الياس توما من براغ: لم تعد السياحة في العديد من دول العالم في الوقت الحاضر تقتصر على المفهوم الكلاسيكي لها المتمثل بمشاهدة المعالم الأثرية والتمتع بجمال الطبيعة بل أصبحت تشمل أيضا قطاعات أخرى البعض منها قد يخطر بالبال كونه يمارس منذ فترة ليست بالقصيرة مثل السياحة الجنسية أو السياحة الكحولية أو السياحة الفضائية، والبعض الأخر يصعب تصوره لأنه يرتبط بالموت ويستخف بحياة الناس وماسيهم وآلامهم ولذلك يطلـــق عليه البروفيسور جـــون لينون اسم quot; السياحة المظلمة quot;.
ويتصدر هذا النوع من quot; السياحة quot; ما يسمى بالسياحة الحربية أي التي تنظم من قبل مكاتب سياحية مختلقة بالاتفاق مع بعض أطراف الحروب ولاسيما الأهلية منها للإطلاع عن قرب على مجرى حرب يقتل فيها أناس حقيقة وليس كما في الأفلام كما جرى مثلا أيام الحرب البوسنية أو بعد انتهاء الحرب أي للإطلاع على الأماكن التي شهدت قتالا ودمارا كان الأسوأ في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ويقول المواطن البوسيني زياد يوسوفيتش الذي يعتبر أول دليل سياحي حربي في سراييفو عن مهنته انه كان يأخذ عن كل شخص 15 دولارا مقابل مرافقته بشكل أفرادي أو ضمن مجموعة في جولة في الأماكن التي جرت فيها الحرب.


ويعترف انه في البداية كان يشعر بالخجل بهذا العمل لأنه كان يشعر بأنه يكسب مالا من معاناة شعبه غير انه يبرر هذا الفعل بالقول لكن لا احد أراد القيام بهذا العمل كي يشرح للآخرين مباشرة على الأرض أي معاناة مر بها هذا الشعب خلال حرب البوسنة.


وإذا كان من المقبول إلى حد ما هذا التبرير فان تنظيم جولات سياحية إلى محطة تشيرنوبيل في أوكرانيا والى المكان الذي كان يوجد فيه برج التجارة العالمي في نيويورك والى مدينة نيو اورليانز لمشاهدة ما خلفه إعصار كاترينا أو ما خلفه إعصار تسونامي في دول تقع في جنوب شرق أسيا يبدو غريبا.
ويعترف قائمون على تنظيم رحلات سياحية إلى تشيرنوبيل بان الاهتمام بزيارة الأماكن التي شهدت التسرب النووي قبل 20 عاما كبير جدا وان الحكومة الاوكرانية تفكر بإعطاء منطقة تشيرنوبيل وضعية المنطقة السياحية أما القيمة المالية التي يأخذونها من الشخص الذي يريد الدخول إلى المنطقة التي شهدت كارثة تشيرنوبيل فهي عدة مئات من الدولارات عن اليوم الواحد تتضمن غداءquot; خاليا من الإشعاعات النووية quot;.


ويجذب احد مكاتب السياحة الزبائن الباحثين عن المغامرة بعبارات مثل إن آلاف سيارات الشحن والطائرات المروحية والعربات المدرعة المتخمة بالإشعاعات النووية تجعل الخطر كبيرا بمجرد الاقتراب منها فيما تجذب مكاتب سياحية أمريكية الزبائن بإعلانات تقول هل تريدون مشاهدة أسوأ كارثة في الولايات المتحدة؟ في إشارة إلى ما خلفه إعصار كاترينا قبل عامين.


ويعتبر البروفيسور لينون هذا النوع من السياحة بأنه الوجه المظلم من الطباع البشرية مشيرا إلى أن الأمر ليس بالجديد تماما فالطبقة النبيلة البريطانية دفعت أيضا أموالا كي تتمكن من مشاهدة المكان الذي جرت فيه معركة واترلو في عام 1815
أما تفسيره لما يسميه بالسياحة المظلمة فهو أن الإنسان المعاصر لديه اتصال قليل أو محدود بالموت ولذلك فانه يريد أن يشعر بالقرب من الأماكن التي داهمها الموت.


ويستغرب المتابعون لهذه الظاهرة السرعة التي تبديها الوكالات والمكاتب المختلفة للاستجابة لطلبات البعض ورغباتهم ففي الوقت الذي كانت فيه المناطق المجاورة لنهر الفلتافا في براغ تغرق قبل عدة سنوات من جراء الفيضانات الكبيرة كانت مكاتب سياحية تشيكية تنظم للسياح زوار العاصمة جولات إلى هذه الأماكن لمشاهدة ما تلحقه هذه الفيضانات من دمار وتخريب وما تسببه من آلام للناس كما عبر سياح روس مثلا بعد أيام قليلة من حدوث كارثة تسونامي عن رغبتهم بتنظيم رحلات quot; معرفية quot; إلى الأماكن التي تعرضت للإعصار وبالفعل جرى تنظيم رحلات للراغبين منهم عن طريق مكاتب تايلاندية نظمت لهم جولات في الأماكن المنكوبة ولم تغفل حتى زيارة إحدى المشارح التي كانت الجثث تتراكم فيها بانتظار تحديد هوية أصحابها.


وقد تحول مركز التجارة العالمية في نيويورك إلى الرمز الأكبر للسياحة المظلمة فقبل تعرض المركز للهجوم الإرهابي في ايلول سبتمبر من عام 2001 كان يزوره 8و1 مليون سائح سنويا أما بعد سقوطه فقد تضاعف الرقم واليوم قل أن يوجد مكتب سياحي في نيويورك لا يتضمن برنامجه لزيارة معالم المدينة مشاهدة المكان الذي كان فيه برجا مركز التجارة.


و يتوقع دليل السياح المشهور لونيلي بلانت بان تكون السياحة المظلمة احد أكثر أنواع السياحة ازدهارا هذا العام لان الأماكن المرتبطة بالموت والكوارث والنكبات تمثل احد اهتمامات السياح المعاصرين.