وصلني العديد من الرسائل المهنئة والمباركة للاختراع العربي المذهل (الحمار العربي الطائر) الذي يعد آخر اختراعات العقل العربي المبدع. بل أن البعض يتساءل عن مواعيد الرحلات القادمة على خطوط الحمار العربي، والبعض الآخر يتمنى أن تتطور صناعة الحمار العربي الطائر كي يتمكن العرب من غزو الفضاء الخارجي على ظهر الحمار المطور. وهناك من يستعجل الذهاب إلى زحل والمريخ وبقية الكواكب الأخرى قبل أن يهبط فضائي أمريكي على سطح أحد تلك الكواكب. ويتمنون أن يسجل وصول أول فضائي إلى تلك الكواكب باسم الحمار العربي الطائر.

وهناك من يشكك في حقيقة الحمار العربي الطائر ويتهمني بالسخرية من الواقع العربي المتخلف مستدلين على تخلف الإنسان العربي في مجال الاختراع والإبداع، بصواريخ الناصر والقاهر التي أعلن عن صناعتها في عهد جمال عبد الناصر وانكشفت حقيقة تلك الصواريخ عندما هاجمت إسرائيل المطارات المصرية وأتضح أنها مجرد أخشاب مصبوغة للتهويش والتخويف على شكل صواريخ ضخمة. كما لا يزالون يتذكرون صواريخ صدام حسين "الحسين " و " العباس " وغيرها، والتي لم تكن سوى صواريخ سكود السوفيتية القديمة والمطورة بشكل متخلف لم تستطع الصمود أمام صواريخ الباتريوت الأمريكية مما جعلها تتساقط على رعاة الغنم وبيوت الصفيح لتقتل عنزا هنا وبعيرا هناك. وأذكر انه في الثمانينات الميلادية تم نشر صورة لصاروخ عراقي يحمل قمرا صناعيا تم ارساله إلى الفضاء وحتى يومنا هذا لم يعد ذلك الصاروخ العراقي من رحلته لأنه لم يكن سوى كذبة تم صناعتها في خيال النظام الذي يتعامل مع الناس وكأنهم مجرد قطيع من الغنم، وعندما حانت ساعة الحقيقة، فإذا بالذي أعلن امتلاكه للصواريخ المصنعة محليا يسقط في اسبوعين دون أن يطلق صاروخا واحدا، لكنه اتضح أن الناس ليسوا أغبياء كما يظن الدكتاتور، فتركوه يواجه مصيره في حفرته الشهيرة.

الحمار العربي الطائر : مشروع إنجاز عربي قادم، وسوف يكون مصدر انتباه العالم في كل مكان في القرن الواحد والعشرين، وهو لم يتم إنجازه من فراغ وإنما بعد قرون طويلة من النضال العلمي والفكري والمعرفي والحضاري والإنساني. وقد عوضوا ذلك الفشل الكبير في عدم تمكنهم من تطوير أول إنسان طائر " عباس بن فرناس " وإرساله محلقا في السماء، بتطوير الحمار الطائر، مما يدل على أن الحمار عند العرب لا يقل أهمية من الإنسان العربي وأنه لافرق عندهم بين عباس بن فرناس وبين الحمار سوى في الجهاز الذي وضعوه في جمجمة الحمار، فطار الحمار وبقي الإنسان العربي على الأرض، ينتظر من الحمار أن يطير به إلى أجواء حضارية أرقى وأحسن من واقع العرب المليء بالصراعات الكثيرة.

الحمار العربي الطائر : نتيجة طبيعية للمدرسة العربية، والجامعة العربية، والفكر العربي المزدهر وسط بيئة يكثر فيها النهيق ويقل التغريد، ويمارس فيها الرفس الرومانسي ضد كل شيء لا يتوافق مع الذهنية العربية.

وهناك من يسألني فيقول : وهل العقل العربي الذي أبدع ذلك الإنجاز الطائر مسيحي أم مسلم؟!

وإذا كان مسلما فهل هو سني أم شيعي؟!

ومن خلال معرفتي بخفايا الإنجاز أن الحمار العربي الطائر كان إنجازا عربيا مشتركا قام بإبداعه كل العرب بمختلف دياناتهم و طوائفهم بحيث يستطيع المرء أن يلحظ ذلك الإنجاز المشترك إلى درجة تجعل المراقب يعتقد أحيانا انه إنجاز مسيحي وأحيانا أخرى وكأنه إنجاز إسلامي سني أو شيعي.

لكن الطريف في الأمر أن طفلا سألني قائلا : إذا كان الإنجاز العربي الذي حول الحمار العربي من حمار أبله إلى كائن يطير هو إنجاز عربي مشترك " مسيحي إسلامي سني شيعي " فما هو مذهب الحمار؟!

حينها ضحكت من كل قلبي وقلت له :

يا حبيبي... الحمار غير طائفي بالرغم من أنه لا يفكر.

فأحرجني مرة أخرى وقال : إذا كان الحمار الذي لا يفكر غير طائفي فكيف يكون الإنسان العربي طائفيا وقد أعطاه الله عقلا؟!

كيف ينتمي العربي إلى طائفته ويكره ماعداها.. لتصبح الطائفة وطنا والوطن طائفة؟!

ثم قال : أيفكر الحمار أحسن من الإنسان العربي؟!

وعندما أثار غضبي رفعت صوتي قائلا :

الطائفي الذي يتعامل مع الناس والحياة والوطن بذهنية طائفية أكبر حمار... بل انه أحمر من الحمار!

حينها تذكر الطفل صورة لرجل رآه الطفل يوما ينظـّـر عبر شاشة التلفزيون بفكر طائفي ثم ذهب مسرعا ليحضر صورته قائلا لي : أتعرف هذا الحمار؟!

ثم قال : لماذا لا تصنعوا له عقلا كي يطير؟!

وعندما أحرجني قلت له : يا حبيبي... هذا المخلوق من المستحيل أن يطير.... لأنه لايروم إلا القاع.. حتى لو وضعنا في جمجمته عقل اينشتاين..!!

سالم اليامي [email protected]