للمرة الأولى منذ تسلمها السلطة قبل أكثر من ستة أشهر أبدت الحكومة التونسية بقيادة حركة النهضة الاسلامية، صرامة غير مسبوقة في التعامل مع السلفيين الذين أدى quot;تسامحهاquot; مع quot;تجاوزاتهم المتكررةquot; الى quot;تشجيعهمquot; على ارتكاب المزيد منها، كما يقول محللون.


تونس: في 11 و12 حزيران/يونيو الجاري، نفّذ سلفيون تونسيون مدعومون ببلطجية أعمال عنف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة في 8 محافظات، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة أكثر من مئة آخرين.

واندلعت اعمال الشغب هذه، الاعنف منذ بداية العام، احتجاجًا على عرض فنانين تشكيليين تونسيين خلال مهرجان ثقافي في مدينة المرسى (شمال العاصمة) في 10 الجاري لوحات اعتبرها متشددون اسلاميون quot;مسيئة للمقدسات الاسلاميةquot;.

وفرضت السلطات من 12 إلى 14 حزيران/يونيو حظر تجوال ليلي في المحافظات التي شهدت أعمال العنف والتخريب، كما حظرت تظاهرات quot;جمعة نصرة المقدسات الاسلاميةquot; التي دعا إليها quot;ملتقى أنصار الشريعةquot;،التنظيم السلفي الأكثر تشددًا في تونس.

واعتقلت الشرطة 140 شخصاً مشتبهًا بتورطهم في أعمال العنف، أغلبهم من السلفيين، وبينهم إمام مسجد في مدينة جندوبة (شمال غرب) حرض بحسب الاتهام على قتل رجال الأمن.

وقالت وزارة العدل إن المعتقلين سيحاكمون بموجب قانون quot;مكافحة الإرهابquot; الصادر سنة 2003 في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وأعلن مسؤول في وزارة الشؤون الدينية عن منع حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة الشهير في تونس، من القاء خطبه مجددًا في الجامع بعد أن quot;كفر وأهدر دمquot; الفنانين التشكيليين الذين عرضوا لوحات quot;مسيئة للمقدسات الاسلاميةquot;.

تظاهرة سابقة لسلفيين تونسيين

واعتبر مراقبون أن تصاعد أعمال العنف السلفي في تونس جاء نتيجة لتراخي الحكومة في تطبيق القانون على السلفيين الذين تكررت تجاوزاتهم لقوانين البلاد منذ الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وقال الصحافي والمحلل التونسي علي العايدي بن منصور لفرانس برس إنه لم يكن أمام حكومة حمادي الجبالي التي quot;تخشى من انفلات الامور من أيديها سوى إظهار حزم أمني يمنع دخول البلاد في فوضىquot;، فيما وصف مصدر دبلوماسي quot;الانفلات السلفيquot; الأخير في تونس بأنه كان quot;مباغتًاquot; لحركة النهضة.

بدوره ارجع سمير أمغار، أستاذ علم الاجتماع المختص في شؤون الحركات الإسلامية quot;التسامح النسبيquot; للحكومة مع السلفيين، إلى استفادة حركة النهضة من quot;القواعد الاجتماعيةquot; للسلفيين.

من ناحيته أرجع علية العلاني الباحث التونسي المتخصص في قضايا السلفية موجة العنف الأخيرة في البلاد إلى ثلاثة عوامل quot;اجتماعيةquot; وquot;أمنيةquot; وquot;إيديولوجيةquot;.

وقال العلاني لفرانس برس إن quot;العامل الاجتماعي يتمثل في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل والمهمشين الذين باتوا مخزونًا للسلفيين، والأمني يتمثل في عدم قدرة الحكومة على معالجة الاضطرابات الأمنية خاصة في المناطق الفقيرة، والإيديولوجي يتمثل في عدم توصل السلطات الى تحديد انموذج مجتمع تريده لتونس الجديدةquot; وتذبذبها بين انموذج إسلام معتدل لديموقراطية حديثة وإسلام محافظ معاد للحداثةquot;.

وإلى هذه الأسباب الثلاثة، يضيف مهتمون بالشأن التونسي عاملاً رابعًا هو عدم قدرة المعارضة اليسارية التي تمزقها الانقسامات على الدفاع عن أنموذجها المجتمعي الليبيرالي. وغالبًا ما تواجه هذه المعارضة اتهامات بـquot;اللعب بالنارquot; عند تركيزها على مسائل تتعلق بالهوية والدين.

ويرى مراقبون أن سلفيي تونس استفادوا من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والامني في البلاد إذ ارتفع عددهم إلى حوالي 10 آلاف حاليًا بعض أن كانوا بضع مئات بعد الثورة .

ويقول سمير أمغار quot;من خلال نشاطاتهم الاستعراضية، يريد السلفيون إسماع اصواتهم في لحظة حاسمة من تاريخ تونس، لحظة كتابة الدستور الجديد الذي سيحدد الإطار القانوني والمؤسساتي والمجتمعي للبلاد طوال عقودquot;.

ويلفت الى وجود مراجعات ونقاشات داخل الجماعات السلفية في تونس ودول الجوار (ليبيا وموريتانيا) بخصوص ممارسة النشاط السياسي المنظم، على غرار ما يحدث في مصر حيث يمثل السلفيون quot;ثاني قوةquot; في البلاد، على حد تعبيره.

وذكر بأن quot;أبو عياضquot; زعيم تنظيم quot;ملتقى أنصار الشريعةquot; التونسي السلفي المتشدد، ألقى قبل شهر في المؤتمر السنوي للتنظيم quot;خطابًا حول السياحة والصحة والحكومةquot;، معتبرًا أن ذلك كان quot;برنامجًا سياسيًا حقيقيًاquot; للتنظيم، وأن حزب التحرير المحظور الذي يدعو إلى إقامة دولة الخلافة جدد تقديم طلب إلى السلطات للحصول على ترخيص للعمل القانوني.

وأثار تزامن موجة العنف الأخيرة في تونس مع تصريحات لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري دعا فيها في العاشر من حزيران/يونيو التونسيين إلى quot;الانتفاضةquot; على حركة النهضة بسبب تخليها عن المطالبة بأن تكون الشريعة الاسلامية مصدرًا للتشريع في الدستور، مخاوف من وجود علاقة بين القاعدة وبعض فصائل التيار السلفي في تونس.

وقال علية العلاني إن أيمن الظواهري quot;اعتقد أنه بإمكانه استغلال التعامل المرن للحكومة التونسية مع السلفيين لتحريضهم على المرور إلى المرحلة القصوىquot;، لافتًا إلى أنه quot;لا وجود حتى الآن لدليل مادي يثبت وجود صلة تنظيمية بين القاعدة وجماعة انصار الشريعة التونسيةquot;.

وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أعلن مؤخرًا أن القاعدة quot;ليس لها نفوذ في تونسquot; وأن أيمن الظواهري quot;كارثة على الاسلام والمسلمينquot;.