مقاتلو المعارضة السوريةيستخدمون العبوات الناسفة لتدمير جيش النظام |
انسجم التفجير الذي وقع أمس في مبنى الأمن القومي في دمشق وأودى بحياة كبار مسؤولي الأمن هناك، مع انتقال مقاتلي المعارضة السورية الى تصنيع العبوات الناسفة واستخدامها، وهو السلاح الذي اثبت فاعليته في تدمير دبابات جيش نظام الأسد.
لندن: جاء الهجوم على مقر الأمن القومي الذي أسفر عن مقتل مسؤولين أمنيين كبار في نظام الرئيس بشار الأسد، منسجمًا مع التحول التكتيكي الذي أدى إلى تغيير وجهة النزاع السوري، والمتمثل في انتقال مقاتلي المعارضة بسرعة إلى تصنيع العبوات الناسفة محليًا ونجاحهم في استخدامها.
وكانت العبوات الناسفة تُستخدم في عمليات المعارضة منذ تصاعد أعمال العنف في أواخر 2011. لكنّ مقاتلي المعارضة أصبحوا أكثر جرأة وأشد فاعلية في استخدامها ابتداء من منتصف الربيع.
وغدت العبوات الناسفة، السلاح الأمضى في ترسانة المعارضة ذات التسليح المتواضع عمومًا، وأثبتت فاعليتها في تدمير دبابات النظام وتعطيل أرتال الجيش، وإنزال خسائر فادحة بقواته التي تنفذ عمليات في مناطقللمقاومة المسلحة والتي لهم وجود قوي فيها، كما أكد محللون غربيون وقادة ميدانيون في المعارضة المسلحة.
وحتى في وقت ناشدت المعارضة السورية المجتمع الدولي التدخل وتقديم أشكال أخرى من الدعم المادي والعسكري، فإن المقاتلين المحليين أقاموا مناطق عازلة وجيوبا في أرياف المدن السورية المتحررة الآن أساسًا من قوات النظام على الأرض.
وقال رائد سابق في سلاح المدفعية السوري، قدم نفسه بإسم أبو أحمد يقود الآن مجموعة قتالية في محافظة إدلب لصحيفة نيويورك تايمز من منزل آمن في مدينة انطاكيا التركية، quot;إن العبوة الناسفة ليست ضرورية فحسب بل تقوم بدور رئيسي في نجاحناquot;.
وأضاف أبو أحمد أن السبب في تنامي قدرات المقاتلين وقوتهم هو quot;ليس تدفق المزيد من السلاح من الخارج، بل السبب الرئيسي هو تحسن تنظيمنا وعبواتنا الناسفةquot;.
وما حققته العبوات التي تحدث عنها ابو أحمد يتخطى استهداف قوات النظام وقتل جنوده إلى حرمانه من التحرك بحرية في تضاريس الأرض السورية.
وحدث التحول في تكتيكات المعارضة السورية المسلحة إلى استخدام العبوات الناسفة بصورة غير محسوسة. وقال الضابط السابق في استخبارات الجيش الأميركي والمحلل حاليًا في معهد دراسة الحرب في واشنطن جوزيف هاليدي، إن التغييرات التي حدثت لم تكن في معدل الهجمات، بل في بناء القدرات بوتائر متسارعة. ولاحظ هاليدي أن نسبة الهجمات باستخدام عبوات ناسفة من إجمالي نشاط المقاتلين لم تسجل زيادة إحصائية مهمة، وما حدث هو ارتفاع نسبة الهجمات الناجحة. ولكنه أضاف أن أكبر زيادة كانت في عدد ما يسميه الجيش الأميركي هجمات quot;كارثيةquot; بالعبوات الناسفة، أي تفجيرات تدمر دروعًا أو تُنزل خسائر كبيرة بالأرواح في صفوف العدو.
وعلى الرغم من تعذر الحصول على تقديرات دقيقة، فإن مسؤولاً في إدارة أوباما اشترط عدم ذكر اسمه، قال لصحيفة نيويورك تايمز إن الجيش السوري كان بحلول حزيران (يونيو) يتكبد 20 قتيلاً في المتوسط يوميًا، نتيجة أنواع مختلفة من الهجمات وأضعاف هذا العدد من الجرحى، وإن من شأن هذا أن يشكل استنزافًا كبيرًا لقوات جيش، يعاني أصلاً بسبب الإنشقاقات، ويحاول الآن قمع نزاع مستعر تُستخدم فيه أساليب حرب العصابات بوسائل تقليدية.
