يصاب البعض بالصدمة والدوارعند مشاهدته او سماعه لما تتناقلها الانباء عبر الصحف والفضائيات او عبر مواقع الانترنيت من الاعمال الاجرامية الهمجية التي ترتكب من قبل البلطجية والجزارين الذين يمثلون الحركات السلفية الاصولية الاسلامية في وحل المستنقع العراقي، وذلك في اقدامهم على ذبح الابرياء من العمال البسطاء ذبح الشياه. ولكن لو التفتنا الى الواقع الذي افرز مثل هؤلاء القتلة الذين لايمتون الى الانسانية بصلة، للمسنا كونها حالة امتداد طبيعي لثقافة العنف التي دأب عليها النظام البعثي المنهار في العراق والمتمثل برئيس النظام وقائد الحملة الايمانية عبدالله المؤمن "صدام حسين" بطل الانفالات والمقابر الجماعية قبل هزيمته واختفاءه في جحور الجرزان ومن ثم استسلامه للنهاية المخزية. ولقد تخرّجت من مدرسة البعث الفاشي ووفق تعاليم الدكتاتور المهزوم الالاف من الجلادين والقتلة والمارقين من جلاوزة الامن والمخابرات ومليشيات فدائيي صدام وجيش القدس وقيادات الجيش الشعبي والحرس الجمهوري، التي كانت تشهد على اعمالهم الاجرامية بحق المعارضين للنظام الفاشي البائد، المئات من اقبية المعتقلات والسجون والهيئات التحقيقية الخاصة ومقرات البعث وقيادات الجيش الشعبي في كل بقعة من ارض العراق. ان رحيل نظام الطاغية افسد الوضع على هؤلاء الساديين الذين كانوا يتلذذون بمشاهدات الدم والموت وممارسة صنوف التعذيب بحق ضحاياهم، وها هم يمارسون هواياتهم المفضلة بحق الابرياء ويعيثون في ارض العراق فسادا وخرابا ولا يطيقون رؤية عراق جديد خال من حمامات الدم ورأوا من قوى الظلام وعصابات الاصوليين الذين لا يطيقون اشراقة شمس الحرية في بلد عانى من الدكتاتورية على مرعقود، خير حليف وانظموا اليهم بغية ممارسة اعمالهم السادية.

كان قادة الحركات السلفية والظلاميين يباركون صداما وبدون اي استحياء ويعتبرونه مجاهدا عظيما، ويغضون الطرف عن كل الجرائم الوحشية التي كان يرتكبها خلال تسلطه لاكثر من ثلاثة عقود. من ابرز هؤلاء القادة الاسلاميين عباس مدني من الجزائر وراشد الغنوشي من تونس والشخصيات الاسلامية في الاردن وسوريا ومصر واليمن الذين لم يتوانو من ابداء الدعم والمساندة لصدام ولم يدخروا جهدا لتبرير جرائمه الوحشية بحق الملايين من الشعب العراقي بما فيها جرائم الابادة الجماعية في مذابح الانفال و القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة الكردية.

في هذه الايام بينما تشهد العالم تلك الجرائم الشنيعة في ذبح الابرياء من العمال المساكين الذين اضطرتهم ظروف المعيشة الى بيع حاجيات اطفالهم لتوفير مصاريف السفر الى العراق لاجل كسب لقمة العيش، ويتظاهرون ضد قرارات حكوماتهم بمنعهم من السفر ويفضلون المخاطرة بحياتهم على رؤية اطفالهم وهم يتضورون جوعا. بينما علماء المسلمين وائمة الجمعة والجماعة وخطباء الجوامع الذين لا تفوتهم فرصة في مدح الحكام والامراء واصحاب الجاه والمال والذين يتسارعون الى اصدار الفتاوي كما يحلو لهم وفي مقدمتهم شيخهم يوسف القرضاوي، يتفرجون على تلك الجرائم الوحشية وهم يلتزمون الصمت المطبق ولا تصدر منهم اصوات استنكار ونداءات تدعو الى وقف تلك الاعمال البربرية، في حين تتسع دائرة جرائم الذبح الوحشي والقتل الجماعي للعمال البسطاء يوما بعد يوم، فكانت البداية احراق جثث الامريكان الاربعة في الفلوجة قلعة الاصوليين والرفاق البعثيين ورجال الامن والمخابرات، ومن ثم ذبح الرهينة الامريكي وبعد ذلك جاء ذبح العامل الكوري وقتل الصحفي الايطالي والسواق الاتراك والاعدام الجماعي للعمال النيباليين وذبح احدهم وكل هذه الجرائم تنفذ باطلاق نداءات الله اكبر وتلاوة ايات قرانية، فأي دين هذا يقبل بكل هذه الوحشية بحق السماء. اين الضمير الانساني من تلك الجرائم، الى متى يتم تبرير تلك الجرائم وتعلق تلك الممارسات اللاانسانية على شماعة الاحتلال. هل ان احد من هؤلاء الضحايا المذبوحين ينتسب الى آل بوش او يمت بصلة قرابة الى توني بلير. اين كانت تلك الاصوات النشاز التي تزعق ليل نهار باسم الاسلام وتحيل نهار العراق والعراقيين الى ليل حالك، عندما كان الامريكان يمدّون نظام صدام بكل صنوف الاسلحة وادوات القتل والدمار لادامة قادسيته السوداء مع ايران خلال اعوام الثمانينات.

أن ما نراها اليوم ونلمسها ظاهرة يجب التصدي لها بكل قوة وينبغي العمل المتواصل والتكاتف الجماعي من اجل وضع حد لها، حيث ان تلك الجرائم سوف تتفشى وتخلق جيلا مريضا ومتعطشا للجرائم اذا ما اريد لها الاستمرار وانها حقا صراع وصدام بين الاصوليات الدينية وهمجية العولمة الرأسمالية. ولابد ان تتوقف تلك الاعمال البربرية حيث ان العنف لا يوّلد الاّ العنف.

سيدني
[email protected]