يثير توجّه الحكومة التونسية مؤخرًا إلى استعمال القوة والاعتقالات ضد السلفيين عدة تساؤلات في صفوف المراقبين خصوصًا مع التلكّؤ السابق في تطبيق القانون ضد من ثبت انتهاكهم للحريات العامة والخاصة. ويتساءل المراقبون هل يأتي حزم الحكومة الاسلامية استجابة لدعوات العلمانيين أم أن التيار السلفي أضرّ بشكل كبير بسمعة حركة النهضة الحاكمة؟
تونس: الحكومة التونسية، وعلى الرغم من اعتمادها استراتيجية قوامها الحوار واللين لمعالجة عديد الأحداث طوال الفترة الماضية، وجدت نفسها بعد العنف السلفي الاخير مجبرةهذه المرة على تغيير سياستها ومواجهة المارقين عن القانون مهما اختلفت توجهاتهم.
السلفيون في تونس الذين لا يؤمنون بالدولة عملاً بشعار رفعوه في اجتماعهم الأخير في محافظة القيروان quot;لا دستور لا قانون، قال الله قال الرسولquot;، اصطدموا مع قوات الأمن بعد أن قاموا بحرق وتخريب أملاك عامة وخاصة على خلفية عرض لوحات وصور في معرض ربيع الفنون في قصر العبدلية في المرسى (إحدى ضواحي تونس العاصمة) اعتبرتها عديد الجهات مستفزة لمشاعر المسلمين ومنتهكة للحرمات الدينية.
فكيف ستكون العلاقة المستقبلية بين حركة النهضة والسلفيين؟ هل سيصعّد السلفيون من تحركاتهم أم أنهم سيحتكمون إلى منطق الحوار اعتبارًا إلى أن هذه الفترة quot;سياسيةquot; بامتياز؟
استراتيجية جديدة أملتها الأحداث
الدكتور عبد المجيد النجار، عضو المجلس التأسيسي والقيادي البارز في حزب النهضة الحاكم، يقول في تصريح لـquot;إيلافquot; إنّ الحكومة التي تشارك فيها حركة النهضة quot;هي التي ترسم السياسة التي تعتمدها للتعامل مع عديد الأحداث، ومن بين الذين قاموا بالشغب خلال اليومين الأخيرين هناك غلاة السلفية ومن النظام السابق ومن المجرمين لذلك فإن الصدام الذي حدث هو في الواقع بين الحكومة، المسؤولة عن الأمن العام، وبين كل هذه الفئاتquot;.
المزيد على إيلاف ردود فعل متباينة اثرquot;تمردquot; التيار السلفي الجهادي في تونس |
وعن الإستراتيجية التي تنتهجها الحكومة مع السلفيين بعد اتهامها بالتلكّؤ في تطبيق القانون وحماية عنف السلفيين وتأمين ظهورهم، يقول النجار: quot;الحكومة لم تغيّر استراتيجيتها في التعامل مع السلفيين ولكنها غيّرت استراتيجيتها مع هذا الخليط الذي اخترق النظام وقد يكون السلفيون من المدفوع بهم لاقتراف هذه المخالفات، وبالتالي ليسوا الأصل في التجاوزات وأعمال التخريب التي حدثت ومسؤولو حركة النهضة يؤكدون أنّ كل من خالف النظام سيحاسب وسيطبق عليه القانون أيًا كانت توجهاتهم ولكننا نريد أن نستدرج غلاة السلفية إلى المربع القانوني، وبالتالي ليس تغييرًا استراتيجيًا نحو القمع والإستبدادquot;.
الدكتور محمد ضيف الله، الأستاذ في الجامعة التونسية، وفي إفادة لـquot;إيلافquot; يحلل المواجهة القائمة بين الحكومة والسلفيين، ويوضّح: quot;حركة النهضة ومنذ أواسط التسعينات وحتى العام 2011 تقريبًا لم يكن لها وجود تنظيمي على الساحة مثلما كان لها في السبعينات والثمانينات تنظيم من خلال عديد الخلايا في كامل البلاد، وبعد ما حدث للنهضة في آخر الثمانينات اندثر هذا التنظيم، ومنذ 2003 ولملء هذا الفراغ، فقد ظهر تيار جديد في تونس هو تيار السلفيين الذي له قيادات وتوجهات مختلفةمنها السلفية الجهادية والسلفية العلمية والسلفية المدخلية، ولكل منها رؤية مغايرة ومواقف متباينة من السلطةquot;.
