يحي أبوزكريا
&
العقيد علي كافي عسكريّ محترف انضمّ الى الثورة الجزائرية منذ اندلاعها, وكان من كوادرها في منطقة الغرب الجزائري وقد أوكلت اليه مهمات عسكرية كثيرة أثناء الثورة الجزائرية, وكثيرا ما كان يتنقّل بين الجزائر وتونس الى تاريخ استقلال الجزائر.
وبعد الاستقلال مباشرة عمل في وزارة الخارجية, وعيّن سفيرا للجزائر في أكثر من عاصمة عربية كبيروت ودمشق و القاهرة وتونس. وكانت تربطه علاقات جيدة ببعض الرؤساء العرب من أمثال جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة, الى درجة أنّ التيار الفرانكفوني في الجزائر كان يعتبره قوميا عربيّا, وقد تعودّ الفرانكفونيون في الجزائر على اتهام كل من يحبّ الثقافة العربية ويميل الى اللغة العربية بأنّه قومي أو بعثي وما الى ذلك من المسميات, و في وقت لاحق باتوا يتهمون المعرّب بأنّه أصولي أو سليل الأصولية, وكأنّهم الأصل في الجزائر وغيرهم الدخيل.
وقد قضى علي كافي حياته متنقلا بين العواصم العربية, وأعتبره البعض في الجزائر بأنّه كان خارج اللعبة السياسية. وأثناء تعيينه على رأس المجلس الأعلى للدولة عقب اغتيال محمد بوضياف, قيل ساعتها أنّ السلطة تريد أن تعالج أزمة الثقة بين السلطة والرعيّة, لكن هذه الخطوة لم تفلح في ردّ الاعتبار للنظام, لأنّ الأزمة السياسية التي اندلعت في الجزائر كانت أكبر من كافي ونظرائه.
أنهيت مهام علي كافي الديبلوماسية في عهد الشاذلي بن جديد, حيث جرى تعيينه أمينا عاما لمنظمة المجاهدين التي ترعى شؤون المجاهدين الجزائريين الذين شاركوا في الثورة الجزائرية, وكانت هذه المنظمة محل انتقاد العديد من السياسيين باعتبار أنّ هذه المنظمة أهملت حقوق المجاهدين الفعليين, وبات المجاهدون المزيفون -وهم الذين زورّوا أوراقا ووثائق لاثبات أنهّم شاركوا في الثورة الجزائرية وحازوا على العديد من الامتيازات - في الواجهة يستفيدون من كافة الامتيازات التي حظيّ بها الذين شاركوا في الثورة الجزائرية فيما بعد. وللاشارة فانّ أيّ جزائري كانت تكفيه شهادة شخصين معروفين بدورهما أثناء ثورة التحرير للدلالة على أنّه شارك في ثورة التحرير, ومعظم هذه الشهادات كانت تتم بعد الاستقلال, وفي الوقت الذي حصل فيه الثوّار المزيفون أو الذين يسمّيهم الشارع الجزائري بثوّار 1962 أي تاريخ استقلال الجزائر, على امتيازات واسعة, فانّ المجاهدين الحقيقيين وعوائلهم مازالت ملفاتهم قيد الدرس, وكان العديد من أرامل الشهداء يقمنّ في الأكواخ القصديرية, ومازلن يطالبن بحقوقهن من خلال بعض المنظمات الحقوقية الجزائرية.
ولم يلعب علي كافي أي دور في المرحلة الشاذلية, وبرز اسمه عندما أطيح بالشاذلي بن جديد وعند تشكيل المجلس الأعلى للدولة, حيث أصبح علي كافي ضمن تشكيلة هذا المجلس الذي كان يضم محمد بوضياف رئيسا, وخالد نزار عضوا, وعلي كافي عضوا, وتيجاني هدّام عضوا, وعلي هارون عضوا.
وعندما كان علي كافي عضوا في المجلس الأعلى للدولة لم يكن له أيّ دور يذكر, فوجود كافي وهارون وهداّم كان رمزيّا تقريبا لأنّ القرارات الخطيرة والمصيرية كانت تتخّذ في مكان أخر, ويمكن القول أنّ الشخصيّة البارزة والمحورية في هذا المجلس كان اللواء خالد نزار وزير الدفاع في ذلك الوقت.
وكانت تركيبة المجلس الأعلى للدولة تركيبة هجينة غير متاجنسة بتاتا, فمحمد بوضياف كان ناقما على جبهة التحرير الوطني والذي على حسب رأيه أساءت الى تاريخه وسحبت من تحته البساط ولذلك شنّ عليها ومعه سيد أحمد غزالي حملة شعواء, الى درجة أنّ محمد بوضياف كان يتهكم على الأمين العام لحزب جببهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري وذلك في مهرجان عام أقامه الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي كان يتزعمه عبد الحق بن حمودة.
