السياسة الاميركية مع العالم عموما والشرق الاوسط خصوصا، سياسة دولة عظمى يخطط لها هيئات، ومجمعات علمية، يشرف عليها نخبة المفكرين، والسياسيين في المجتمع الاميركي. حيث يعملون وفق آليات مرسومة مسبقا، وخطط علمية، واستراتيجية منهجية تتجاوز الاهداف المعلنة التي تناسب اشخاص الزمان، والمكان، المكلفين بتنفيذ هذه السياسة. بهدف تحقيق أهداف مخفية تستند الى مبدأ وحيد وهو الحفاظ على مستقبل اميركا لمئات السنين. سياسة لاتحتمل الخطأ، ولا تحتمل الاختيار العشوائي لشخصية الرئيس الاميركي.
كلينتون، بوش، اوباما ومهما كانت التسمية الى ما بعد اوباما ، كلها اسماء ممثلين يعتلون خشبة المسرح الاميركي ، لتمثيل السياسة المعلنة ، ولا يمتلكون ادنى سلطة في تغير السياسة الاميركية. ومن غير المعقول ان نصدق بان اميركا العظمى تترك مستقبلها رهن عقلية، واهواء شخص واحد يسمى الرئيس، فالرئيس عندهم يختلف عن الرئيس الشرقي رغم تشابه التسمية.
والفارق بسيط بينهما. فقط الرئيس الشرقي عندما يستلم كرسي الرئاسة يقوم بتسجل دولته بارضها وشعبها ومالها وثرواتها على اسمه في السجلات العقارية، لضمان انتقالها ارثا الى ابنائه واحفاده. وهذا السلوك يشبه الى حد ما السياسة الاميركية ولكن بمفهوم عكسي، السياسة الاميركية توضع لحماية الشعب الاميركي ومستقبل اميركا من سيطرة الدول ، او الاشخاص عليه. بينما سياسة الرئيس الشرقي توضع لحماية شخصه واعوانه وازلامه من الشعب المحكوم من قبله . ولحماية انتقال العرش الى احفاده يلجأ الحاكم الى الحكم وفق النظرية الثورية القائمة على ذهنية التحريم، والتصنيف بين الابيض والاسود، الثورة والثورة المضادة، الثوري والمرتد، الوطني و الخائن، المواطن و العميل.
لذا فاشخاص الحكومات الشرقية لم يسري في عروقهم بعد الدم المفعم بمفاهيم المجتمع المدني ، والديمقراطية، ولم يتعلموا معنى المصلحة العامة التي تحسن من مستوى حياة شعوبهم ، على الرغم من ان شعارات الديمقراطية، والمصلحة العامة تتردد على لسانهم بمناسبة، ومن دون مناسبة، ويحرصون دائما على كتابتها بجانب اسمائهم، واسماء احزابهم.
وهؤلاء الاشخاص، الذين لايمتلكون سوى الرعب في داخلهم خوفا من صحوة شعوبهم المخدرة، والمبرمجة على الفساد، وانحلال القيم الاخلاقية والسياسية، عملوا بجد لافساد اجيالٍ متعاقبة، من خلال تشجيع الفساد الاخلاقي في المجتمع، وتنمية النزعات الطائفية، والمذهبية، وترسيخ ثقافة اليأس من التغير، بزرع الأعتقاد بأن التغير يعني الحروب الداخلية، والتقسيمات، وشخص الديكتاتور فقط قادر على ضبط الطيف الشعبي بقومياته، واديانه، ومذاهبه، وطوائفه. وكنتيجة شبه طبيعية للانظمة الديكتاتورية. فانها تنتج معارضة تقودها الزعامات المرحلية الناتجة عن ايديولوجية فئوية قائمة على اضطهاد قومي، او ديني، او مذهبي. وذلك يعود الى طبيعة التربية الشمولية، وصعوبة التخلص منها حتى بين صفوف المعارضة. التي تتوجه بنضالها للخلاص من شخص الديكتاتور، واهمال ما يخلفه من تربية شمولية افسدت اجيالاً.
والسياسة الامريكية مع الديكتاتور ومعارضته. سياسة مد وجذر، بشرط كسب الطرفين. والتحكم باللعبة السياسية وفق ما تقتضيه المصلحة الامريكية. وقد تصل بها الامور احيانا الى التضحية بأحدهما اذا لم تعد تتوفر فيه شروط المنفعة. لذا فان كل مرحلة من مراحل السياسة الامريكية، تناسب احد طرفي اللعبة.
حيث كانت قوى المعارضة في الدول التي تحكمها انظمة شمولية. تنظر الى مرحلة حكم بوش الابن على انها مرحلة الخلاص والحرية، وانه جالب التحرر للشعوب المضطهدة. بينما تنظر اليه الانظمة الشمولية على انه يعشق الدم ويجلب معه الدمار والخراب اينما حل.
اما الآمال المعقودة على مرحلة حكم اوباما، تعكس المعادلة. حيث تعتبرها الانظمة الشمولية على انها مرحلة نقاهة، واسترخاء. تتمكن خلالها من الامعان في تهميش شعوبها، والتملص من الاستحقاقات الداخلية والخارجية. وتقوية موقفها كلاعب دولي يستطيع التحكم بمستقبل الشعوب الصديقة والجارة. من خلال تدعيم خلايا فئرانها الارهابية المزروعة في هذه الدول، ومنحها ايضا فترة استراحة ليعاد تشغيلها في مرحلة ما بعد اوباما.
هذا ما يفسر تطبيلها وتزميرها لنجاح اوباما وتسابقها لتهنئته، والتفاخر باعادة العلاقات مع امريكا، علها تحصل على تاجيل ليوم الحساب في مواجهة الشعب المحكوم بقوة الحديد والنار، والمغلوب على امره، ودائماً..... هو الخاسر الوحيد في المعادلة السياسية.