ولا تُعرف على وجه التحديد الطرق التي استخدمها مقاتلو المعارضة لتحسين قدراتهم على تصنيع العبوات الناسفة واستخدامها، ومن دربهم عليها.
وقال المحلل هاليدي إن بناء هذه القدرة يتحقق في جانب منه على أيدي مقاتلين سوريين تعلموا تصنيع العبوات خلال محاربة القوات الأميركية في العراق.
ولاحظ مسؤول أميركي رفض أن يذكر اسمه، أن تصنيع العبوات التي يمكن أن تخترق الدروع ارتبط دائمًا بإيران، ولكنه أضاف أن عدد المستخدَم منها قليل، وتكنولوجيا تصنيعها معروفة بما فيه الكفاية بحيث أن استخدامها لا يشير إلى دعم إيران لمعارضين يعملون على إسقاط حليفها.
وتحدث مقاتل في مدينة انطاكيا التركية، عن دورة لتصنيع العبوات أُقيمت في الربيع بمشاركة محاضرين إسلاميين. وفي رواية لم يتسنَ التحقق منها قال المقاتل إن رفاقًا شاركوا في الدورة، أخبروه أن دروسها لم تذهب أبعد كثيرًا مما تعلمه المقاتلون بأنفسهم. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المقاتل أن المحاضرين الإسلاميين quot;علَّموا المقاتلين الأشياء نفسها التي يعرفونها أصلاً، وكل ما في الأمر أنهم أوضحوا كيف تُصنع العبوات بطريقة أكثر امانًاquot;.
ولكن العديد من المقاتلين والقادة الميدانيين من إدلب وحماة وحلب قابلتهم صحيفة نيويورك تايمز، تحدثوا عن نجاحهم في استخدام العبوات الناسفة بطريقة مختلفة.
وإذ أبدى هؤلاء المقاتلون والقادة حساسية إزاء مقارنتهم بجماعات تفجر العبوات عشوائيًا، فإنهم أكدوا أنهم مقاتلون لا يستخدمون إلا ما لديهم من أدوات للنجاح وأنهم يضربون اهدافًا عسكرية. وقالوا إن ارتفاع نسبة النجاح في استخدام العبوات الناسفة، لم يكن نتيجة معونة خارجية بل التعلم في الداخل بطريقة التجربة والخطأ وكانت الضرورات الاقتصادية تجبرهم أحيانًا على اكتساب الخبرة.
ولفت هؤلاء المقاتلون والقادة الميدانيون، إلى أن العبوات الناسفة يمكن أن تُصنع بمواد رخيصة في وقت ترتفع أسعار الأسلحة والذخيرة ارتفاعًا حادًا. ومن الأمثلة التي لها مغزاها أن خرطوشة البندقية يمكن أن تكلف 4 دولارات، وغالبًا ما يكون هذا السعر أغلى من كلفة المادة الأساسية التي تُستخدم في صاعق لتفجير العبوة الكبيرة، مشيرين إلى أن الصاعق يتوفر مقابل 1.5 دولار إلى 3 دولارات للصاعق وغالبيتها تُباع بدولارين.
وقال مقاتلون إنهم تعلموا طرقًا متعددة لتفجير عبواتهم بما في ذلك بسلك كهربائي مباشر أو عن بعد باستخدام اشارة لاسلكية أو اشارة هاتف خلوي.
وأثنى قادة عسكريون على دور العبوات الناسفة في رفع معنويات المقاتلين. وقال مقاتلون اعترفوا بخوفهم في السابق من جيش النظام، إنهم يرون في عملياته الآن فرصة لقتل جنوده على الطرق وإضعاف قواته وتقويض معنوياته. وأكدوا أن الجنود هم الخائفون الآن، على الأقل عندما يغادرون ثكناتهم وأن المقاتلين هم الذين يشعرون أحيانًا وكأنهم الصيادون. وقال أحد المقاتلين إنه لم يعد يرى دوريات عسكرية أو جنودًا يُنقلون في شاحنات شمالي سوريا. واضاف أن المقاتلين فرحوا في آخر مرة رأوا فيها شاحنات عسكرية.
التعليقات