وعلي كافي الذي كانت له نفس المواقف من حزب جبهة التحرير الوطني, كان يعتبر نفسه أحد أبنائها, وكان غير مرتاح لزمرة المستشارين الفرانكفونيين الذين كانوا يحيطون ببوضياف, وكان كافي شخصيا يتهجّم على ما كان يسميه حزب فرنسا في الجزائر, وهددّ ذات يوم بفتح ملف هذا الحزب, لكنّه كان مجردّ تهديد ولم يفتحه أبدا.
أمّا تيجاني هدّام وعلي هارون فهما متناقضان بل ضدّان لا يلتقيان, فهدّام محسوب على الاسلام المستنير وكان قبل أن يصبح عضوا في المجلس الأعلى للدولة اماما لمسجد باريس في فرنسا, أمّا علي هارون فأبعد ما يكون عن قناعات هدّام وهو رجل فرانكفوني ومحسوب على التيار التغريبي, ويمكن ادراج علي هارون ورضا مالك في نفس السياق الفكري والتغريبي. أمّا خالد نزار وزير الدفاع فقد كان يمثل سلطة الجيش التي لا يعلو عليها أحد في الجزائر و قد كان يمثل الأقلية الاستئصالية في المؤسسة العسكري.
ونظرا لانعدام التجانس بين أعضاء المجلس الأعلى للدولة - الرئاسة الجماعية -, وفقدان هذا المجلس لمركزية القرار فقد بقيّ أشبه بالمتفرج على الأحداث التي عصفت بالجزائر, وفي كل الأوقات كان دوره يكمن في المصادقة على قرارات المواجهة مع الاسلاميين و قوانين مكافحة الارهاب. وعندما تولى علي كافي رئاسة المجلس الأعلى للدولة كان الوضع الأمني في الجزائر قد بلغ ذروته.

المهندس سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة في عهد محمد بوضياف, وفي المرحلة الأخيرة من عهد الرئيس الشاذلي بن جديد كان من أكبر المتورطين في تنفيذ الصيغة الانقلابية على الشاذلي بن جديد, فالرجل الذي وعد بانتخابات حرة ونزيهة لعن الساعة التي أعلن فيها أنّ الجزائر ستعيش عرسا ديموقراطيا عند اجراء الانتخابات التشريعية الملغاة, وحتى على الصعيد الاقتصادي فلم يتمكن برنامج سيد أحمد غزالي من انعاش الاقتصاد الجزائري, وغاية ما فعله أنّه زاد من ربط الجزائر بصندوق النقد الدولي وفي عهده تضاعفت الاتصالات بين صندوق النقد الدولي والجزائر والتي انتهت في أخر عهد حكومة رضا مالك بالرضوخ الكامل لشروط ميشال كامديسو مدير صندوق النقد الدولي, وعرض أبار النفط في حاسي مسعود للبيع, و أعتبر سيد أحمد غزالي نفسه مخفقا على الصعيدين السياسي والاقتصادي, فسياسيّا و بعد أن وعد باجراء انتخابات حرّة ونزيهة لم يف بوعده وكان من أوائل المرتدين عن الديموقراطية, واقتصاديا لم ينجح في تحريك عجلة الاقتصاد.
كما أنّ الذين أوحوا له أنّ مستقبله السياسي سيكون زاهرا لم يقفوا معه الى الأخير, وكان لزاما عليه بعد كل هذا أن ينسحب من رئاسة الحكومة, وخصوصا في ظلّ غياب الانسجام بينه وبين رئيس المجلس الأعلى للدولة المعيّن حديثا علي كافي.
وبعد استقالة حكومته تمّ تعيين بلعيد عبد السلام رئيسا للحكومة الجديدة, وقيل عندها أنّ البومدينيين قد عادوا الى الواجهة باعتبار أنّ علي كافي وبلعيد عبد السلام كانا محظوظين في عهد هواري بومدين, وتحديدا بلعيد عبد السلام صاحب فكرة التصنيع في العهد البومدييني.
ورئيس الحكومة المعيّن من قبل المجلس الأعلى للدولة بلعيد عبد السلام شارك في الثورة الجزائرية منذ اندلاعها, وكان يعتبر من الشخصيات الوطنية المعروفة ببغضها لفرنسا كما عبرّ عن ذلك شخصيّا أكثر من مرة, وبعد الاستقلال مباشرة وجد نفسه مسؤولا عن قطاع الطاقة والمحروقات وساهم مع هواري بومدين في تأميم النفط الجزائري, وانهاء احتكار فرنسا لتنقيب وتسويق النفط الجزائري. وعندما قاطعت فرنسا النفط الجزائري انفتح على الشركات الأمريكية و خصوصا شركة البازو الأمريكية التي وقعّت اتفاقا مع الجزائر بموجبه تشتري هذه الشركة النفط الجزائري ولمدّة 25 سنة.
وبسبب خبرته في مجال التصنيع أوكل اليه هواري بومدين مهمة تطوير الصناعة الجزائرية, وكان عندها وزيرا للطاقة والصناعات الثقيلة, وقد اتبعّ بلعيد عبد السلام نفس الخطط التنموية التي كانت سائدة في دول المحور الاشتراكي سابقا.
