ان الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي أخذت على عاتقها توطيد العلاقات السياسية والامنية مع الحكومة التركية. ان السيد المالكي هو الذي وضع مع زميله التركي رجب طيب أردوغان النقاط الاولية للمخطط الامني التركي ـ الامريكي, و يتبين ذلك من خلال تصريحاته التي ألمح فيها مع المسؤولين الاتراك بوضوح, وشدد على ان المعركة ضد حزب العمال الكردستاني انطلاقا من الاراضي العراقية كانت على رأس قائمة المباحثات.
ان السيد المالكي تجاهل وجود حكومة اقليم كردستان أثناء محادثاته في أنقرة دون أخذ أية اعتبارات سياسية لها, مع غياب الاستشارة (الشكلية) التي من المفروض ان يقوم بها مع الحزبين الكرديين الكبيرين( الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني) حول هذه الاتفاقية التي تنص على محاصرة حزب العمال ماليا وأمنيا وإقتصاديا, انطلاقا من أراضي اقليم كردستان كما تفعل اسرائيل مع الفلسطينيين على أرض فلسطين. ولتوثيق هذا التعاون حصلت لقاءات عديدة بين المسؤولين العراقيين والاتراك.
ان وزير الداخلية العراقي هوشيار زيباري اشترك في المباحثات مع زميله التركي حول الوضع الامني على الحدود بين الطرفين, واسلوب التعاون فيما يخص ملف وجود حزب العمال على ارض كردستان العراق دون أخذ رأي القيادة الكردية. ان هذا الموقف وتصرف الحكومة العراقية يدل على تهميش الدور الكردي في حل أزمة حزب العمال, ووجود قواته في جبال قنديل الكردستانية.
ان اللجنة الثلاثية المشكلة من العراق وتركيا والولايات المتحدة موجودة على قيد الحياة منذ سنوات ولم تكن فاعلة كما تريدها تركيا, ولم يكن لها مركز ثابت ومستقر, الى ان جاء الوزير العراقي الكردي هوشيار زيباري ليمنحها روحا جديدة. ان السيد زيباري صرح في مقابلة صحفية بعد الاجتماع الذي عقده مع علي باباجان وزير الخارجية التركي يوم الجمعة 24 ـ 1 ـ 09 بقوله quot;يجب تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الجانب العراقي والتركي والاميركي, يكون مقرها أربيل عاصمة الاقليم الكردي, وذلك لملاحقة حزب العمال الكردستانيquot;. وهذا يعني انضمام حكومة اقليم كردستان الى التحالف والتنسيق مع هذه الغرفة المشتركة، ليصبح الأمر تحالفا رباعيا لايخدم الشعب الكردي ابداً.
يا سيادة الوزير زيباري انك تمثل الشعب العراقي بعربه وأكراده وبقية الاقليات القومية والطائفية, وتمثل مصالح الشعوب العربية في الجامعة العربية وخارجها على اعتبار ان جمهورية العراق عضوة في الجامعة, بالمقابل كشخصية كردية, تقع أيضا المسؤولية السياسية والانسانية والاخلاقية على عاتقك للدفاع عن مصالح الشعب الكردي في جميع اجزاء كردستان, مقارنة بالشعوب العربية, وان تلتزم بحماية حقوقه في المحافل الدولية والاقليمية, وان لا تكون عائقا أمام نيله لهذه الحقوق. عليك ان تكون أمينا في طرح هموم وطموحات ومآسي الشعب الكردي بالصدق والشفافية أمام هذه المحافل.
هناك أسئلة عديدة اريد طرحها على سيادة الوزير زيباري:
1 ـ لماذا اخترت عاصمة الاقليم هولير/أربيل بالاتفاق مع عدو الكرد التقليدي مركزا لغرفة العمليات المشتركة للتنسيق الاستراتيجي بين الاطراف الثلاثة لملاحقة حزب العمال الكردستاني؟.
2 ـ لماذا لم تقترح بغداد مركزا لهذه اللجنة على اعتبار انها تشكلت بموافقة الدول الثلاث التي تبدي مواقفاً سلبية وعدائية تجاه المسألة الكردية، ناهيك ان الوزراء العراقيين والسيد المالكي هم الذين اتفقوا مع تركيا على انشاء غرفة العمليات؟.
