كان الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب السوري بتاريخ 5 آذار الحالي هو الثالث له أمام هذا المجلس منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، فقد كان الخطاب الأول عند تأديته اليمين القانونية في 17 تموز عام 2000، أما الخطاب الثاني فقد كان عند افتتاح الدور التشريعي الحالي، وهو خطاب مؤلف من (5462) كلمة شكل موضوع لبنان القسم الأكبر منه حيث خصص الرئيس مساحة تبلغ ثلثي هذا الخطاب لمعالجة هذا الموضوع.‏ ‏
لعل أول ما يلفت الانتباه في هذا الخطاب هو الأثر النفسي الذي حاول تركه، والرسالة التي حاول أن ينقلها، بأن هذه قيادة متواصلة مع الشعب، وهي ليست «الشقيق الأكبر» الذي يجب أن تترك له جميع الأمور فيما ينصرف الناس إلى متابعة حياتهم اليومية تاركين لها اتخاذ جميع القرارات التي تتحكم بمصيرهم، بل هي قيادة منبثقة من الشعب، تتخذ قراراتها من رغبات هذا الشعب، وتعود إليه عند اشتداد الأمور لتشرح له الأوضاع وتوضح له القرارات والمواقف، ولعل الرئيس بشار قد عبر عن طبيعة العلاقة التي يريدها بين الدولة التي يترأسها والشعب بقوله لممثلي الشعب السوري المنتخب في مستهل خطابه: ‏ ‏
«ولعل لقائي بكم اليوم في هذا الظرف الذي نمر فيه ينبعث من حرصي على أن تكونوا في صورة التطورات الأخيرة وعلى أن تطلعوا بصورة مباشرة على موقع بلدكم منه وعلى رغبتي في أن أقدم لكم إجابة عن تساؤلات عديدة تدور في أذهانكم وفاء لهذه العلاقة الحميمة الشفافة معكم وتوكيداً على حقيقة أساسية هي أن ما نقوم به من أعمال وما نتخذه من مواقف أنتم مصدر إلهامنا الأساسي فيه.»‏ ‏
هذا النوع من العلاقات التي طالما أكد رئيسنا أنه يؤمن بها والذي وعد بها بالمحافظة عليها بعد تسلمه السلطة، بالقول بعد استلامه سدة الحكم مباشرة عندما وعد بأنه سيبقى الشخص الذي عرفه وأحبه الشعب السوري قبل استلامه للسلطة، هذا ما عبرت عنه زياراته الميدانية العديدة وتجوله الدائم في المشافي والمشاريع والمرافق الاقتصادية في المحافظات والمدن السورية خلال السنوات الخمسة الماضية.‏ ‏
لقد كانت الرسالة الرئيسية التي حملها هذا الخطاب بأن القرارات المصيرية والاستراتيجية التي ستتخذها هذه القيادة لن تحمل شكل مراسيم أو أوامر تنفيذية، ولن تكون على شكل رسائل للأطراف المعنية، هذه القرارات ستكون من على منبر مجلس الشعب (البرلمان) وأمام ممثليه المنتخبين، وبعد شرح واف لكل الظروف والملابسات التي أدت إلى هذه القرارات.‏ ‏
كما يبرز في الخطاب مدى تطور العمق والتحليل السياسي عند الرئيس الأسد خلال سنوات حكمه، فلطالما عبر العديد من المحللين والمراقبين السياسيين عن تعاطفهم مع قائد إزاء التحديات الصعبة التي تواجهه.‏ ‏
فأن تصبح قائداً لبلد مثل سورية مع ما تحمله من وزن إقليمي وعربي وعالمي، كمهد للحركة القومية العربية، وحاملة للواء حضارة الانفتاح والتعايش والتسامح، ولاعب أساسي في سياسة واستقرار ونهضة المنطقة، هو عبء كبير.‏ ‏
وأن تكون قائداً يواجه زلزالاً سياسياً مدمراً بعد أشهر قليلة من توليه السلطة مثل الحادي عشر من أيلول، وتداعياته في الحرب على الإرهاب والحرب على العراق، هو عبء كبير.‏ ‏
وأن تكون قائداً في أمة مستهدفة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً كالأمة العربية، تحاول تطوير مجتمعها والنهوض باقتصادها وتحاول دحض عوامل ضعفها وانقسامها وفرقتها التي تسعى إلى هزيمتها وإلغاءها، هو عبء كبير.‏ ‏
لكن الرئيس بشار أظهر في خطابه مدى الوعي السياسي العالي، وعن مدى قدرته لتحمل هذه المسؤوليات الجسام التي ألقيت على عاتقه، عبر الصيغة التي طرحها كناظم لاتخاذ القرارات السياسية الاستراتيجية، هذه المعادلة التي تعتمد على مبدأ عدم التنازل وعدم التصلب أيضاً.‏ ‏
هذه المعادلة التي تحمل طرفين الأول تحديد الأولويات في السياسة السورية، وهي المحافظة على الهوية العربية لسورية، المحافظة على السيادة الكاملة لسورية وعدم رهن القرار السياسي السوري للخارج.‏ ‏