وعندما وصل الشاذلي بن جديد الى سدّة صنع القرار بعد وفاة هواري بومدين قام بتطهير النظام الجزائري من أركان البومديينية, ووجد بلعيد عبد السلام نفسه على الهامش, ولم توكل اليه أيّ مهمة رسمية عدا استمراره كعضو بارز في حزب جبهة التحرير الوطني, هذا الحزب الذي سحبت منه صلاحيات الحكم بعد ثلاثين سنة من الأحادية السياسية, لم تعرف فيها الجزائر غير جبهة التحرير الوطني حكما وسلطة وايديولوجيا ونهجا سياسيا. وبسبب تهميشه من قبل الشاذلي بن جديد, وتضاؤل حجم جبهة التحرير التي كان ينتمي اليها انسحب فيما بعد من العمل السياسي كليّة. وأثناء الانتخابات التشريعية الملغاة والتي جرت في أواخر كانون الأول - ديسمبر - 1991 رشحّ بلعيد عبد السلام نفسه في قائمة المستقلين محتجا بذلك على حزب جبهة التحرير الوطني التي باتت لا تزكي الاّ أقرب الناس اليها, ولم يحالفه الحظ في الفوز, ولم يتمكن من الحصول الاّ على صوته.
وعقب تعيينه رئيسا للحكومة خلفا لسيد أحمد غزالي قال : أنّ البعض يعيب عليه سقوطه في الانتخابات, وفجأة وجد نفسه في الواجهة ! وبالرغم من أنّ علي كافي وبلعيد عبد السلام عملا لفترة طويلة مع هواري بومدين, الاّ أنّ المستجدات الجزائرية فرقّت بينهما وتفاقمت بينهما الخلافات الى درجة أنّ رئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي وعندما كان في القاهرة للمشاركة في أعمال مؤتمر الوحدة الأفريقية قال : امّا هو أو أنا, وكان يقصد بلعيد عبد السلام.
&
بوصول علي كافي الى رئاسة المجلس الأعلى للدولة كانت المواجهات الدامية بين القوات النظامية والجيش الاسلامي للانقاذ الذراع العسكرية للجبهة الاسلامية قد اتسعّت رقعتها. وقبل ذلك كانت هناك الحركة الاسلامية المسلحة بقيادة عبد القادر شبوطي, وبرزت الى الوجود الجماعة الاسلامية المسلحة التي أعلنت عن نفسها كجماعة اسلامية مسلحة مستقلة عن الجبهة الاسلامية للانقاذ, والتي تزعمّها في البداية عبد الحق العايدية الذي اعتقلته السلطات المغربية في مدينة وجدة المغربية وقامت بتسليمه الى الأجهزة الأمنية الجزائرية, وتولّى قيادة هذه الجماعة بعده مراد سي أحمد الملقّب بجعفر الأفغاني وبعد مقتله من قبل قوات الأمن الجزائرية في منطقة بوزريعة وسط الجزائر العاصمة , تمّ تعيين صياح عطية أميرا لهذه الجماعة, وظلّت هذه الجماعة تفقد زعماءها الى أن تولىّ زعامتها عنتر الزوابري.
وقد أتخذّ المجلس الأعلى للدولة مواقف متشددة تجاه هذه الجماعات, وكان خطاب علي كافي يتسم بالتصعيد والمواجهة والحرب التي لا هوادة فيها مع الجماعات الاسلامية المسلحة, كما أنّ علي كافي صادق على تشكيل المحاكم الخاصة الاستثنائية التي تنظر في قضايا العنف السياسي وقد أصدرت هذه المحاكم عشرات الأحكام بالاعدام.
كما وضع المجلس الأعلى للدولة في عهد علي كافي قوانين مكافحة الارهاب التي جاءت مكمّلة للأحكام العرفية وقوانين حالة الطوارئ, وكان المجلس الأعلى للدولة في كل تحركاته و تصريحاته وقراراته يعكس رؤية الصقور داخل المؤسسة العسكرية, وفي الوقت الذي انصرف فيه المجلس الأعلى للدولة الى صياغة خطاب المواجهة وتوسيع رقعتها, كانت حكومة بلعيد عبد السلام تحاول اخراج الاقتصاد الجزائري من عنق الزجاجة,&لكنّ بلعيد عبد السلام الذي استطاع في حقبة الحرب الباردة والظروف الدولية المعروفة أنذاك من تطوير الاقتصاد الجزائري, وجد نفسه في وضع محلي يتسم بالغليان والانفجار, وفي وضع عالمي ودولي مغاير كل المغايرة لما كان عليه واقع العالم في السبعينيات. وبسبب خلفيته الاشتراكية والبومديينية, لم تكن باريس وواشنطن راغبتين فيه, بل انّ الادارة الأمريكية برئاسة بيل كلينتون أبدت انزعاجها لوجود بلعيد عبد السلام على رأس الحكومة الجزائرية. وعندما تأكدّ لبلعيد عبد السلام استحالة النهوض بالاقتصاد, لأن ذلك لا يتم بدون الوصول الى حلّ سياسي للأزمة القائمة, بدأ يخرج عن قواعد اللعبة ويدلي بتصريحات أزعجت المؤسسة العسكرية ورئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي, وقد أعلن بلعيد عبد السلام عن استعداده للتحاور مع المعتدلين في الجبهة الاسلامية للانقاذ مما أزعج الجيش, كما أنّه دخل في صراع مع الاعلام الجزائري المستقل بعد قيامه باغلاق بعض العناوين الصحفية. وعندما عاد الرئيس السابق أحمد بن بلة من سويسرا التقى ببلعيد عبد السلام, وعندها طلب بلعيد من بن بلة أن يقنع الجنرال خالد نزار بضرورة اقالة الجنرالات المتشددين داخل المؤسسة العسكرية, وبعدها بأسبوع واحد وجد بلعيد عبد السلام نفسه مبعدا, وجرى تعيين رضا مالك رئيسا جديدا للحكومة.