ويتابع ضيف الله: quot;لما عادت حركة النهضة بعد الثورة لم يكن لها التنظيم الجاهز، وبالتالي كانت المراهنة على استقطاب التيارات السلفية لتكون قاعدة للنهضة من خلال التأثير عليها بطريقة أو بأخرى مع قيادات للحركة تكونت في السبعينات والثمانينات مع قواعد جديدة تكونت في الألفية وفي أواخر التسعينات وكانت رؤية النهضة تتمثل في محاولة استقطابهم بعدم وجود صدام معهمما سبّب نوعاً من المهادنة، التي كانت في البداية، في التعامل مع هؤلاء، لكن في المقابل كانت للسلفيين مواقف مختلفة وأقربهم إلى حركة النهضة هم الذين يمثلون السلفية العلمية باعتبارهم يؤمنون بطاعة ولي الأمرquot;.
القاعدة ضد النهضة
ويضيف محمد ضيف الله :quot; في مقابل هؤلاء هناك السلفية الجهادية التي هي امتداد بطريقة أو بأخرى لتنظيم القاعدة ولها رموزها الذين يقفون موقفًا حادًا من حركة النهضة ولا رغبة لهم في استمالتهم وأبرز قادتهم أبي عياض وأبي أيوب و الإدريسي الذين لهم توجهات تختلف عن سياسة حركة النهضة ومبدأهم quot; اسمعوا منا واستسمعوا عناquot;، أي اسمعوا منا دون وسيط.
ولكن منذ اجتماعهم الأخير في القيروان اعتمدوا استراتيجية جديدة ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمواجهة المباشرة وقد رفعوا شعارًا في القيروان يقول quot;لا دستور لا قانون، قال الله قال الرسولquot;، بمعنى أنهم لا يعترفون بهذه الدولة وهم الذين سيطبقون القانون وبالتاليفهم يدفعون الأطراف الأخرى على عدم احترام القانون و تجاوز الدولةquot;.
السلفية الجهادية غيرت استراتيجيتها وطبيعي جدًا أن يحصل الصدام مع الحكومة، علمًا أن السلفيين مخترقون، وهم يقرون بذلك، من أطراف عديدة حيث هناك من له مصلحة في استعمالهم واستغلالهم في بث الفوضى و أعتقد أن ما حدث في اليومين الأخيرين لا يخرج عن هذا الاتجاهquot;.
واتهم الدكتور محمد ضيف الله أطرافًا quot;لا يساعدها أن تتقدم البلاد ويستقر الأمن بها، وطريقتهم في ذلك هي هؤلاء الذين لهم أتباع قادرون على مواجهة حركة النهضة التي إن واجهتهم يعتبرونها كأنها خرجت عن الإسلام وعن المسار الصحيح وإن تراخت في مواجهتهم فستدمّر نفسها لأن من هو في السلطة ينضبط دائما بقواعد السلوك السياسي ومنطق الدولة الذي يطالبها بفرض الأمن في البلادquot;، على حدّ تعبيره.
رضا بلحاج رئيس حزب التحرير يقول لـquot;إيلافquot; بخصوص رؤيته لما حدث من صدام وتعدٍّ على الأملاك العامة والخاصة:quot; بالنسبة لي كمعنيّ بالشأن السياسي ومواكب له، أرى أن الحكومة تأخرت في إحداث حالة انسجام مع الصحوة الإسلامية بصفة عامة لأنها في الواقع جاءت من رحم هذه الصحوة وهو ما كلفها السجون والإبعاد وغيره، وبالتالي لم تستطع أن تبين أنها ليست غريبة ومنبتّة ومتنكرة لهذه الأجواء الإسلامية التي منحتها الصفة فحتى في الانتخابات لم تكن بناء على حملة انتخابية بل على صفة معينة سابقة في أذهان الناس كحركة إسلامية مرت بمعاناة ولم تستعمل خطابًا تبشيريًا فتركت الساحة الإسلامية بما فيها التيار السلفي لنفسها وإن كانت حركة النهضة قد منحت بعض الإشارات التي فيها نوع من الطمأنة ولكنها كانت قليلة جدًا وعكسها كان أقوى على غرار quot;ستنتهي الفسحةquot;، وبالتالي كانت النهضة بين ترضيتين، الصحوة الإسلامية بمدها الشعبي في سياق ديمقراطي جديد، وكذلك الجهة العلمانية والغربية.
استجابة لتطبيق القانون
القيادي النهضوي وعضو المجلس التأسيسي عبدالمجيد النجار يؤكد أنّ الصدام الحالي بين الحكومة والسلفيين لم يكن استجابة للعلمانيين بتطبيق القانون، ويقول: quot;الدعوة لتطبيق القانون ليست مقتصرة على العلمانيين بل أن حركة النهضة هي التي طالبت وفي أكثر من مناسبة بتطبيق القانون على كل من يتجاوز حدوده ويتعدى على الممتلكات العامة والخاصة، وفي الواقع فإن الحكومة كانت تطبق القانون بشيء من اللين والآن وبعدما حدث ما حدث من تجاوزات وأعمال خطيرة على الأمن العام للبلاد والعباد رأى وزير الداخلية ضرورة تطبيق القانون وبقوةquot;.
