءاً أساسياً من تفكير معظم الأحزاب السياسية التي تتخذ الإسلام السياسي فكراً سياسياً، ولا تزال الحكومة الاتحادية حبر على ورق، ولم تصل الفكرة الأساسية في الشراكة في السلطة إلى وعيهم. فهم يناشدون ليل نهار بالمركزية في الحكم، والجدير بالذكر أن هؤلاء لم يقرؤوا حتى الدستور الاتحادي، ولم يفقهوا معاني فقراته حيث المشاركة والتوازن في الحكم بين الأقاليم والحكومة الاتحادية. ناهيك عن تدخلهم الواضح في الشؤون الداخلية للإقليم باستخدام سياسة "فرق تسد" القديمة وبالتعاون مع القوى الخارجية.

إذا ما جرت انتخابات حرة ونزيهة فهي سترسخ الديمقراطية، وإذا نتج عن خسارة البعض فعليهم إعادة النظر في أفكارهم وتصليح العطب. سيبقى الدستور الحجر الأساس للدولة العراقية الاتحادية، وعدا ذلك فوضى "لا تحمد عقباه".