&
وكثيرا ما كان بلعيد عبد السلام يطمح أن يكون الرجل الأول في الجزائر, وأثناء وجود علي كافي في القاهرة للمشاركة في أعمال منظمة الوحدة الافريقية, ألقى بلعيد عبد السلام خطابا مطولا بثّه التلفزيون الجزائري قال فيه: أنّ المؤسسة العسكرية هي التي جاءت به, وأنّه حائز على دعمها. وقد فسّر هذا الخطاب بأنّه تملق للمؤسسة العسكرية وتطلعّ الى الرئاسة. وعندما بدأ بلعيد عبد السلام يتحدث عن ضرورة الحوار والمصالحة الوطنية, وجد نفسه مقالا من رئاسة الحكومة ليحلّ محله رضا مالك الذي كان يعتبر من الاستئصاليين الذين يؤمنون بضرورة الغاء كامل للتيار الاسلامي من المشهد السياسي الجزائري, كما تبنىّ مشروع استرجاع هيبة الدولة وتصعيد المواجهات ونقل معسكر الخوف من السلطة والى الأصوليين. ورضا مالك الذي ينتمي الى منطقة باتنة مسقط رأس الجنرال خالد نزار أيضا, كان على علاقة وطيدة بالحزب الشيوعي الفرنسي, ثمّ بالحزب الشيوعي الجزائري الذي تأسسّ أثناء استعمار فرنسا للجزائر. وبعد الاستقلال انضمّ رضا مالك الى الخارجية الجزائرية حيث عيّن سفيرا للجزائر في بعض العواصم منها : موسكو, باريس, واشنطن و هي عواصم مهمة وكانت تهتم بالملف الجزائري وكل لغاية معينة. وبعد الاطاحة بالشاذلي بن جديد عيّن رضا مالك رئيسا للمجلس الاستشاري وهو هيئة أقيمت مقابل البرلمان الملغى, وكان هذا المجلس يقوم بالمصادقة على القوانين التي يصدرها المجلس الأعلى للدولة, وكان هذا المجلس يضمّ 60 عضوا أغلبهم من اليسار والفرانكفونيين والبربر.
ومن القرارات الخطيرة التي اتخذها رضا مالك هو الغاء قانون التعريب الذي صادق عليه البرلمان الجزائري قبل حلّه من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد, وكان قانون التعريب ينصّ على تعريب الدولة وادارتها وكل المفاصل الحيوية السياسية والتربوية, وكان يفترض أن يتمّ تنفيذ القانون في 05 تموز -يوليو - 1992. وبررّ رضا مالك موقفه من الغاء قانون التعريب بقوله أنّ الظروف الدولية لا تسمح بتعميم قانون التعريب !
كما أنّ لرضا مالك موقفا من الاستعمار الفرنسي, ففي كتابه - التقليد والثورة - يدعو الى نسيان الماضي والانفتاح على فرنسا والغرب عموما. ووجود علي كافي على رأس المجلس الأعلى للدولة, ورضا مالك على رأس الحكومة أعطى انطباعا بأنّ الازدواجية باتت سيدّة الموقف في الجزائر, وأنّ التناقضات قد بلغت ذروتها, فكافي هددّ بفضح حزب فرنسا, ورضا مالك يعتبر أحد منظرّي هذا الحزب في الجزائر, وقد شهدت الجزائر عندما تولى رضا مالك رئاسة الحكومة ارتفاعا مضطردا للاعدامات والتصفيّات الجماعية التي كانت تقوم بها فرق الموت النظاميّة.
