خسرو علي أكبر منباريس:قبل فترة كنت جالسا في مقهى دكليشي بانتظار صديق ايراني كان مدعوا لنشاط ثقافي نظمته مؤسسة ايرانية مستقلة ، ومن الصدف أن حضر صديق عربي في المكان ذاته ، وتجنبا الاحراج ابلغت صديقي العربي ان ضيفنا الايراني هم من ابناء الديانة اليهودية ، فراح صديقي العربي يطرح اسئلة عن اضطهاد الايرانيين لليهود وعن سلبياتهم في التعامل مع ابناء الديانات الاخرى ،فجأة ابتسم ضيفنا الايراني وطلب من صديقي العربي ان يكف عن الحديث بسلبية عن الايرانيين لانه كما قال ايراني وان كان يهوديا وانه يعتز بهويته الايرانية.

بدا هذا الحديث غريبا لصديقي العربي ، وصار يطرح اسئلة عن معنى ان تكون ايرانيا في بلد يضم العديد من القوميات والاقليات ، وكان جواب صديقنا جوزيف في غاية الوضوح:انتم مسلمون وتحملون اسماء عربية وفارسية ولكنكم تعتبرون انفسكم فرنسيين رغن ان اقامتكم لاتتجاوز عقدين من الزمن ، فلماذا لانعتبر انفسنا ايرانيين ونحن نعيش في ايران منذ عدة قرون؟!

العامل اللغوي

في تحقيق سابق كان عنوانه من هو الايراني اشرنا الى عوامل اساسية في تحديد معيار الانتماء وهنا لنا وقفة مع دور العامل اللغوي في صوغ الهوية الايرانية و لابد من الاشارة الى اننا ازاء مفهومين غيرمستقرين وفي طور تحول دائم أي الهوية واللغة ، فمن المعلوم ان الفارسية قد شهدت تطورات عديدة عبر القرون بحكم انفتاحها على [ وتماسها مع ] ثقافات مختلفة. ويؤكد بعض الباحثين في الشأن الايراني على انعدام اية علاقة الزامية تجعل من الناطق بالفارسية فارسيا او ايرانيا ،فثمة ابناء قوميات غير فارسية اعتمدوا اللغة الفارسية لغة اولى ،كما ان هناك اقليات ناطقة باللغة الفارسية في شبه القارة الهندية لم تعتبر نفسها ايرانية بفعل عامل اللغة.

،ويمكن ذكر امثلة عديدة في هذا الصدد ،فعبد القادر بيدل دهلوي و العلامه محمد اقبال اللاهوري والشاعر الشهير اسدالله غالب هم من كبار الشعر الفارسي الكلاسيكي لكن لايمكن اعتبارهم ايرانيين بحكم لغتهم الفارسية. هذا بالنسبة لشعراء بالفارسية من خارج الحدود الايرانية ، ولنا ان نذكر هنا امثلة ترتبط بشعراء ايرانيين كبارعاشوا في ايران وكانوا من مفاخر الادب الفارسي وكانت صلتهم باللغة الفارسية صلة ثقافية أي انهم كانوا من الناطقين بالفارسية وليسوا فرسا بالمعنى العرقي منهم الشاعر و المصلح الكبير سعدي شيرازي و خاقاني شيرواني، والمثال يشمل شخصيات مهمة في التاريخ السياسي الايراني فاكثر الحكام تعصبا لايران أي البويهيين كانوا من الديلم الناطقين بالفارسية.

وا ذاا كانت الفارسية هي اللغة الرسمية في افغانستان وطاجيكستان فان المواطن الافغاني او الطاجيكي يبقى متمسكا بهويته الوطنية ولايقبل اي دور تابع للجار الايراني بسبب المشترك اللغوي.
ان الانتماء الوطني يسبق موضوع اللغات والجدل الدائر حولها ، فشيوع لغة ما في منطقة جغرافية محددة.

لايتنافى قط مع العادات والتقاليد والموروث الثقافي المشترك ، وربما يمكن الاستشهاد في هذا السياق باللغة الآذرية في اقليم آذربايجان ، فهي لاتنقض ايرانية الناطقين بها ، لا لإعتبار تاريخي محل خلاف وهو رواج اللغة الفارسية وشيوعها بشكل شبه مطلق بين سكان هذاالاقليم ( ويمكن البرهنة على هذه المعلومة من خلال ديوان اشعار انارجاني واشعار الشيخ صفي الدين الاردبيلي ) وانما من خلال الرجوع الى المواقف الوطنية على مدار التاريخ السياسي والاجتماعي لايران منذ العهد الصفوي ، وهي مواقف صارت أكثر تجليا مع دور المناضلين الآذريين التقدميين في ثورة الدستور )1906( ونضالهم المشهود لتحقيق الحرية والتحديث.


