علي مطر من اسلام اباد: تتغير الاحوال والاشكال بصورة متعاقبة وسريعة في مدن باكستان بعامة وبمدينة كراتشي بصفة خاصة والتي تعتبر من اكثر مدن هذا البلد نشاطا اقتصاديا ونهضة عمرانية بعد ان قام الرئيس مشرف مؤخرا بافتتاح طريق طويل فيها لا تقطعه او تكبح زمام اندفاع السيارات فيه اي اشارات ضوئية تعيق وصول المسافرين عليه الى جهتهم بسرعة نسبية حيث يصلون الى ابعد نقطة في هذا الشارع الطويل في غضون 15 دقيقة بعد ان كانت تستغرق ساعة وربع الساعة. ولكن اتصال المسافات بهذه الطريقة يعيق امكانية قيام بعض المسافرين بايقاف سياراتهم او دراجاتهم البخارية والاتجاه نحو بائع للكباب على قارعة الطريق وتناول وجبة من الغذاء المفضل لدى الكثيرين.

من اراد ان يقوم بذلك عليه اذن ان يسلك الطرق القديمة المكتظة بالناس والحافلات والسيارات والدرجات البخارية والهوائية وكذلك بالعربات التي تجرها الحيوانات الى جانب البضائع المكدسة على قارعة الطريق والسيارات التي تختار الموقع الذي فيه علامة ممنوع الوقوف المرورية لكي تقف وتمعن في عرقلة السير وزيادة المدة التي تقتضي وصول المسافر الى غايته وتضاعفها عدة مرات.

بعض بائعي الكباب في كراتشي وخصوصا في منطقة بهادور اباد يفضلون عدم التقاط صورهم او الحديث عنهم في وسائل الاعلام لمجرد الشعور بالحياء او بعدم الرغبة في الشهرة، هل هذا معقول؟ ولكن من الضروري وصف هؤلاء الرجال الذين يقيمون طاولة حديدية ذات ابعاد صغيرة ويضعون فيها الفحم ويصلون بها مروحة ضغيرة ايضا ويسحبون تيارا كهربائيا من محل مجاور على ان يدفعوا له نسبة من فاتورة الكهرباء طبقا لاتفاق ثنائي بينهما ويقيمون فوق quot;معملهم المتحركquot; هذا شمسية بالية لا تقي ذاتها من حر الشمس او المطر المنهمر ناهيك عن أن تحمي شيئا مما تحتها. ولا حاجة لمقاعد لان رواد وزبائن هذا المعمل هم من الراغبين في اللحاق باعمالهم والوصول الى وجهتهم بعد ان يتناولوا وجبة على عجل.

وهذا المعمل متحرك لان صاحبه بعد ان يطعم منطقة ما يقوم بحمل اشيائه ونقلها الى مكان او اماكن اخرى واسيائه هي ما اعده وتبله من كباب ويقف امام دور عرض الافلام السينمائية ليتصيد روادها ويقدم لهم ما ياكلونه بعد ان يشهدوا فيلما رومانسيا او فيلم مغامرات ( الاخير قد يجعلهم بصورة مؤكدة من زوار بائع كباب الشارع ). كل ما ينقص معامل بيع الكباب الصغيرة هو ان تضفى عليها لمسة من الحداثة التي اصبحت تطل براسها في كل مكان فيه تنمية وتقدم في باكستان منذ تولي الرئيس مشرف لزمام الحكم وقيامه باتباع سياسات اقتصادية مغايرة لكل من سبقوه ومكنت باكستان من تحقيق نسبة كبيرة من النمو الاقتصادي.

كباب الشوارع الباكستاني لا يختلف كثيرا عما ينتشر في الاسواق العربية او الايرانية او الافغانية باستثناء كونه مكونا من شقين يكادان ان يكونا متساويين في الحجم وهما الفلفل الاحمر اولا ومن ثم المادة البروتينية المخلوطة ببقية المكونات ثانيا وهو ما يجعله ذا مذاق حاد لا يطيقه الا من خبره من الباكستانيين. اليافطة التي تتحدث عن نفسها على عربة بياع الكباب تتكلم عن quot;مركزquot; ضخم لبيع quot;المشويات الفاخرةquot;. وربما كان لدى صاحب العربة بطاقة رجل اعمال تحمل اسمه ورقم جواله ذلك ان طباعة 500 بطاقة ملونة بالوان تنم عن ذوق صاحب المطبعة لا تكلف اكثر من 6 دولارات. هذه البطاقة تساعده في الاستجابة الى الطلبات التي تصله ممن يرغبون في اقامة حفلات بسيطة ولا تكلفهم شيئا خصوصا ان اقاموها في مكان عام كالحدائق مثلا. صاحب العربة يتحين اوقات الصلاة كذلك ويقيمها قبالة المساجد عند صلاتي المغرب والعشاء لعله يزيد من قيمة مبيعاته ويدخل عليه دخلا اضافيا يساعده في امور حياته.

بعض الظرفاء يقترح على هؤلاء الباعة ان يوقفوا عرباتهم بالقرب من المراكز الصحية لعلها تكون ذات فائدة اذا ما وقع المحظور وازداد تركيز البكتيريا عن الحد المالوف في صحن الكباب وخبز الجباتي المرافق له.

الحياة في مدينة كراتشي تتجاذبها اربعة امور رئيسية هي الغذاء والدين والزواج والموت فكلها تكاد ان تكون مناسبات يحرص سكان مدينة كراتشي على ان يمروا بها دائما مع تفاوت في عدد المرات. واذا ما توفر ملعب للعبة الكركت او حديقة دائرية فانهما سيكملان ndash; واحد منهما على الاقل ndash; مربع الامور الاربعة الوارد ذكرها انفا. في الملعب او الحديقة تقام حفلات الغذاء او حفلات افراح الزواج او صلاة الجنازة او تعقد فيها التجمعات الدينية. وعربات بائعي الكباب تحيط بالمكان لتساهم في اكمال الصورة. تاثير مدينتي دلهي وبومباي الهنديتان ملحوظ على نوعية ومذاق الطعام المتداول في باكستان وخصوصا الكباب.

ولا يمكن ان يقتصر الكباب على اللحم البقري فقط فبالاضافة الى وجود انواع منه تبعا لحجم البقرة وسنها فان هناك قطع الدجاج الصغيرة او تلك الكاملة وحتي مكونات الدجاح الاخرى التي يبرع الباكستانيون في مزجها بالبهارات وفي مقدمتها الفلفل بانواعه الاخضر والاحمر وكذلك الاسود المطحون. لابد وان بائعي عربات الكباب خسروا كثيرا لان قوات الجيش الباكستاني فرضت في الاسبوع الاول من شهر يوليو الجاري حظرا على المسجد الاحمر وجامعة حفصة ومنعتهم من التجول حولهما وبيع الكباب.

تبقى الاشارة هنا الى ان اسرع مسافة يقطعها الباكستاني في يومه هي المسافة بين يده وفمه فهو ومهما كانت الظروف لا يستطيع ان يؤخر وجباته الثلاث اليومية عن مواعيدها صباحا وظهرا ومغربا والا فان نظام حياته ينقلب راسا على عقب ولا يستطيع القيام بعمله.