تواجه تركيا صعوبة في إعلان سياسة متكاملة حيال الشرق الأوسط، بعكس الولايات المتحدة الأميركية التي أعلن رئيسها عن دعمها للديمقراطية والتسامح وحق تقرير المصير وحرية الصحافة وحق التجمع.


كشف الخطاب الذي أدلى به الأسبوع الماضي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن سياسة تهدف إلى دعم نمو الديمقراطية والسلام في منطقة الشرق الأوسط. وتحدى أوباما جميع اللاعبين البارزين في المنطقة من أجل دعم حق تقرير المصير وتكافؤ الفرص والديمقراطية والحقوق السياسية والمدنية والتسامح الديني. وأكد في هذا السياق أيضًا أن الديمقراطية تحتاج إلى حرية صحافة وحق في التجمع. كما دعا إلى إقامة دولة فلسطينية بناءً على حدود عام 1967، وهو ما جعل وسائل إعلام أميركية تقول إن الرئيس لديه رؤية واضحة بشأن سياسة بلاده في الشرق الأوسط.

وفي مقابل ذلك، لم يتضح أن الحكومة التركية تمتلك القدرة التي تؤهلها للإعلان عن الأشياء نفسها. وفي ظل هيمنة حزب العدالة والتنمية هناك، تواجه تركيا وقتًا صعبًا لتعديل سياستها الخارجية المبشرة كثيراً والتي تنطوي على عدم وجود أيّ مشاكل مع جيرانها، وفقاً للحقائق والمتغيرات الجديدة التي بدأت تطرأ على الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي سبق لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن أكد أن بلاده ترغب في إقامة علاقات جيدة مع شعوب وأنظمة المنطقة، دخلت شعوب الشرق الأوسط اليوم في تحدي مع حكامها المستبدين، وسيتذكرون غدًا الدول التي دعمت وحشية تلك الأنظمة. وشددت في هذا السياق اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية على ضرورة أن تدرك تركيا ndash; تبعًا لذلك - إن القوة الناعمة التي مجدتها في دبلوماسيتها النشطة كلاعب إقليمي بارز لا تتعلق فحسب بالتجارة والدبلوماسية، بل يتعين عليها أيضًا أن تطالب بدعم نشط للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

جدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية وصل إلى الحكم بوعد أن يتم تعزيز التوجه التركي نحو الغرب من خلال الاتحاد الأوروبي، لكن تحت قيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وتوجيه وزير الخارجية داوود أوغلو على مدار السنوات الثمانية الماضية، انقلبت سياسة تركيا الخارجية رأسًا على عقب، بعد أن أدرجت جيرانها الشرق أوسطيين على رأس أولوياتها بدلاً من حلفائها التقليديين في الغرب.

وهي السياسة التي بدأت برفضها طلب أميركا دخول العراق عبر أراضيها عام 2003، مع بدء تزايد شعبية أردوغان في المنطقة، ودعم تركيا لأسطول مساعدات ثان إلى غزة، في وقت يتناقض فيه موقفها من إسرائيل مع الصمت الذي تلتزمه إزاء المحاولات التي تقوم بها الأنظمة في إيران وسوريا لقمع مواطنيها المطالبين بالديمقراطية.

وفيما يتعلق بموقفها تجاه الأحداث التي تشهدها ليبيا، قالت المجلة إن تركيا وجدت نفسها في موقف غير مريح بسبب تخبطها وتأرجحها كقوة على الساحة الإقليمية، بعد أن أساءت تقدير الأوضاع هناك ورفضت في البداية فرض عقوبات واعترضت كذلك على تدخل الناتو. ومع تواصل التظاهرات والاحتجاجات في مقابل القمع الوحشي من جانب حليف تركيا المقرب، الرئيس السوري بشار الأسد، يبدو أن أنقرة ستلتزم مرة أخرى بتعويذة quot;انعدام المشكلاتquot;، حتى في وقت يموت فيه السوريون كل يوم. وأصبحت سوريا عرضاً لسياسة تركيا التفاعلية في الشرق الأوسط.

وختاماً، قالت المجلة إن تركيا تؤكد على تفردها كدولة ديمقراطية مسلمة أصيلة. وأوضحت أن تلك الديمقراطية لم تُسَهَّل لها بجيرانها الشرق أوسطيين، وإنما بتطورها بداخل مجتمع الدول الغربية. ومضت تشدد على أهمية أن تستغل تركيا رأس المال الاقتصادي والأخلاقي والسياسي الضخم الذي استثمرته في تقاربها مع الشرق الأوسط لنقل ما استمتع به المواطنون الأتراك منذ عقود إلى جيرانها ndash; وهي تلك الديمقراطية النابضة بالحياة التي وبالرغم من عيوبها، يُنظَر إليها على أنها نموذج للإصلاح في المنطقة. وبمقدور تركيا أن تُحدِث فارقاً بمطالبتها دمشق وطهران علناً وبحزم أن يلغيا قواتهما الأمنية وأن يجريا إصلاحات ذات مغزى مع وضع حوافز اقتصادية ملموسة. وبإمكان أنقرة أن تستفد الكثير من وراء التحولات الأخيرة التي طرأت على المنطقة التي ستنظر إلى تركيا بشكل متزايد للتوجيه والقيادة.