الطرف الثاني هو الانفتاح على الآخر، ومحاولة الوصول إلى الحلول الخلاقة التي لا تمس الأولويات، وفهم حقيقة أن السياسة هي فن الممكن، فالسياسة السورية الجديدة تسعى للحصول على أقصى ما هو ممكن دون التنازل عن الأولويات ضمن الظروف الدولية الحالية، والسعي للحصول على ما هو مأمول عبر متابعة تغير هذه الظروف، هي السياسة الواقعية مع التأكيد على الثوابت.‏ ‏
هذه المعادلة التي وصفها الرئيس بشار الأسد بقوله:‏ ‏
وفي هذا الإطار يمكن التأكيد على أن نهجنا السياسي ومواقفنا من الأحداث وتطوراتها يقوم على قاعدتين أساسيتين:‏ ‏
الأولى حماية مصالحنا الوطنية والقومية من خلال التمسك بهويتنا واستقلالنا ووفائنا لمبادئنا وقناعاتنا وكذلك توفير الظروف الملائمة لصيانة استقرارنا السياسي والاجتماعي باعتباره جزءا من استقرار المنطقة ككل وتكريس ذلك لاستعادة أراضينا المحتلة.‏ ‏
الثانية حرصنا في إطار العمل على تحقيق المسائل آنفة الذكر على التعامل مع الأطراف المعنية بعقل مفتوح بعيدا عن الأحكام المسبقة وبقدر كبير من الواقعية والمرونة والمسؤولية مدركين طبيعة الظروف الدولية الراهنة خاصة في السنوات الأخيرة ومعادلة الممكن والمأمول في سياق كل ذلك أي التمسك بالحقوق وفي نفس الوقت التعامل بواقعية مع التحديات والتطورات الطارئة.‏ ‏
هذا النهج الذي طبقة الرئيس في السنوات الماضية والذي آتى ثماره، فعلى صعيد الجارة تركيا، حقق الرئيس بشار الأسد ما يشبه المعجزة السياسية بإعادة العلاقات السورية التركية إلى سياقها الطبيعي - إثر زيارته العام الماضي إلى أنقرة – هذه العلاقة التي شابها الكثير من التوتر منذ إنشاء الجمهورية التركية واستقلال سورية والتي عانت من العديد من الأزمات الباردة والمتفجرة والتي أوصلت البلدين إلى حافة الصراع المسلح، لتصبح علاقة ودية وطبيعية بين جارين تربطهما علاقات حسن الجوار والروابط البشرية والإنسانية والمصالح المشتركة، بعد أن راهن العديد على أن العلاقات السورية التركية ستبقى متوترة لعديد من العقود القادمة.‏ ‏
وعلى صعيد أوروبا الذي زار الرئيس الأسد العديد من بلدانها (إسبانيا - ألمانيا - فرنسا بريطانيا – اليونان – الفاتيكان) حيث نجحت هذه الزيارات بتعزيز العلاقات السورية الأوروبية والتي بلغت مستوى جديد بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة السورية الأوربية.‏ ‏
وعلى صعيد روسيا حيث نجح الرئيس الأسد خلال زيارته إلى موسكو مطلع هذا العام إلى حل جميع المشكلات العالقة والتي نتجت عن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وفتح آفاق جديدة للعلاقة السورية الروسية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزيارة التي قام بها سيادته إلى الصين، ناهيك عن الزيارات والاتصالات العديدة والمتبادلة مع الدول العربية.‏ ‏
ونأتي الآن إلى الموضوع الأساسي لهذا الخطاب التاريخي، ألا وهو الوضع اللبناني الحالي، ومستقبل العلاقات السورية اللبنانية.‏ ‏
لم يشكل قرار الرئيس بشار سحب القوات السورية من لبنان مفاجأة، فالعديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية أشارت إلى أنه سيعلن عن ذلك في خطابه، لكن المهم هو الطريقة التي تم الإعلان بها عن ذلك.‏ ‏
فكما أكد الرئيس لم يكن هذا الانسحاب نتيجة للضغط الدولي كما أراد البعض تصويره، فلو كان هذا الانسحاب نتيجة للضغط الدولي المتمثل بالقرار 1559 فعلاً، لكان من الأجدى بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تعلن عزم سورية على تنفيذ نصيبها من هذا القرار وسحب قواتها، وبذلك ينتهي هذا الضغط الدولي.‏ ‏
لكن هذا الانسحاب من وجهة نظر الرئيس الأسد يتعلق بعوامل أخرى هي مصلحة اللبنانيين أولاً فدخول القوات السورية جاء لمصلحة لبنان وكذلك يجب أن يكون سحبها حيث قال في خطابه: «لا يجوز أن تكون سورية في لبنان موضع خلاف أو انقسام لان سورية دخلت لمنع التقسيم فلا يجوز أن تكون هي موضع انقسام اللبنانيين».‏ ‏
