لم تتردّد الفعاليات التونسية في الخارج في إدانة الممارسات الأمنية العنيفة التي استهدفت المتظاهرين بمناسبة الاحتفاء بعيد الشهداء الاسبوع الماضي في شارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة، كما أبدت استغرابها من التساهل الذي تبديه السلطات في التعامل مع السلفيين.
من إعتداءات الشرطة التونسية على متظاهرين في ذكرى عيد الشهداء |
باريس: لم تقف الجالية التونسية في الخارج صامتة امام الاعتداءات التي طالت المتظاهرين الاسبوع الماضي من طرف عناصر الأمن.
التدخل العنيف للشرطة التونسية الذي شهده شارع بورقيبة، بقدر ما ولد لدى البعض من هذه الجالية شيئًا من الإحباط، فإنه زادها عزمًا على الدفاع بكل الوسائل السلمية المتاحة عن مكاسب ثورة الـ14 من يناير 2011.
محي الدين شربيب، المتحدث الرسمي باسم لجنة الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وصف هذه الأحداث الأمنية quot;بالغريبةquot; معبرًا عن quot;صدمته كحقوقي خاصة أنها وقعت بنفس الممارسة وبنفس الطرق التي كانت تُستعمل من طرف النظام السابقquot;.
أعرب الناشط الحقوقي في حديث لـ(إيلاف) عن quot;دهشة الحقوقيين التونسيين في الخارج مما حدث، لأن أجهزة البوليس القمعي لعهد ما بعد الثورة استعملت نفس الأساليب التي كانت تستعمل من طرف نظام العهد السابقquot;.
كما أكد: quot;لن نقبل أي تجاوز أو انتهاكات لحقوق الإنسان وحق التعبير والتظاهر. وهذا مبدأ من المبادئ الثمينة التي لا يمكن التغاضي عنهاquot;.
فالأمر ليست له علاقة بالسياسة ولا بكوننا مع الأغلبية أو المعارضة، المسألة مسألة قيم، نريد تونس الحرية والفكر والشغلquot;.
سجل شربيب سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها السلطات التونسية في الآونة الأخيرة نظرًا لتساهلها مع quot;مجموعات غريبة عن المجتمع والثقافة التونسيين، نادت في الجامعة وفي الشارع بممارسة متطرفة بل ودعت إلى القتل سواء لأفراد أو لجماعات كما حصل بخصوص مناداتها بقتل اليهود إلا أن السلطات لم تحرك ساكنًا ضدهاquot;.
يعتبر محدثنا أن quot;قرار الحكومة التونسية بإلغاء منع التظاهر في شارع بورقيبة هو قرار إيجابي، لكن ما زالت هناك أخطار تهدد الصحافيين، حق التجمع، حق التفكير، وهي ممارسات أرجعتنا نحن الحقوقيين، إلى الطرق النضالية التي كنا نسلكها خلال حكم بن عليquot;.
الديمقراطية الفتية في تونس مهددة جراء مثل هذه الأحداث، بحسب شربيب لأن الثورة مسار. المعادون للثورة يتحركون وغير نائمين، لكن المفرح أننا نتوفر على مجتمع مدني يقظ يشتغل ولا يتساهل عند المس بالحريات ويناضل ضد العودة بتونس إلى القرون الوسطىquot;.
شدد الحقوقي في الأخير على شيء مهم بالنسبة لكل التونسيين الذين يؤمنون بحق الاختلاف، وهو أن quot;تونس لا بد أن تكون بلاد تسامح يعيش فيها الجميع مهما اختلفت وتعددت أفكارهم ورؤيتهم التي يمكن التعبير عنها في إطار سلميquot;.
بن هيبة: التظاهر في شارع بورقيبة له ثقل رمزي
من جهته، أدان الناشط الحقوقي طارق بن هيبة، رئيس جمعية مواطنة على الضفتين، ما أسماه quot;بالعنف البوليسي والصادر عن المليشيات الخاصة كذلك ضد المتظاهرين الذين كانوا يحيون quot;ذكرى الشهداءquot; في شارع بورقيبة في التاسع من الشهر الجاريquot;.
يقول بن هيبة في تصريح لـ إيلاف: quot;إن الفيديوهات والصور التي جابت الشبكة العنكبوتية تظهر مدى العنف الذي مورس على الأشخاص. كنا نعتقد أن هذه الممارسات غير الشريفة اختفت مع الثورة، لكن للأسف نسجل أنها ما زالت مستمرةquot;.