2 ـ لماذا لم تقترح بغداد مركزا لهذه اللجنة على اعتبار انها تشكلت بموافقة الدول الثلاث التي تبدي مواقفاً سلبية وعدائية تجاه المسألة الكردية، ناهيك ان الوزراء العراقيين والسيد المالكي هم الذين اتفقوا مع تركيا على انشاء غرفة العمليات؟.
3 ـ هل التوقيع على هذا الاتفاق من قبل وزير كردي هو مجرد قناعة شخصية، لكونه يؤمن بإحقاق الحق في اطاره العام, ويتغاضى عن هذا الحق الكردي في تقرير مصير الكرد في تركيا, أم هو اسلوب تآمري من قبل الحكومة العراقية على وزير كردي، يهدف الى الاساءة وخلق الفوضى والانشقاق بين السياسيين الكرد في الاقليم؟.
ان حكومة الاقليم والقيادة الكردية للحزبين الكبيرين لم تعلقان على تصريح هوشيار زيباري في وضع هولير تحت تصرف الدولة العراقية والتركية لتكون مركزا للتجسس على القضية الكردية في الشمال الكردستاني. هذا الموقف يتناقض مع ادعاءات الحزبين الكبيرين وحكومتهما الذين يقولان ويكرران دائما لا قتال كردي ـ كردي, وانهم مستعدان للتعاون مع تركيا لايجاد حل ديمقراطي للمسألة الكردية. ومن هذا الباب على رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني ان يأخذ موقفا واضحا وصارما وصريحا أمام رأي الشعب الكردي العام , اما انه مع التصريح, أم أنه ضده, لأجل ازالة الشبهات والالتباسات في الفهم ولاجل تكريس الحقيقة لتعزيز التفاهم بين الاطراف الكردية.
ان حكومة الاقليم والقيادة الكردية في العراق والمؤسسات السياسية الكردستانية الاخرى يعلمون جيدا, بأن حزب العمال وقيادته يمارسون النضال السياسي منذ عشرات السنوات, لكن الدولة التركية لا تتجاوب مع مطاليبهم في حل المشكلة الكردية عن طريق الحوار السياسي والمفاوضات بل لجأت منذ البداية وتلجأ دائما الى سياسة الحرب والاعتماد على القوة العسكرية بديلا عن السلم والسلام العادل.
ان الدولة التركية نشرت عشرات الآلاف من العسكر في المناطق الكردية وعبرت عشرات المرات حدود اقليم العراق لضرب حزب العمال والتخلص منه. احرق الجيش التركي عدة آلاف من القرى الكردية ودمرها, ناهيك عن الاعتقالات والقتل والتهجير.
بعد فشل النضال السياسي, وعدم جدوى محاولة الحوار والمفاوضات مع جميع حكومات الدولة التركية المتعاقبة بما فيها حكومة أردوغان, لم يبق أمام حزب العمال سوى خيار المقاومة المسلحة للدفاع عن حقوق الشعب الكردي المشروعة في تركيا, ولأجل استمرارية الثورة المسلحة مترافقة مع الطرح السياسي والسلمي والمفاوضات لحل القضية الكردية في اطار الديمقراطية في تركيا.
ان القيادة الكردية في العراق اصبحت لها توجهات جديدة ونظريات تتلاءم مع المصالح الاميركية وبعض الدول المجاورة, وتتناقض أحيانا مع المصلحة الكردية العامة. فهي ترفض الثورة المسلحة بعد استلامها للسلطة في اقليم كردستان ليس لإعتبارات ايجابية حسب خبرتها بل حسب مصالحها السلطوية. وبناءا على ذلك المفهوم, تطالب قيادات ومقاتلي حزب العمال بنزع السلاح وتسليم انفسهم للسلطات التركية والدخول في العمل السياسي الذي ترفضه تركيا جملة وتفصيلا. لذلك أقترح على هذه القيادة وعلى رأسها السيد جلال الطالباني رئيس العراق والسيد مسعود البرزاني رئيس الاقليم ان يتدخلوا في هذه المسألة بشكل علني وواضح وشفاف وان يتحملوا المسؤولية أمام الشعب الكردي في تبني مبادرة ناجحة لحل الازمة بين حزب العمال وحكومة اردوغان بالاسلوب الديمقراطي والجلوس على طاولة المفاوضات بشروط تنسجم مع مطاليب الكرد في تركيا وهي :
1 ـ الاعتراف بالحقوق القومية الكردية في الدستور التركي.