&
الوعود التي تقدمّ بها المجلس الأعلى للدولة بقيت حبرا على ورق, فلا هيبة الدولة أسترجعت, ولا الانعاش الاقتصادي تحققّ, ولا المعارضة الأصولية المسلحة تمّ القضاء عليها. وبات واضحا أنّ الجزائر اتجهّت نحو عزلة خانقة وانكفاء كامل عن ممارسة دورها على مستوى محيطها المغاربي ومحيطها العربي والاسلامي, والجزائر التي كانت حاضرة في كل المحافل الدولية والتي كانت تستقبل العالم الثالث في عهد هواري بومدين, أصبحت فعليّا تعيش هاجس السقوط ومخاوف الانهيار. وعندما تبنى المجلس الأعلى للدولة برئاسة علي كافي فكرة الحوار والاتصال بالأحزاب السياسية التي وضع نشاطها في ثلاجة, انقسمت الأحزاب الجزائرية على نفسها, فالأحزاب الوطنية والاسلامية كانت تعتبر من جهة أنّ الحوار ملغوم, وأنّ السلطة لديها مشروع معين تريد أن تمررّه, ومن جهة أخرى طالبت هذه الأحزاب باشراك الجبهة الاسلامية للانقاذ في أيّ حوار محتمل بين السلطة والمعارضة, أمّا التيارات الفرانكفونية واليسارية و البربرية - والمقصود هاهنا التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية بزعامة سعيد سعدي الذي كان يطالب بابادة جبهة الانقاذ الاسلامية, أما التيار البربري الأخر وهو جبهة القوى الاشتراكية بزعامة حسين أيت أحمد فكان على الدوام يطالب باشراك الجبهة الاسلامية للانقاذ في أي حلّ سياسي للأزمة القائمة في الجزائر - فقد كانت تطالب بالعنف المضاد والدخول في مواجهة شاملة مع الاسلاميين. وقد اتهمّت الأحزاب الوطنية والاسلامية المجلس الأعلى للدولة بأنّه يناور لكسب الأحزاب الى صفه خصوصا و أنّ ساعة انتهاء مهامه قد حانت. ومع تعددّ مراكز القوة, وصراع الحمائم والصقور داخل المؤسسة العسكرية ودوائر القرار أصبح الحوار مجردّ لعبة سياسية, ومجردّ نغمة جميلة.
ولكن مجرد طرح فكرة الحوار من قبل المجلس الأعلى للدولة كان مؤشرا على أنّ سياسة الحلول الأمنية و الاستئصالية قد وصلت الى طريق مسدود, وأنّ الاجراءات الصارمة والاستثنائية قد فاقمت الوضع الأمني و صعدّت الموقف وقد سقطت جرّاء ذلك كل المحاذير بل وسقطت لغة العقل و الحوار, وبات القتل والقتل المضاد هما السمتان الطاغيتان على الحالة الجزائرية. و لم يتمكن دعاة المواجهة الشاملة الذين وضعوا ثقلهم ومقدرات الجزائر في خدمة خطّ المواجهة من اعادة الاستقرار والهدوء الى الجزائر , وكاد الخراب يتسلل الى المؤسسة العسكرية التي ظلّت المؤسسة الوحيدة المحافظة على تماسكها حيث فرّ مئات الجنود من الثكنات وألتحقوا بقوافل الجماعات الاسلامية المسلحة في الجبال, وبدأت هذه المؤسسة تستشعر الخطر, ثمّ حدثت المفاجأة باستقالة الرجل الأقوى في الجزائر الجنرال خالد نزار من وزارة الدفاع.
&
يعتبر الجنرال خالد نزار وزير الدفاع من الشخصيات القوية التي أمسكت بخيوط اللعبة الجزائرية منذ انتفاضة خريف الغضب في 05 تشرين الأول - أكتوبر - 1988 والى تارخ استقالته, وكان خالد نزار وراء العديد من التطورات التي عرفتها الجزائر بعد أحداث أكتوبر. وينتمي خالد نزار الى منطقة باتنة, وألتحق بصفوف الثورة الجزائرية في أواخر أيامها, وبعد الاستقلال أصبح خالد نزار رائدا في الجيش الجزائري وأتمّ تكوينه العسكري في المعاهد العسكرية في الاتحاد السوفياتي السابق ثمّ في فرنسا, وعندما وصل الشاذلي بن جديد الى الحكم, رقيّ خالد نزار الى رتبة لواء, وتمّ تعيينه رئيسا لهيئة الأركان, وعندما تخلى الشاذلي بن جديد عن وزارة الدفاع أصبح الجنرال خالد نزار وزيرا للدفاع حيث تمكنّ من تحديث المؤسسة العسكرية والامساك بخيوطها ومفاصلها. وقد عينّ نزار الموالين له داخل المؤسسة العسكرية في المناصب الحسّاسة ليضمن ولاء الجميع له وليجنبّ نفسه المفاجأت, وشهدت الجزائر بعد سطوع نجمه داخل المؤسسة العسكرية العديد من الأحداث منها:
&
- فرض حالة الحصار العسكري في 06 تشرين الأول - أكتوبر - 1988.
-& تعيين مدير المخابرات العسكرية الأسبق قاصدي مرباح رئيسا للحكومة الجزائرية بعد أحداث أكتوبر مباشرة.
-& اقالة قاصدي مرباح وتعيين مولود حمروش خلفا له.
-& اقالة مولود حمروش وتعيين سيد أحمد غزالي خلفا له.
- فرض حالة الحصار العسكري في 05 حزيران -يونيو- 1991 واعتقال قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج وغيرهما.