والملاحظ ان هذا الاهتمام بالولاء الوطني ابعد مايكون عن القول انه نتاج الحقبة البهلوية ،وانما يعود تاريخه الى العصر الاخميني،فقد تعايشت قوميات وشعوب عديدة في ظل الامبراطورية الاخمينية quot; الهخامنشية quot; في اجواء نسبية من التسامح وقبول الاخر ، لكن تنامي المد القوموي في منطقة الشرق الاوسط في القرن الماضي ، أربك مفهوم المواطنة في البلدان التي تضم قوميات وشعوب متعددة ، وا ذا كنا قد أشرنا في غير مقال وتحقيق الى النظرة الشوفينية لبعض الكتاب والساسة الفرس الايرانيين ، فلابد من الاشارة الى دور القومويين العرب في تشويه صورة الأخر الايراني وتصويره على شاكلة عدو أزلي ، وقد بلغت مستويات الضحالة في تفكير بعض القومويين العرب انهم ومن منطلق المعارضة للسياسة الايرانية ، يعممون العنصر الفارسي على جميع الايرانيين ، ففي مقابل العرق العربي النقي ، كان لابد للشوفينيين العرب ( حزب البعث نمو gt; جا ) ابتكار صورة العدو العرقي وهو الفارسي تحديدا فيما يخص الخطر القادم من البوابة الشرقية.
وواضح ان كلا الطرفين المتعصبين في الفكر والممارسة العنصرية تجاه الاخر اي القومويين الفرس والقومويين العرب يلغيان وان بفعل دوافع مختلفة ، القوميات التي تشكل نسيج المجتمع الايراني.

ويعتقد عليرضا خرمنجاد ( مترجم مقيم في باريس ) ان محاولات العنصريين الفرس في حصر انجازات الادب الفارسي الكلاسيكي بمشاهير ينتسبون عرقيا الى العنصر الفارسي ليست من الناحية العلمية والتاريخية سوى هذيان وضرب من فراغ القول: quot;انهم يحاولون تكريس مصطلح فارس وبلاد فارس مقابل الناطق بالفارسية وايران quot;. عن هذه النقطة يكتب محمد جلالي في صحيفة كيهان اللندنية quot; ان الشائع هو اعتماد مصطلح الناطقين بالفارسية مقابل الفرس والذين روجوا لمصطلح الفرس وشحنوه ببعد سياسي يوحي بالقومية الفارسية الظالمة مقابل القوميات الاخرى المضطهدة ، انما سايروا خطاب الاتاتوركية التركية والعنصريين العرب والشيوعية السوفياتية ، فهذه الاطراف هي التي أشاعت في بدايات القرن الماضي مصطلح الفارسية كقومية بعد ان كانت تعني وعلى مدار التاريخ اللغة والثقافة ،لا يمكن ان نعتبر الفارسية او البارسية حكرا على الاقليم الواقع في جنوب ايران ولامجرد اسم يطلق على الخليج الفارسي وانما المقصود اللغة والثقافة الفارسية ، يتوزع الناطقون بالفارسية في بلدان متعددة ولايمكن اعتبارهم جميعا ايرانيين ، ولناخذ الانجليزية مثالا فهل من المعقول ان نعتبر الناطقين بالانجليزية في القارات الخمس جزءا من الشعب الانجليزي؟

ناصر كعبي 32 عاما موظف حكومي من مدينة سوسنكرد ،ذكر لايلاف ان انتماءه لايران لاعلاقة له بالعامل اللغوي ، فهو لايستخدم الفارسية الا في مجال العمل وبحكم الوظيفة ، يقول ناصر:quot;ان تكون ايرانيا لايتنافى مع كونك عربيا ، فثمة قوميات عديدة تفتخر بهويتها الايرانية ، والعرب في اقليم خوزستان quot;الاهوازquot; وقفوا بشجاعة وببسالة ضد المحتل البعثي ابان الحرب الطالمة التي شنها النظام الديكتاتوري البائد ضد وطننا العزيز ايران ، بالطبع هناك تشكبلات سياسية من عرب الاقليم حاولت ان تخدع المواطن الايراني العربي ، ولكن اساليبها الاجرامية كتفجير الاماكن العامة وقتل الابرياء جعل عرب الاهواز يتمسكون بهويتهم الايرانية ، الهوية لاتصنع بالارهاب والعمليات الاجرامية التي تبرر باسم الكفاح المسلح ، وانما بالوعي والفكر ،العرب الايرانيون يفتخرون بانهم مواطنين ايرانيين من جهة وبكونهم الاكثر كفاءة على توثيق العلاقات الايرانية مع البلدان العربية quot;.زهراء أحمديطالبة في قسم الفيزياء في الجامعة الحرة في الاهواز quot;الم يكن سؤال الهوية بسيطا بالنسبة لي ، بين أن أكون ايرانية وأن أكون عربية عانيت من أجل الحصول على أجابة ، وبعد بحث وجهد أدركت ان القوميات الاخرى استطاعت ان تحصل على الكثير من حقوقها المقرة في الدستور الايراني من خلال تمسكها بالهوية الايرانية ، ولا أجد الان اي تعارض بين ان اكون ايرانية وعربية في آن واحد، الاحزاب القومية التي تدعو للانفصال عن ايران هي احزاب ثورية لايمكن لها ان تقدم ما هو ايجابي في موضوع الهوية ، انها تستخدم خطابا ثوريا يمجد القتل وسفك دماء الابرياء باسم حقوق الشعب العربي ، لكنها ستسير على خطى الاحزاب العربية القومية التي لم تجلب لشعوبها سوى السجون وخنق الحرياتquot;.

وربما كان المثال الهندي هو الابلغ في البرهنة على ان اللغة لايمكنها ان تصوغ بانفراد الهوية والانتماء فقد كانت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية في الهند على مدار مئات السنين دون ان يعني ذلك باي معنى من المعاني ان الهنود فرسا او ايرانيين. وحينما تحول الهنود الى اللغة الانجليزية بقوا مواطنين هنود وسيكون من المضحك ان يتحول الهنود من فرس الى انجليز بسبب التحول من الفارسية الى الانجليزية.