قصّة السياسي الأكثر دهاءً في الشرق الأوسط (2-4)
حافظ الأسد... الهروب إلى القمة
قصّة السياسي الأكثر دهاء في الشرق الأوسط (1-4) حافظ الأسد... من بيوت الحجر إلى ناشط طلابي متكلم! |
زيد بنيامين من دبي: كان حافظ الأسد يعيش بعيدًا خلال السنة الأولى من عمر الوحدة بين مصر وسوريا... حيث نجح في الوصول إلى الإتحاد السوفياتي ليتدرب على قيادة طائرتي (ميغ 15) و (ميغ 17) والتي كان من المقرر ان تسلم الى سوريا ضمن صفقة سلاح وقعت بين البلدين، وحال عودته من البعثة أرسل الأسد إلى مصر مع مجموعة من الضباط السوريين... كان الرجل حانقًا على قيام عبد الناصر بتهميش السوريين في النظام العربي الجديد في الدولة المتحدة، وعلى الرغم من أن زيارته كانت قصيرة لدمشق لكنها كانت كافية ليطلع على كل المستجدات... وهنا جاء القرار بتشكيل فريق مهمته السيطرة على العاصمة السورية دمشق وإبعادها عن الوحدة، ولكن سرعان ما تحول هذا الحلم الى السيطرة على سوريا بأكملها.
السنوات التي تلت الوحدة كانت كفيلة بتغذية حلم الاسد في السيطرة على سوريا خصوصًا لما شهدته من اضطراب سياسي... فالاعدامات كانت جارية على قدم وساق في جميع انحاء البلاد.. كما كان ارسال خيرة ابناء سوريا كمنفيين الى الخارج امرًا طبيعيًا... وكان الجيش احد ضحايا هذه السياسة .. حتى اندلعت حرب عام 1967 وفيها وجد الجيش السوري نفسه في اسوء حالاته وغير جاهز للمشاركة في اي معركة بهذا الوزن كونه من دون اعداد للمواجهة ومن دون عناصر يمكن الاعتماد عليها لمثل هذه الحروب السريعة..
كانت الحروب التي شهدتها المنطقة خلال الفترة بين 1967 و1973 قد مهدت الطريق للاسد للوصول الى الحكم ... فمع حلول فبراير العام 1966 وصل الاسد الى منصب وزير الدفاع بنجاح مجموعته التي شكلها في القاهرة من اجل ابعاد سوريا عن الهيمنة المصرية في الوصول الى الحكم .. وقتها كان الاسد يبلغ من العمر 35 عاماً وكانت تلك هي مشاركته الحكومية الاولى .. وعرف عن هذه الحكومة التي شارك فيها بأنها الاقسى في تاريخ سوريا المعلوم حتى ذلك الوقت ، فقد مارست القمع في الداخل، وحاولت انهاء النخبة السياسية السنية في البلاد ، كما دعمت الجماعات الفلسطينية في الخارج وخصوصًا في الاردن..
وبحلول نهاية العام 1967 كان العرب على موعدهم مع حرب جديدة مع اسرائيل والتي استمرت في حدود الاسبوع ... كانت تلك الحرب حركة عسكرية اكثر منها حركة تكتيكية .. فالحرب على الارض قد اثبتت افلاس الشعارات وكذب البيانات العربية بخصوصها .. وخلال ست ايام فقط احس العرب بالحرج بعد ان فقدوا القطاع الشرقي من القدس وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان في سوريا بينما كانت بياناتهم تسقط الطائرات بشكل يخيل ان العرب كانوا يصيدون الذباب! وباعتباره وزيرًا للدفاع فقد نال الرجل ما ناله من نقد بعد الفشل في تلك الحرب.
في عام 1970 كان الاسد على موعد مع السلطة حيث كانت مواجهات الفلسطينيين والاردنيين في ما عرف باحداث ايلول الاسود في الاردن وشوارع عمان تحديدًا سببًا لما سماه الاسد فيما بعد (الحركة التصحيحية)، وقتها ارسلت سوريا الدبابات الى الحدود لدعم المجموعات الفلسطينية ضد حكم الملك حسين في عمان ولكن وزير الدفاع (وهو الاسد) تقاعس عن ارسال القوات الجوية لدعم تلك المجموعات التي اصبحت هدفًا سهلاً للقوات الجوية الاردنية والمفارقة ان الرجل الذي انقذه الاسد بعدم ارساله تلك الطائرات سيظل على خلاف قوي معه حتى موت الاثنين فيما بعد.