-& الانقلاب على الشاذلي بن جديد وفرض حالة الطوارئ وحلّ الجبهة الاسلامية للانقاذ في 09 شبّاط - فبراير - 1992.
-& تأسيس المجلس الأعلى للدولة واستقدام محمد بوضياف الى الجزائر.
&
وبعد اقالة الشاذلي بن جديد أصبح الجنرال خالد نزار الرجل الأقوى بلا منازع, خصوصا في ظلّ تجذّر المعادلة التي مفادها أنّ الجيش هو النظام السياسي والنظام السياسي هو الجيش في الجزائر. وبالاضافة الى الجنرال خالد نزار فقد كان معه مجموعة من الجنرالات الذين كانوا يشكلّون مراكز القوة في ذلك الوقت ومنهم اللواء محمد العماري واللواء عباس الغزيل واللواء عبد المالك قنايزية الذي كان رئيسا لهيئة الأركان وأحيل الى التقاعد بعدها, والذي حلّ محله اللواء محمد العماري الذي أصبح ذا شأن كبير في المؤسسة العسكرية بعد خروج خالد نزار منها. و يعتبر الكثير في الجزائر اللواء محمد العماري بأنّه من أبرز الصقور داخل المؤسسة العسكرية, وهو ينتمي الى المنطقة القبائلية, وكان من الضبّاط الذين التحقوا بصفوف الثورة الجزائرية في أواخر أيامها, ويعرف هو وكثير من الجنرالات بأنهّم من ضباط فرنسا أي الضباط الجزائريين الذين عملوا في صفوف الجيش الفرنسي وألتحقوا بالثورة الجزائرية في أواخر أيامها و قبيل الاستقلال بقليل,وقد سطع نجم محمد العماري في عهد علي كافي. وفي عهد علي كافي شهد الوضع الأمني تصعيدا خطيرا, وبات واضحا أنّ السياسة الفولاذية لم تؤد الى أيّ نتيجة تذكر, فالجماعات الاسلامية المسلحة بدأت تكبر وتشكل خطرا حقيقيا على مصالح كثيرين في الجزائر, وبدأت دائرة الصراع تتسع, والاغتيال أصبح يطاول الأجانب والمثقفين والصحفيين ورؤساء الأحزاب, و قد تشكلت عندها فرق الموت ويقال أنّ الذي كان يشرف عليها هو الجنرال محمد العماري. وكانت المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت قد أعادت ترتيب نفسها, وتفاديا للخروقات تشكلت ثمانية أجهزة محصنّة. وتتوزع هذه الأجهزة كالتالي:
1- جهاز الأمن العسكري بقيادة الجنرال محمد مدين وأسمه الحركي الجنرال توفيق, وهو شخصية أمنية من الدرجة الأولى, ويدير أهم ثكنة في الجزائر وهي ثكنة بني مسوس الاستخباراتية.
2-& جهاز مكافحة التجسس وكان يشرف عليه اللواء العماري اسماعيل المتخصص في اختراق الجماعات الاسلامية المسلحة, وهو الذي اكتشف أحد الوزراء الجزائريين وهو يسلّم بعض الملفات للسفارة الايرانية وعلى اثره قطعت العلاقات الجزائرية -الايرانية.
3-& الأمن الخاص وكان يشرف عليه محمد طلبة الوزير المكلف بالأمن, ورئيس الدرك الوطني عباس غزيّل.
4- الأمن الخارجي وكانت وظيفته ملاحقة المعارضين في الخارج من اسلاميين وغيرهم, وهذا الجهاز شديد الصلة بمعظم أجهزة الاستخبارات العربية والعالمية.
5-& جهاز الطوارئ وكان يشرف عليه اللواء محمد العماري قائد قوات مكافحة الارهاب والوحدات الخاصة.والذي كان يسميه الأصوليون الجنرال ماسو, هذا الجنرال الفرنسي الذي أرسله الجنرال شارل ديغول الى الجزائر لذبح الثورة الجزائرية و الثوّار الجزائريين عندما أصبحت الثورة الجزائرية تؤرّق المضجع الفرنسي والاليزيه على حدّ سواء.
6-& البوليس السري وهو جهاز يلاحق أشخاصا من دائرة النظام يهددون الأمن القومي.
7-& جهاز التنسيق ويقوم بالتنسيق مع بقية الأجهزة.
8- الأمن العام وفروعه المتشعبة.
وكثيرا ما كان عدم التوافق بين مراكز القوة يؤدي الى فشل الحوار أو المصالحة كما حدث فيما بعد, في عهد اليامين زروال.
وفي الوقت الذي اشتدّت فيه الخلافات بين دعاة الحوار ودعاة المواجهة, فاجأ رجل التوازن ومركز الثقل في لعبة التوازنات الجنرال خالد نزار الجميع باستقالته.