2 ـ الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
3 ـ الافراج عن قائد الحركة الكردية عبدالله اوجلان واصدار عفو عام عن جميع قيادات واعضاء حزب العمال.
4 ـ تعويض المتضررين الكرد مع بناء القرى التي دمرها الجيش التركي.
5 ـ تطوير الاقتصاد والبنية التحتية للمناطق الكردية.
5 ـ تطوير الاقتصاد والبنية التحتية للمناطق الكردية.
اذا تمكنت القيادة الكردية من تحقيق هذه الشروط المبدئية والاولية مع الحكومة التركية لصالح القضية الكردية في تركيا, والحصول على نتائج ايجابية في وضع حد للحرب القذرة ضد الكرد في كردستان تركيا, والموجهة أيضا ضد الاقليم الكردي في العراق, عندئذ تكون هذه القيادة قد قدمت خدمات جليلة للكرد, ويمكن القول انها توصلت الى حل مسألة معقدة وبالغة الاهمية على مستوى كردستان والمستوى الاقليمي في المنطقة. وبهذه الخطوة يكون المجتمع الكردي قد تخلص من السياسة الغامضة والاعلام الموجه للقيادة الكردية في كردستان العراق, فيما يتعلق بنزع سلاح حزب العمال, والعلاقة مع الدولة التركية, ووضع حد نهائي للحجج المستمرة والمبررات التي تتمسك بها هذه القيادة.
التجربة التاريخية أظهرت بأن العدو لا يمكن أن يكون صديقا, إلا في حالة واحدة, عدو عدوك صديقك وذلك في اطار التكتيك السياسي والمصلحة الوقتية.
ان الدولة التركية لا تعترف بالهوية الكردية لكونها محكومة بالعقلية الطورانية والايديولوجية القومية التركية، والاستعلاء المتطرف حيال اكرادها وحتى حيال الاكراد في الاجزاء الاخرى من كردستان, لذلك تكون مبادرة القيادة الكردية لدى الحكومة التركية عديمة الجدوى.
ان الدولة التركية لا تعترف بالهوية الكردية لكونها محكومة بالعقلية الطورانية والايديولوجية القومية التركية، والاستعلاء المتطرف حيال اكرادها وحتى حيال الاكراد في الاجزاء الاخرى من كردستان, لذلك تكون مبادرة القيادة الكردية لدى الحكومة التركية عديمة الجدوى.
ان أردوغان بعد انسحابه من مؤتمر دافوس في سويسرا أصبح يتكلم عن تركيا الكبرى, وهذا ينطبق تماما مع مبادئ ثورته الصامتة, والتدخل في الشؤون العراقية, لخلق جو من التوتر بين بغداد واربيل.
على القيادة الكردية وممثليها في العراق ان تدرك جيدا, ان مصلحتها المتعددة الجوانب في المدى القريب والبعيد هي مع الوحدة الكردية والتفاهم الكردي والخطاب الكردي الموحد في اطار جبهة وطنية كردستانية, وهي القوة الوحيدة والضامنة لحماية المنجزات والبنية التحتية في الاقليم, حتى الولايات المتحدة التي تفتخر بها هذه القيادة, وتطالبها بإنشاء قواعد عسكرية في الاقليم لا يمكن الاعتماد عليها, وبالاخص ادارة الجمهوريين التي تجري الآن مفاوضات سرية مع سورية وايران, لأن الكذب هي ركيزة العلاقات الدولية ومصالحها.
ان كردستان الجنوبية( كردستان العراق) مهددة من دول المثلث بما فيها العراق, والتي هي متفقة فيما بينها حول الجغرافية الاسترتيجية والسياسية والامنية ضد الكرد, وهي التي تحول دون حل المشاكل بين بغداد واربيل, وتحقيق الفيدرالية الكاملة في العراق.
انه من الاهمية والضرورة والواجب الوطني تحقيق الوحدة بين جميع الاطراف الكردية مقابل التنسيق السوري ,التركي الايراني والعراقي الموجه ضد الحركة الكردية التي لا تنفصل عن بعضها, وهي مترابطة ومتشابكة ومكملة لبعضها البعض..
طبيب ومحلل سياسي كردي ـ ألمانيا
التعليقات