كانت سوريا ما زالت تعيش حالة الفوضى التي ازدادت بوصول الجيش الى الحدود السورية وتركه لعدد من مواقعه المهمة داخل العاصمة، وكان اداء الجيش اثناء تلك المواجهات في الاردن قد اخرج صلاح جديد وهو رئيس اللجنة العسكرية التي وصلت الحكم في 1966 من عقاله وقرر عقد اجتماع قطري للحزب من اجل محاسبة الاسد وزميله مصطفى طلاس الذي سيصبح ابرز وزير دفاع في عهده وهو ما لم ينجح فيه الرئيس جديد حيث كان الاسد قد حرك قواته من اجل السيطرة على السلطة ووضع زميله جديد في السجن ما تبقى له من عمره بعد ان كان قد اعاد هذا الرجل (جديد) قد اعاد الاسد الى سوريا في عام 1963 اثناء ما عرف في ادبيات البعث بانه (ثورة الثامن من اذار) وقام بترقيته الى رتبة لواء وعينه قائدًا للقوة الجوية والدفاع الجوي.. وترك جديد قابعًا في السجن حتى مات عام 1993 ...
كان هم الاسد الاول بعد وصوله الى السلطة هو استعادة ما خسرته سوريا خلال حرب عام 1967 ولهذا كان مستعداً لكي يعقد التحالفات مع الرئيس المصري الجديد انور السادات، حيث استفاد الاثنان من المنافسة المحتدمة بين المعسكر الراسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي وتحديداً حينما بدأت موسكو تضخ مليارات الدولارات على شكل صفقات اسلحة الى منطقة الشرق الاوسط مقابل قيام الولايات المتحدة بدعم اسرائيل وحلفائها في المنطقة اللذين تراجع عددهم انذاك لمعادلة الكفة.
لكن انور السادات كان اكثر ذكاءً حينما اراد ادخال الرئيس الاسد في الحرب من اجل فتح جبهتين امام اسرائيل بدل ان تكون واحدة وليستعيد سيناء بغض النظر عن النتيجة في الجبهة السورية.. بينما سلم الاسد نفسه الى رغبة السادات معتقدًا ان قرارهما في الحرب سيكون واحداً.
بدأت القوات المصرية والسورية مناورات عديدة على الحدود الجديدة في مواجهة اسرائيل، فيما اعتقدت الاخيرة ان خط بارليف سوف يحيمها من اي هجمة قادمة من مصر وقد قرر الزعيمان المصري والسوري استبعاد اخبار الملك الحسين بهذا الهجوم خوفًا من تسرب المعلومات الى الخارج، او الى اسرائيل تحديدًا كما كانا يظنان.
وبحلول السادس من اكتوبر 1937 بدأت القوات المصرية عبور قناة السويس الى الضفة الشرقية، بينما بدأت القوات السورية تتقدم نحو مرتفعات الجولان غربًا، فيما اكتفى الطرف الثالث في الحرب وهم الاسرائيليون بمراقبة ما يحدث على الحدود وهم تحت الصدمة .
خلال الايام الاولى من الحرب بدا أن اسرائيل لن تنجو من الضربة ولكن بدأت القوات الاسرائيلية تدريجيًا باستعادة ما خسرته، كان المصريون في هذه الاثناء قد فرضوا سيطرتهم على الجانب الشرقي من قناة السويس وبدأوا بالتوغل الى داخل سيناء وتوقف ذلك التوغل بسبب وجود خلاف قائم داخل القيادة العسكرية المصرية يدور حول المدى الذي ستنجح فيه القوات من الوصول داخل سيناء بدون غطاء جوي.
في هذه الاثناء، بدأ الاسد يشعر بخيانة انور السادات له، حيث كان يعتقد ان توقف القوات المصرية في توغلها على حد معين دون التوغل في سيناء كاملة (بسبب عدم وجود غطاء جوي يحمي القوات المصرية) بأنه كان من اجل البحث عن نصر معين محدود هذه المرة وهو نصر دبلوماسي وكان الاسد يعتقد ان السادات كان يريد فقط ان يعيد صورة الجيش القوي الى الجيش المصري والاهم من كل ذلك ان يفوز بالاهتمام الاميركي بقضيته الخاصة بسيناء وبالسلام مع اسرائيل ومع حلول نهاية شهر اكتوبر من ذلك العام والتوصل الى اتفاق هش لوقف اطلاق النار كان واضحاً ان العرب قد خسروا الحرب مرة ثانية.
في هذه النقطة حاول الاميركيون التدخل من اجل التوصل الى سلام دائم حيث بدأ وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر بالسفر بين دمشق والقاهرة وتل ابيب لرسم صورة صفقة ما، لكن الامال الاميركية سرعان ما كانت تتحطم على صخرة الاسد في العاصمة السورية في دمشق حيث اكتشف كيسنجر ان سوريا ليس لديها اي نية للمشاركة في تلك العملية كما كانت تدعي.
*المصادر:
- صحيفة النيويورك تايمز
- كتاب quot;أسد سوريا: معضلة الشرق الاوسطquot;.. لـquot;باتريك سيلquot;
- مجلة التايم الأميركية
في الحلقة الثالثة:
الاسد: ما حصل في حماه كان ثمنًا ضروريًا للتخلص من الارهاب الاسلامي!
التعليقات