في سعيه لتشكيل حكومته، أفلح سعد الحريري في ردم هوة شاسعة إمتدّت سنوات بينه وبين العماد ميشال عون، وتقاسما quot;الخبز والملحquot; معًا أكثر من مرة، وقدم تنازلات كثيرة من اهمها توزير صهر الجنرال. كما بنى ثقة بينه وبين زعماء المعارضة، إذ فتح خطًّا مباشرًا مع الرئيس كرامي الذي أزال الألغام وعبّد طريق الاتفاق مح حزب الله، واكتملت المسيرة بود متبادل مع كل من المير طلال ارسلان والنائب سليمان فرنجية. وبذلك افرج عن الحكومة وشكلت جامعةً الاضداد الوطنية.

تنفّس الوافد الجديد الى نادي رؤساء الوزراء دولة الرئيس سعد الدين رفيق الحريري الصعداء إثر انجاز تشكيلته الوزارية الثانية والثابتة هذه المرة بعد ان أجهضت التشكيلة الأولى إبان التكليف الأول وحملته على الاعتذار عن عدم متابعة مهمته ليكلف بها ثانية. نجح الحريري في جمع الأضداد داخل حكومة الوفاق الوطني كما أسماها في الكلمة التي توجّه بها الى اللبنانيين واللبنانيات بعد صدور مراسيمها ، متجنّبًا على ما يبدو وصفها بحكومة الوحدة الوطنية أو الائتلاف الوطني ، مبرِّرًا ذلك بأن quot; هذه الحكومة على صورة لبنان الحالي التي تبدو في عيون بعضهم صورة للخلافات الطائفية والسياسية quot; ، متمنيًا quot;أن نثبت لكل العالم انها في عيون اللبنانيين هي الصورة الواقعية للوفاق الوطنيquot;. كما تجنب اطلاق quot;وعود في الهواءquot; على حد قوله بشأن الاعمال التي ستقوم بها الحكومة، محذِّرًا في الوقت نفسه بأن حكومته الأولى هذه quot;إما ان تكون فرصة لبنان لتجديد الثقة بالدولة ومؤسساتها، فنقدم من خلالها نموذجًا متقدِّمًا لنجاح مفهوم الوفاق الوطني في ادارة شؤون البلاد، وإما أن تتحول الى محطة يكرر اللبنانيون من خلالها فشلهم في تحقيق الوفاقquot;.

إلا أنّأكثر ما استوقف الاوساط السياسية في كلمة الحريري قوله في مستهلها quot; بأننا طوينا صفحة لا نريد أن نعود إليها وفتحنا صفحة جديدة نتطلع ان تكون صفحة وفاق وعمل في سبيل لبنانquot;، إذ رأت فيها تعبيرًا عمّا سعى اليه الرئيس الحريري بعد تكليفه الثاني لجهة بناء الثقة بين سائر الاطراف اللبنانية بصورة عامة، وبينه وبين الفريق الذي هو على خلاف كبير معه الممثل بقوى المعارضة بشكل خاصّ. وإذا كانت عملية بناء الثقة الشاملة تحتاج إلى مناخات دولية واقليمية ومحلية مؤاتية وجهود مضنية إن لم نقل معجزات فإن ما حققه الحريري على صعيد المصالحة مع خصوم الأمس بلغ مرحلة متقدمة ساهمت الى حد كبير في اخراج الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة بعد ان ظلت قابعة داخلها اكثر من اربعة اشهر.

وفي استعراض سريع لشريط الأحداث التي أعقبت التكليف الأول وصولاً الى ولادة الحكومة العتيدة يتبين حجم quot;الانجازاتquot; التي حققها الحريري بانفتاحه على المعارضة والتي لا يمكن فصلها عن الحسابات السياسية التي على من يتولى رئاسة حكومة كل لبنان الحفاظ عليها واستثمارها في رحلته الحكومية الأولى التي يتوقع لها ان تستمر حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة في العام 2013 اذا لم يطرأ ما يحول دون ذلك .

فقد أفلح الحريري في ردم هوة شاسعة امتدت سنوات بينه وبين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون وتقاسما quot; الخبز والملح quot; معًا اكثر من مرة خرج في احداها العماد عون ليقول للصحافيين quot; كثيرة هي الافكار والتوجهات التي التقي فيها مع الرئيس الحريريquot;، كما ابدى مرونة مع طلب الأخير عدم عودة صهره الوزير جبران باسيل الى وزارة الاتصالات فيما تجاوب الحريري مع رغبة عون الابقاء على باسيل داخل الحكومة، على الرغم من قراره الشهير برفض توزير الراسبين .
وقبل التواصل مع العماد عون فتح الحريري خطًا مباشرًا مع رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي الذي تناول طعام الغداء الى مائدته برفقة نجله فيصل وقد بلغ الانشراح بين الحضور يومها الى حد مطالبة المضيف ضيفه بالتوسط مع حزب الله لمساعدته على quot; ازالة الألغام quot; من طريق الحكومة التي يعمل على تشكيلها . وعلمت quot; إيلاف quot; ان كرامي تجاوب مع رغبة الحريري حيث التقى الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله بعيدًا من الأضواء وقام بعدها فيصل كرامي بنقل اجواء اللقاء الى بيت الوسط حيث مقر الحريري .

ومع الوزير السابق النائب طلال أرسلان تكرر المشهد نفسه اذ اندثر الخلاف ليحل مكانه الود والوئام فعقدت تحت ظلالهما جلسة مصارحة بين الحريري وأرسلان حول مائدة طعام الأول اسست لمرحلة مقبلة عنوانها التشاور والتعاون .
اما المفاجأة الكبرى في مسيرة quot;بناء الثقةquot;، فكانت مع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي سرعان ما طوى صفحة الخلاف المزمن مع الشيخ سعد الحريري بعد وجبة غداء في دارته بادره سيدها بمثلها ليهم بعدها فرنجية في مساعيه لتذليل الصعاب التي كانت تعترض عملية التأليف من قبل حلفائه خصوصًا في ما يتعلق بالعماد عون ومطالبه التي وصفت بـ quot;التعجيزيةquot; .

هكذا يطل الحريري مع حكومته الأولى متسلحًا ليس بثقة تياره الواسع وفريقه الأكثري فحسب بل بثقة من كانوا حتى يوم قريب متهمين بتعطيل تشكيل الحكومة ، الأمر الذي يشكل دفعًا لمهمة رئيس الحكومة الجديدة ولطموحاته في بناء دولة على مستوى التحديات ولعمل حكومي يتصدى لقضايا لبنان الاقتصادية ومعالجة الدين العام ، ويضع في أولوياته اطلاق ورشة تشريعية كبرى ، تفتح الأبواب أمام تحديث الادارة وتطويرها واقفال أبواب الهدر والفساد كما جاء في كلمته الأولى بعد ولادة الحكومة .