يضيف الناشط الحقوقي التونسي: quot;أن هذه الهجمات العنيفة ضد مدنيين سلميين لم تحدث فقط على طول شارع بورقيبة، الذي مُنع فيه التظاهر بموجب قرار لوزارة الداخلية والمنتقد من طرف المحاميين، وإنما كذلك في باقي أزقة تونسquot;.
ويضيف أيضًا: quot;لا نفهم وحشية هذه الهجمات، في الوقت الذي لم يقلق أي أحد راحة السلفيين أصحاب الاعتداءات الجسدية ضد الصحافيين، المناضلين، نساء ورجال المسرح، والذين نادوا بقتل اليهود في تونسquot;.
ويعبر عن quot;ارتياحه بقرار الحكومة التونسية القاضي برفع منع التظاهر في شارع حبيب بورقيبة، وهي إشارة ستساهم في تهدئة الغضب الشرعي لكل الديمقراطيين التونسيين الذين يصرون على التظاهر فيه بالنظر للثقل الرمزي لهذا الشارعquot;.
يؤكد بن هيبة على ضرورة quot;توقف استهداف الحريات في تونسquot;، معبرًا عن إصرار الحقوقيين التونسيين والقوى التقدمية في الخارج والداخل على مواصلة quot;نضالاتهمquot;، كما كان الشأن عليه في عهد بن علي.
يقول بهذا الخصوص: quot;نحن عازمون على التعبئة كما برهنا على ذلك خلال زمن الدكتاتور بن علي لأجل الدفاع عن الحريات، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، كما سنشكل لجنة لليقظة ضد المس بها، لكن أتمنىعلى الحكومة أنتعي جيدًا الوضعية التي تجد فيها البلاد وتستجمع قواها لاستتباب الحقوق في كل مكانquot;.
ذهول الإعلام الفرنسي وإدانة من quot;مرسلون بلا حدودquot;
وسائل الإعلام الفرنسية أفردت حيزًا هامًا لهذه الأحداث نظرًا لقوتها وكونها تأتي بعد ثورة تولد عنها ما أصبح يعرف اليوم quot;بالربيع العربيquot;، زيادة على أن هذا البلد المغاربي دخل في أول تجربة للإسلاميين في تدبير الشأن العام في العالم العربي بعد انتخابات ديمقراطية.
كما وجهت quot;مراسلون بلا حدودquot; رسالة إلى كل من المنصف المرزوقي الرئيس التونسي، حمادي الجبالي رئيس الوزراء، علي العريض وزير الداخلية، مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي وإلى نواب المجلس التأسيسي المنتخبين، أطلعتهم فيها على quot;غضبهاquot;، لما شاهدته quot;ببالغ الذهول القمع العنيف الذي مارسه عناصر الأمن في قلب العاصمة التونسية في التاسع من الشهر الجاريquot;.
و تعرض خلال هذا اليوم الذي نعتته المنظمة quot;بالأسودquot; quot;16 صحافياً، من بينهم أجنبيان، لاعتداءاتquot;، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها quot;لم تلحظ أعمال عنف بهذه الحدة منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011quot;.
وقالت المنظمة في الرسالة ذاتها التي تلقت إيلاف نسخة منها إن quot;عناصر الشرطة المنتشرين في وسط مدينة تونس انقضّوا عمداً على المتظاهرين والصحافيين المتواجدين على الأرض لتغطية الحدث. وكثّف هؤلاء جهودهم لمنع الحاضرين من أن يشهدوا على الفظائع المرتكبة بالتقاط الصور أو التصوير بالفيديو.quot;
وأشارت المنظمة إلى أن السلطات التونسية quot;لم تنشر نتائج التحقيقات الداخلية لاعتداءات سابقة وعدت بها عدة مرات، وبدأ الجميع يشكك في مصداقية السلطات إزاء حل مشكلة عنف عناصر الشرطةquot;.
وناشدت المنظمة quot;أيضاً كل السلطات التونسية إرسال إشارة قوية إلى أولئك الذين ينتهكون حرية التعبير وحرية الصحافيين في أن يؤدوا واجب إعلام الرأي العام باستقلالية تامةquot;.
التعليقات