علي عباس من دمشق: تعد مهنة تحنيط الطيور والحيوانات في دمشق من المهن المتميزة التي تدر ربحاً وفيراً على أصحابها والعاملين فيها خاصة أنها أصبحت تلقى رواجاً ملحوظاً لدى السائح العربي والأجنبي وهواة تزيين الصالونات حيث يعمل في محلاتها التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد أشخاص متخصصون بشكل علمي في فن التحنيط بأنواعه المختلفة.

ويقول ياسين دقاق صاحب معرض واحة الشرق لبيع الطيور والحيوانات المحنطة بمنطقة باب الجابية إن هذه التجارة تلقى رواجاً ملحوظاً لدى السياح لاسيما الخليجيين اذ تتراوح أسعارها عادة ما بين 300 ليرة و15 ألف ليرة سورية وذلك حسب حجمها ونوعها وشكلها.

وأضاف أن المواطنين السوريين نادراً مايشترون بضاعتنا باستثناء من يملك مزرعة مثلا ولديه حيوانات نادرة كالغزلان والضباع والطيور الجميلة وعندما تنفق احداها يرسلها الينا لنحنطها لكي تبقى لديه للذكرى اضافة الى ان هناك بعض الصيادين الذين يصطادون طيوراً نادرة وجميلة فيأتون بها للغرض نفسه.

وحول التخصص في هذه المهنة يقول دقاق..إن هذه المهنة متعارف عليها في دمشق منذ أكثر من خمسين عاماً وأنا أعمل فيها منذ 25 عاما وتعلمتها من تلقاء نفسي ولم اتخذها بالوراثة ولدي ما يزيد على 40 نوعا من الطيور بأنواعها والحيوانات المفترسة والاليفة داخل المحل مشيراً إلى أن القلائل ممن يعملون بهذه المهنة توارثوها عن ابائهم.

وفيما يخص مراحل التحنيط والمواد المستخدمة فيها قال دقاق: إن البدايات لم تكن بالطبع على هذا النحو من التقنية والنوعية في المواد المستخدمة فقد كانت التركيبة المحضرة لتحنيط الطيور مختلفة ويمكنني وصفها بانها شعبية وتتكون من قشر الرمان والملح والشبة نوع من الحجارة والقرفة حيث لهذه الخلطة مفعول المواد التي تستخدم حاليا وفي حال فقدت المواد الحالية الأكثر حداثة يتم الرجوع الى المواد السابقة.

وأوضح أن عملية التحنيط تمر بعدة مراحل تستغرق ساعات قليلة حيث تبدأ بالسلخ ثم التنظيف أي تفريغ الحيوان تماماً من اللحم حتى لا يبقى سوى الجلد وبعد ذلك يجري غسله وتنشيفه بشكل جيد بهواء ساخن وتعقيمه بمواد كيماوية بوركس لحمايته من الجراثيم والبكتيريا ثم يتم تشكيل الوضع المطلوب للحيوان بوساطة أسياخ حديدية وبتصاميم تجسد مشاهد من حياته مثل ثعلب وهو يفترس دجاجة أو حسب الشكل المراد وفق رغبة الزبون.

كما تشمل مراحل التحنيط حشو الحيوان او الطير بالقطن ثم لتأتي بعدها عملية الخياطة بينما تستبدل العيون بعيون بلاستيكية ليصبح بشكله النهائي حيث يحقن بمادة الفورمالين التي تفيد في تنشيف بقايا الدم واللحم ومن ثم يثبت على خشبة ويعرض أمام الزبائن.

أما الأدوات المستخدمة في التحنيط فيقول دقاق : إنها تتألف من المشارط والأدوات الحادة ومقصين مختلفين في الطول بحيث يكون أحدهما مدبب الطرف والآخر أقصر قليلاً وكذلك لابد من وجود القصاصة لقطع السلك المستخدم في تركيب الحيوان والزردية لشد هذا السلك ومماسك لدفع القش او الكتان داخل جسم الحيوان أو الطير.

