لم يعد موقف السياسة المصرية غريبا هذه الأيام، فالصراع بين الإخوان والشعب دائرته تتسع يوما بعد يوم، والأماني معلقة بتدخل الجيش مرة أخرى، وكأن هناك حراك خفي من أطراف خارجية وداخلية لمحاولة إنقاذ مصر من سيطرة الإخوان والعودة إلى سابق عهدها.

وحيث أن سقف المطالبات الشعبية لا حدود له دائما، وخاصة في المجتمع المصري، الذي طالب بإقصاء مبارك وزمرته، ومن ثم تسليمها للجيش، وتوالت النداءات بسرعة تسليم الجيش للسلطة المدنية وإجراء انتخابات نزيهة، والآن تتوالى المطالبات لتسليم السلطة للجيش مرة أخرى.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث أن غالبية الخبراء ذكروا في عدة مقالات صحفية إبان سقوط نظام مبارك بأن الحكومة العلمانية هي الأنسب لحكم مصر، فالأطياف متعددة، وهناك حراك ديني وفكري يجب فصله عن السياسة العامة حتى يصلح حال البلاد وتستعيد عافيتها.

والملاحظ أن كل تلك الأحداث أدمت الاقتصاد المصري بشكل كبير جدا، وارتفع الدين العام إلى أعلى مستوياته ، وانخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى إلى اقل مستوى مقارنة بالأعوام العجاف التي مرت على السياسة المصرية السابقة.

وانعكاسات ذلك على الشعب واضحة، فمستويات البطالة في ازدياد، بل إن هناك تسريب كبير في العمالة وتسريحها من المصانع والشركات، وخاصة الأجنبية والتي هاجرت بأموالها إلى الخارج، فلم تعد هناك استثمارات أجنبية في مصر كما كانت عليه في السابق.

ولا شك أن حكومة الإخوان تتحمل تلك الأحداث بالكامل، فجميع الوعود التي قطعها الرئيس مرسي على نفسه قبل الانتخابات لم تنفذ على ارض الواقع، بل إن الرئيس يعتبر تابعا بشكل كامل لقيادات حزب الحرية والعدالة، فأدى ذلك إلى تخبطات كبيرة في اتخاذ القرارات وكأنها قرارات ارتجالية لا تعبر عن خبرة سياسية وعن قدرات مستشارين ذو كفاءة عالية في إدارة دفة البلاد سياسيا واقتصاديا.

ولنفرض جدلا أن الأحداث مستمرة، وان صراع الحكومة مع القضاء يتطور كل يوم عن ذي قبل، وانه لا يوجد تغيير على الأقل فوق الخط الأحمر المخيف الذي يمر عليه الاقتصاد حاليا، فإن الحاجة لتدخل الجيش وسقوط حكومة الإخوان أصبحت ملحة، من وجهة نظر العديد من المواطنين المصريين ، والذين يرون أن البلاد بحاجة إلى رئيس ذو خبرة سياسية، ولا ينتمي إلى كتلة معينة، ولا يتم تحريكه من قبل أطراف أخرى سواء المرشد أو غيره، وبالتي تتحقق الديمقراطية والحلم الذي يبحث عنه المواطن المصري منذ سقوط مبارك.

إن الانقسامات في الشارع المصري بدأت تتسع دائرتها وتميل الكفة نحو البحث عن الاستقرار بغض النظر عن تأييد الشعب لمرسي أو للتيار الديني الشامل، ولو أن العلاقات المتوترة بين الإخوان والأحزاب الدينية السياسية الأخرى أدت إلى اتساع الفجوة وميل كفة معارضي مرسي أكثر من السابق، إلا أن ذلك سيؤدي مستقبلا لصراعات كبيرة على السلطة، بين التيارات الدينية والليبرالية والتي تتعطش جميعها نحو الظفر بذلك.

وربما تؤدي تلك الصراعات إلى حرب أهلية كانت مصر في يوم من الأيام في غنى عنها، كما ذكر ذلك حسام بهجت الناشط الحقوقي، وان سقف المطالبات المرتفع أدى إلى الوصول إلى مثل هذه الأحداث وترك الدفة بأيدي أشخاص اقل كفاءة مما كان متوقعا.