ويقول رضا بلحاج أن الصدام الحالي ليس في الواقع بين النهضة والسلفيين، ويرى أنّ quot;مكونات أخرى لا بد من استحضارها ومنها المكون الشعبي والاستفزاز الذي حصل لعقيدة المسلمين، والسلفيون الذين خرجوا في الاحتجاجات لم يستهدفوا حركة النهضة وكان التوجه نحو العلمانيين الذين يستفزون الأمة والشعب بعقيدته، لكنّ هناك لوماً ضمنياً لحركة النهضة بأنها لم تحمِ الدين ولكن النهضة عندما ترد الفعل تدخل في باب التحرك ضد السلفيين وهو ما يجعلها ترتكب بعض الأخطاءquot;.
قيادات جهادية محلية
عن دعوة الظواهري التي سبقت هذه الأحداث مباشرة والتي دعا فيها quot; شرفاء تونس وأحرارها إلى نصرة الشريعةquot;، يقول النجار: quot;قد يكون للظواهري دخل ماquot;.
في هذا السياق يقول د. ضيف الله إنّ بعض العناصر الجهادية اكتسبت مشروعية لدى القواعد مثل أبو عياض الذي لم يكن معروفًا عند الجميع وأصبح الآن أكثر تأثيرًا لديهم خاصة وأنه أصبح متواجدًا في شبكات التواصل الاجتماعي والصحفquot;.
بين التصعيد والدعوة إلى الحوار
ردة فعل السلفيين بعد التصدي لهم واعتقال العشرات منهم مازالت غامضة، ويقول عبد المجيد النجار مصححًا: quot;لم يتم اعتقال السلفيين لوحدهم لكن تم اعتقال كل المارقين عن القانون والذين خربوا واعتدوا على الأملاك العامة و الخاصة ولا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم ولن يجرؤوا على التصعيد لأنّ كل مخالف سينال جزاءهquot;.
الدكتور ضيف الله يؤكد أن هذا التيار المتشدد سيعمل على التصعيد لأنهم لا يؤمنون بالدولة، ويمكن أن يكون لهم سلاح مثلما حدث في منطقة quot;بئر علي بن خليفةquot;، والصدفة هي التي قادت إلى كشف ذلك، كما أن لهم علاقات كما يبدو مع رفاقهم في ليبيا وبالتالي قد يستقوون بهم ولكن أتصور أن هذه المرحلةلا تزال بعيدة ويبدو كذلك أن ردود فعلهم هي عبارة عن مبادرات لفرق صغيرة من هنا وهناك في بعض الجهاتquot;.
رضا بلحاج يرى أن يوم الجمعة سيكون حاسمًا حيث ستنظم منصة خطابية وسيكون الخطاب مسؤولاً لا يخضع لا لحماس ولا لمزايدات، سيكون حاسمًا في الترشيد وفي وضع النقاط على الحروف، وبالتالي فإن التصعيد غير وارد.
القطيعة .. الحوار
عن العلاقة المستقبلية بين حركة النهضة والسلفيين الجهاديين بالخصوص، يقول عبد المجيد النجار: quot;كل من سيخالف القانون سينال جزاءه ولن يكون هناك تسامح مستقبلاً، أما بقية السلفيين فيستدرجون بالحوار نحو المربع القانوني وستبقى العلاقة قائمة ولن نشهد صدامًا أو قطيعة لأن الحركة كانت لها حوارات ولقاءات مع السلفيين، ولكن هناك فئة ضيقة من الشباب هي التي خرقت القانونquot;.
ضيف الله كان له رأي مخالف، إذ أوضح أنّ القطيعة حاصلة لا محالة بين حركة النهضة والسلفية الجهادية، فخطابهم المتشدد لا يمكن أن تقبل به حركة النهضة التي هي حزب مدني براغماتي، فأبناء النهضة هم أبناء الجامعة التونسية فمنهم المهندس والطبيب والأستاذ وغيرهم، كما أن رجالات السلفية العلمية كثير منهم أنهوا دراستهم الجامعية بينما السلفية الجهادية لم يكملوا دراستهم الجامعية في غالبيتهم بسبب دعوة الشيخ الإدريسي لهم بمقاطعة التعليم على الرغم من أنهم كانوا بارزين في الدراسة، وبالتالي فإن الحوار معهم يكون صعبًا لأن تكوينهم الديني متأتٍ أساسًا من الفضائيات والكتب التراثية أي أن تفكيرهم يختلف تمامًا عن تفكير قيادات حركة النهضةquot;.
التعليقات