وقدمّ المراقبون داخل الجزائر أنذاك ثلاثة تفسيرات لهذه الاستقالة, فمنهم من أرجعها الى أزمة خالد نزار الصحية والمتدهورة, ولذلك فهو لا يقدر على الاستمرارية في ادارة اللعبة ومنهم من أرجع الاستقالة الى كونها انقلابا على الانقلاب, وبمعنى أخر هي لعبة جديدة من ألاعيب الصقور, ومنهم من أرجع الاستقالة الىكونها تندرج في سياق اعادة ترتيب بيت المؤسسة العسكرية, تمهيدا لاعادة ترتيب البيت السياسي, فخالد نزار وان كان قد أزاح بدنه عن البيت العسكري الاّ أنّ روحه و فكره وعلاقاته بمواليه ظلّت في شرايين المؤسسة العسكرية وهذا ما يفسّر بقاؤه محل احترام الجنرالات الذين أستلموا الراية من بعده.
وبقدر ماكانت استقالة خالد نزار مفاجئة لكثيرين, كان تعيين الجنرال المتقاعد اليامين زروال على رأس وزارة الدفاع مفاجأة أخرى. فالجنرال اليامين زروال كان أول جنرال في تاريخ المؤسسة العسكرية يقدّم استقالته للرئيس الشاذلي بن جديد, وقيل عن الاستقالة يومها أنّها اعتراض على مشروع رئيس قيادة الأركان خالد نزار القاضية بتحديث الجيش الجزائر ومعنى ذلك التعامل مع مصادر التسليح في الغرب, وبعد انسحابه من المؤسسة العسكرية تمّ تعيينه سفيرا للجزائر في رومانيا والتي كانت جبهتها الداخلية ملتهبة وأفضت الى اعدام رئيس رومانيا شاوشيسكو, وأنقطع عن العمل الديبلوماسي, وعن أي عمل سياسي مفضلاّ الاهتمام بأعماله الخاصة, وتشاء الظروف أو يشاء عرّاب الانقلابات داخل المؤسسة العسكرية الجنرال خالد نزار أن يصبح اللواء اليامين زروال وزيرا للدفاع ثمّ رئيسا للجزائر بعد انتهاء مهام المجلس الأعلى للدولة.
وبعد تعيين اللواء اليامين زروال على رأس وزارة الدفاع توجه هذا الأخير الى زعماء الجبهة الاسلامية للانقاذ في سجن البليدة العسكري و تحدث معهم بشأن الحوار و طلب منهم مساعدته في اخراج الجزائر من مأزقها الأمني.
وكلما كان الحوار يخطو خطوة الى الأمام كان دعاة المواجهة يفجرّون الموقف, فوجود اللواء محمد العماري واللواء محمد تواتي داخل المؤسسة العسكرية ورضا مالك على رأس الحكومة حال دون أن ينجح الحوار. وحتى لمّا تبنى بعض هؤلاء الحوار كان الهدف من ورائه تكريس وجودهم في دوائر القرار والنفوذ.
وأوشكت مهام المجلس الأعلى للدولة على الانتهاء في أواخر 1993 والجزائر تعيش على وقع المواجهات والاغتيالات والتفجيرات والتمشيطات والاشتبكات وبعبارة أخرى الانهيار الكامل ...
والحوار الذي فتحه المجلس الأعلى للدولة مع الطبقة السياسية الجزائرية انتهى الى طريق مسدود ولجوءه الى الحوار في أخر عهده كان الهدف منه اشراك الأحزاب الجزائرية في تكريس سيناريو السلطة المقبل , خصوصا وأنّ المجلس الأعلى للدولة سينسحب من المشهد السياسي ولا يمكن تمديد ولايته لمرحلة انتقالية ثانية, فأعضاء المجلس الأعلى للدولة تعهدّوا أمام الشعب الجزائري بأنهّم سوف ينسحبون من الحياة السياسية في نهاية 1993.
&
لكن ماهو البديل!
&
أفكار عديدة وبدائل كثيرة طرحها صنّاع القرار داخل المؤسسة العسكرية بشأن مواجهة الاستحقاق المقبل.وقد كثر اللغط حول هذه المسألة عندما فشلت لجنة الحوار التي شكلها المجلس الأعلى للدولة والتي كان يرأسها يوسف الخطيب وعضوية سبعة أشخاص, ثلاثة منهم جنرالات وهم الجنرال دراجي وصنهاجي وتاغيت. وكانت لجنة الحوار قد اتصلت بحزب جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية فسمعت هذه اللجنة من هذه الأحزاب شرطا واحدا للتعاطي الجدّي مع السلطة وهو اشراك الجبهة الاسلامية للانقاذ في أي حوار جدي, وأي حوار بدونها سيكون حوار طرشان, أما حزب التحدي الشيوعي والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري فقد كانا يعتبران الحوار مع الجبهة الاسلامية للانقاذ خيانة. وأتصلت لجنة الحوار بقادة الانقاذ في سجن البليدة العسكري وسمعت الى شروط الانقاذ للدخول في أي حوار مع السلطة يكسبها شرعية ومن هذه الشروط : اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين بما في ذلك قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ, محاسبة المتورطين في الجرائم السياسية, عودة الجبهة الاسلامية للانقاذ الى العمل السياسي والعودة الى المسار الانتخابي الملغى.