كما تشمل الأدوات منفاخاً وأسلاكاً مختلفة السماكة ومسامير وشعر كتان وخيطا وابرا صناعية ومعجونا يجهز حين الطلب من الدقيق والفراء والغراء وقواعد خشبية وورقا مقوى ومنشاراً لتشريح قطع العظام ودبابيس للحشرات وصلابات و نفتالين وهي مادة قوية للقضاء على رائحة الجلد او بعض اللحم العالق فيه إضافة للكلورفورم غاز الاستصباح والثلاجات.

ويبين دقاق ان الحيوانات والطيور المختلفة ليست للزينة فقط بل تستخدم كنماذج حية في الدروس التعليمية لتعليم طلاب المدارس والجامعات وكوسائل حية للدارسين لعلوم الحيوان والطيور.

وما يثير الغرابة والدهشة ايضا للمتجول في اسواق دمشق القديمة كسوق البزورية ومدحت باشا منظر الحيوانات المجففة او المحنطة المعلقة على أبواب ومداخل العديد من المحال التي يعرضها أصحابها للبيع على انها تستخدم كبديل من الدواء لعلاج بعض الأمراض اذ توجد اشكال متعددة من الحيوانات المعروفة وغير المعروفة للبعض مثل السلحفاة والضب ونجم البحر والتمساح وقرون الغزال وغيرها من الانواع الأخرى.

ويبين خالد الدسوقي العامل في احد المحال التي تبيع هذه الحيوانات أن البعض من هذه الانواع الحيوانية يستعمل للعلاج والبعض الاخر لمجرد الزينة لكل نوع من الحيوانات فائدة علاجية لمرض معين فنصف قوقعة السلحفاة القاسية والصلبة مثلا يستخدم لمنع انتشار الصدفية التي تصيب جلد الإنسان اذ يقوم المريض بوضع القوقعة في نار قوية حتى تتفتت وتصبح رمادا وبعد ذلك يدهن بهذا الرماد الوجه ليمنع انتشار الصدفية وكذلك قرون الغزال تشوى ثم تسحق لتستخدم في معالجة بعض الامراض الجلدية.

اما حيوان الضب المجفف المسمى عند العامة الحردون فيدق جيداً ويخلط مع الخل ويدهن على المنطقة المصابة بالبهاق في حين يستخدم نجم البحر في تنعيم الجلد الخشن كما يزيل الكلف والنمش بعد وضع قطرات الليمون عليه وتدليك المنطقة المراد معالجتها فيه.

ويتابع الدسوقي قائلاً : إنه يوجد غريب عن منطقتنا اسمه السقنقور يشبه الضب ولكنه أصغر منه حجماً نقوم بقطع رأسه ونصف ذيله ويتم تفريغه ثم يملأ جوفه بالملح الخشن ويخاط جيدا وبعد تنشيفه يقطع الى قطع صغيرة ويتم تناولها مع الماء حيث يوصف هذا النوع كمقو جنسي ومنشط عام للجسم وبعض العطارين يفرزه إلى نوعين الذكر لمعالجة الرجال والانثى لمعالجة النساء.

أما استخدام الأفعى في العلاج فبين انه يتم بعد وضعها في وعاء بلاستيكي اذ يغلق عليها جيدا للحصول على زيتها الذي يوصف لتقوية الشعر بينما تستخدم السمكة ذات الاشواك لغير الاغراض العلاجية حيث يعلقها البعض في المحلات والبيوت لاعتقادهم انها تدفع البلاء والحسد عنهم.

وخلال استشارة الطبيب حسان سليمان الأخصائي في امراض الغدد والتغذية بهذه المواضيع وخصوصا بعد تأكيد العديد من العطارين وجود اشخاص كثر يطلبون هذه الحيوانات للعلاج بها قال إن الحيوانات المستعملة في علاج بعض الامراض مجرد اعتقادات لاصحة لها من الأصل لأنها لاتستند على اساس علمي او تجريبي كما أن الطب الحديث الان وصل الى مرحلة متطورة تبين من خلالها أن هذه العادات ليست صحية ومن الممكن في كثير من الاحيان أن تضر من يتناولها فعلى كل شخص اصيب بمرض ما مراجعة الطبيب المختص وعدم تناول اي مادة او دواء علاجي طبيعي كان ام كيمائي دون مراجعة طبيب مختص.