"يا لها من لحظة رائعة أن يترك الله أعداءه ليبنوا ويؤسسوا ويشيدوا ويرتعوا ويعدوا وينفقوا ثم يأتيهم من حيث لم يحتسبوا فيدمر عليهم ما بنوه وما شادوه، وبقدر بنيانهم يكون دمارهم. ويا للحكمة الربانية والكيد المتين". (شكري مصطفى – التوسمات – مخطوط – ص 28).

لست هنا لاحاكم شكري مصطفى على أفكاره ومعتقداته ولا لأمارس الإرهاب الفكري كما فعلها تحت مسمى أمير آخر الزمان مؤسساً جماعة التكفير والهجرة أو كما يفعله المقتدين به من تيارات راديكالية متأسلمة. ولا ادري لماذا التكفير والهجرة فهل المقصود بالتكفير هنا أن تكفر عن ذنب ارتكبته فان كان كذلك فلا حاجة للهجرة بعدها إلا أن يكون القصد هو التكفير عن الذنوب وهجرها وهنا ليسمح لي أن آخذ عليه الركاكة في التعبير فمن منطلق خير الكلام ما قل ودل كان من الأجدر به أن يسميها التوبة فهي كلمة جامعة واكثر عمقاً ودلالة للمعنى الذي افترضناه للتسمية. أما إن كان المقصود منها التكفير بمعنى قذف الناس بالكفر ومن ثم هجرهم فان الأمر يأخذ منحى آخر واتجاه مغاير تماماً. لن أقول لأمير آخر الزمان بأي حق كفرتهم ولن أسأل إلى أين هجرتهم. لان ذلك ليس ما أود التطرق إليه ولكن كان من الضروري أبدي هذه الأسئلة في المقدمة ليعرف القارئ الكريم المؤثرات المحيطة بالنص الوارد في البداية، وما هي التراكمات التي أنتجته. وحتى تصبح الصورة اكثر وضوحاً نورد هنا ما جاء في نفس المخطوط في الصفحة 28 حيث يقول شكري مصطفى "يستحيل التوفيق بين بذل العمر في صنع هذه المدينة الرائعة والدنيا العريضة المزخرفة وبين عبادة الله. فهذه المدينة الحديثة ليست سوى صنم معبود أقامه المكر الشيطاني لصرف الأنظار عن عبادة الله"

أي نقمة على التطور والمدنية هذه أو لعلها نقمة على الحياة بصورة عامة وإلا كيف يوفق أمير آخر الزمان بين ما أورده في مخطوطه وبين قول الله سبحانه وتعالى " ولا تنسى نصيبك من الدنيا" صدق الله العظيم.

ولكنها الأصوات المحمومة التي تشدنا إلى الوراء دائما متخذة للإسلام مطية والإسلام اجل و أسمى من ذلك وهو منها بريء. إن الفكر المريض الذي تتباه هذه الجماعات وما افرزه على الساحة من إرهاب يدل بدون أدنى شك على إفلاس المشروع الذي تتباه هذه الجماعات هذا إن كان لها مشروع أصلا. بل ويظهر ما يعتريها من خواء فكري.

انظر أيضاً لما كتبه أمير آخر الزمان في التوسمات في الصفحة 3 "لابد من سلوك طريق النبي وأصحابه شبرا بشبر، وذراعاً بذراع" وهذا كلام جميل لا يختلف عليه اثنان من المسلمين. ولكن لنسأله كيف يكون الاقتداء فنرى الرد في الصفحة 25 "فالعلم الحديث فتنة فالله سبحانه يقول "وما خلقت الأنس والجن إلا ليعبدون" ومن ثم فإن كل ذرة تعلم يقصد بها غير هذه الغاية أي العبادة هي ذرة خارجة عن العبودية مضافة إلى التأله في الأرض بغير الحق، فلأمه الإسلامية أمة أمية، قال رسول الله: نحن أمة أمية لا تقرأ ولا تحسب، خير أمة أخرجت للناس أمة أمية. ونحن كذلك لا نقرأ ولا نحسب إلا بقدر الحاجة"

وهل هناك تأله في الأرض بالحق وتأله بغير الحق؟

أين قول الله سبحانه وتعالى " اقرأ بسم برك الذي خلق" صدق الله العظيم. وأين قول الرسول الأعظم (ص) " اطلب العلم من المهد إلى اللحد" وقوله (ص) " اطلبوا العلم ولو في الصين".

فهل بعد كل هذا مازلنا نرى أن هذه الجماعات الإرهابية حامية حمى الإسلام وأنها المدافعة عنه ضد الكفار والمنافقين. هل مازال أبن لادن أسد الله وهل مازال الملا عمر أمير المؤمنين؟

هل مازال الزرقاوي مجاهداً يذود عن الإسلام و أهله بقطع الرؤوس وبقتل المسلمين قبل غيرهم؟

مع مرارة كل ما تقدم يبقى الأدهى و الأمر حالة الجهل التي تسود الشارع الإسلامي والتي جعلته لقمة سائغة لهذه الأفكار الموبوءة. وجعلته ينظر إلى هؤلاء على انهم هم المخلصون.

كيف لا وهم بيدهم الجنة والنار فيدخلون من يشاءون الجنة ويبعثون من يريدون إلى النار وباس القرار. ربما هذا هو التأله في الأرض بالحق الذي يقصده أمير آخر الزمان والذي يقف في وجه التأله في الأرض بغير الحق كما جاء في التوسمات. فيكون هناك تألهين كل تأله في فسطاط كما يقسمه ايمن الظواهري عندما قال " انقسم العالم إلى فسطاطين فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر.

جل ربي وعلى عن ذلك علواً كبيراً واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بعثه رحمة للعالمين نذيراً وبشيراً.

مشاري محمد – كاتب وأكاديمي سعودي