لكن الذين أوعزوا للجنة الحوار بالتحرك لم يستسيغوا هذه الشروط, وعملوا على تقديم بديلهم حتى لو كان من طرف واحد, وعندما حانت الساعة لانسحاب المجلس الأعلى للدولة في 31 كانون الثاني -يناير - 1993 وتفاديّا للدخول في شغور الدولة مجددا كما حدث عقب اقالة الشاذلي بن جديد, طالبت لجنة الحوار من هيئة الأمن العليا بتمديد فترة المجلس الأعلى للدولة الى نهاية كانون الثاني - يناير - 1994, وبالفعل تمّ تمديد فترة المجلس الأعلى للدولة الى التاريخ المذكور, كما حددّت لجنة الحوار موعد 25 و26 كانون الثاني - يناير -1994 موعدا لانعقاد ندوة الوفاق الوطني.
&
رفضت الأحزاب الجزائرية الوطنية والاسلامية المشاركة في ندوة الوفاق, وتحديدا الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الملغاة الجبهة الاسلامية للانقاذ, وجبهة القوى الاشتراكية و حزب جبهة التحرير الوطني, و حضر ندوة الوفاق الوطني رجالات النظام والمؤسسة العسكرية, ومن الأحزاب التي شاركت في ندوة الوفاق الوطني وأنسحبت في نفس اليوم حركة المجتمع الاسلامي -حماس - بزعامة محفوظ نحناح.& وندوة الوفاق الوطني كانت في الواقع ندوة للسلطة التي كانت تبحث عن مخرج للمأزق الذي كانت تتخبط فيه, وقبل انعقاد هذه الندوة وجه وزير الدفاع الجنرال اليامين زروال خطابا موجها الى الشعب الجزائري جاء فيه : أنّ الجيش الجزائري لن يبقى مكتوف الأيدي متفرجا على انهيار الجزائر. وكانت المؤسسة العسكرية قبل انعقاد ندوة الوفاق الوطني اتصلت بعبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية في عهد هواري بومدين, والذي غادر الجزائر بعد اقصائه من أيّ مهام في عهد الشاذلي بن جديد, وكان اسمه قد ورد في لجنة المحاسبة التي شكلها الشاذلي بن جديد لمحاسبة أصحاب النفوذ الذين جمعوا ثروات هائلة من خلال مناصبهم ومواقعهم, وقد حاولت المؤسسة العسكرية اقناع عبد العزيز بوتفليقة بتولّي منصب الرئاسة, فطالب بصلاحيات واسعة, فما كان من المؤسسة السيدة الاّ أن قالت له عد من حيث جئت.وجرى ايهام الرأي العام الجزائري بأنّ عبد العزيز بوتفليقة سيكون الرئيس المقبل, وحصلت المفاجأة أثناء انعقاد ندوة الوفاق الوطني, عندما أعلن الناطق باسم لجنة الحوار أنّ عبد العزيز بوتفليقة قد سحب ترشيحه, وعندها لم يجد مجلس الأمن الأعلى حلاّ غير تسمية الجنرال اليامين زروال رئيسا للدولة الجزائرية بالتعيين. وبهذا التعيين تقررّ انهاء مهام المجلس الأعلى للدولة الذي حكم لفترة انتقالية بدءا من 16 كانون الثاني -يناير -1992 والى 31 كانون الثاني - يناير -1994.
&
ومحمد بوضياف الذي حكم الجزائر 166 يوما لم يتمكن من اخراج الجزائر من عنق الزجاجة, وكذلك علي كافي الذي انصبّ المجلس الأعلى للدولة في عهده على تقنين منطق المواجهة والاستئصال. لقد كان وجود علي كافي على رأس السلطة في الجزائر للتأكيد فقط على أنّ الدولة مازالت مستمرة, وأنّ الجمهورية مازالت قائمة, ولم يشفع له تمرسّه الديبلوماسي في اعادة جسور التواصل بين الجزائر والدول الأخرى, بل أزدادت الجزائر في عهده عزلة وانطواءا,وقفز الصراع المغربي -الجزائري الى الواجهة باعتبار أنّ علي كافي ينتمي الى العهد الذي شهد بداية تصدع العلاقات بين الجزائر والمغرب. لقد عجز علي كافي عجزا كاملا في ايجاد مخرج للأزمة الجزائرية, ربما بسبب كونه لم يحكم أصلا, بل كان صدى لأصحاب اللعبة الحقيقيين.& ومن بوضياف الى كافي تعمقّت أزمة الشرعية في الجزائر, وتأكدّ للجميع في الجزائر أنّ الحل لا يكمن في ذهاب هذا ومجيئ ذاك, بل انّ الحل يكمن في اعادة الاعتبار لارادة الشعب الجزائري و اعادة صياغة النظام صياغة سياسية بعيدة عن الأوصياء في مواقع الحل والربط وفي مواقع القوة. وكان الجنرال اليامين زروال ينوي اعادة ترميم النظام من الداخل ولكن من زاوية حادة وليس من زاوية منفرجة!
&