والثاني هو مصلحة سورية فالانسحاب بعد نجاح القوات السورية في تأدية مهمتها التي دخلت من أجلها يعزز الدور السوري في لبنان، هذا الدور الذي لعبته سورية تاريخياً منذ الاستقلال وقبل دخول قواتها إلى لبنان بسنوات طويلة، هذا الدور الذي فرضتها حقائق الأخوة والتاريخ والجغرافيا والعلاقات الإنسانية، وهو دور كان ويجب أن يبقى ذا اتجاهين، فكما أن لسورية دوراً تلعبه في لبنان فإن للبنان دوراً يجب أن يلعبه لدى سورية، كضامن لأمنها وقوتها وازدهارها والعيش المشترك لأبنائها.‏ ‏
لذا فإن سحب القوات السورية التي أدت المهمة الموكلة إليها بنجاح، بعد العديد من التضحيات بالدم الذي نزفته هذه القوات في التصدي للاعتداء على وجود لبنان ومنع جنون التقسيم والإلغاء في السبعينات، ومن الغزو الخارجي في الثمانينات ينزع الأداة التي يستخدمها الآخرون لتشويه طبيعة هذه العلاقة.‏ ‏
ولا تزال ذكرى الشهداء الذين سقطوا في صفوفها في معارك السلطان يعقوب عين دارة وعين زحلتا، وبطولات الجيش السوري الذي شارك أبناء بيروت الصامدين في دفاعهم البطولي ضد الحصار الإسرائيلي، حية في قلوب أبناءهم وشعب البلدين.‏ ‏
أما العامل الثالث فهو الرغبة الجماهيرية في صفوف الشعب السوري بعودة أبنائه المرابطين في لبنان إلى أرض الوطن وقد أدوا مهمتهم بشرف « الرغبة الجماهيرية التي أراها الآن وأنا في الحقيقة تأخرت في هذا الخطاب بشكل مقصود كان لابد من رصد الأحداث ومن رصد تساؤلات الناس ومن رصد رغبات الناس الآن أرى إجماعا حول هذه النقطة»، ولعلها كانت العامل الأساسي في توقيت هذا الانسحاب.‏ ‏
وسرعان ما قابلت الجماهير السورية خطاب قائدها لها بالنخوة المعروفة عنها، فنزلت إلى الشوارع في مسيرة تأييد دعت إليها الفاعليات السورية يوم الأربعاء 9 أذار تأييداً للقرار الذي جاء نزولاً عند رغبتها.‏ ‏
إن الخوف من أن يتحول الدس والافتراء الذي يمارس حول وجود القوات السورية في لبنان، وتشويه صورة المقاتل السوري في لبنان من دعامة لأمن وسلامة لبنان إلى محتل، وإلى عامل فتنة بين الشعبين اللبناني والسوري الشقيقين، هو الذي دفع السيد الرئيس إلى إعلان انسحاب القوات السورية في هذه المرحلة، وقد حاول السيد الرئيس إحباط مشاريع هذه الفتنة حين خاطب الشعب السوري قائلاً: «وأوجه كلمة لكل مواطن ولكل مواطنة سورية أن ما تشعرون به من مشاعر الخيبة تجاه النكران والغدر وعدم الوفاء فيما قدمته سورية للبنان هو لا يمثل الحالة اللبنانية هو يمثل مجموعات كلنا نعرف من هي هذه المجموعات ومن هو خلفها... فأرجو منكم أن لا نؤخذ ببعض ردود الأفعال التي برزت في أوقات معينة والتي كان معظمها مخططا بصورة مسبقة فقلب سورية الذي أعطى لبنان دما لا يمكن أن تمسه بعض الإساءات».‏ ‏
إن المطلب الخارجي أن يكون هناك خلل في العلاقات السورية اللبنانية، وأن تخلق فتنة بين الشعبين الشقيقين في البلدين، تسهيلاً لتمرير المخططات المشبوهة في المنطقة، عبر ضرب الشعبين الذان قادا عبر التاريخ حركة التحرر والنهضة العربية بعضها ببعض.‏ ‏
وقد أثبت الرئيس مرة أخرى أنه رجل قول وفعل، وما اجتماع المجلس الأعلى السوري اللبناني بعد أيام قليلة من الخطاب، والإعلان في ذلك الاجتماع بأن القوات السورية ستنسحب إلى الخط الذي حدده اتفاق الطائف قبل نهاية شهر آذار كمرحلة أولى لانسحابها النهائي، ما هو إلا دليل جديد على هذا الأمر، وعلى إيمانه بشكل مطلق بعمل المؤسسات بين البلدين.‏ ‏
والنقطة الرابعة هي جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري، فالرئيس بشار جدد في خطابه شجبه لهذه الجريمة، هذا الشجب الذي صدر عنه منذ الساعات الأولى التي تلت التفجير حيث صرح بأنه جريمة مدانة نكراء، وطالب بالكشف عن الجناة ومن يقف خلفهم لما فيه مصلحة لبنان وسورية.‏ ‏
فسورية التي وجهت إليها من قبل البعض أصابع الاتهام في هذه الجريمة بشكل مابقصد وتعامٍ عن حقائق التاريخ والسياسة التي تضعها في قائمة المتضررين من هذه الجريمة، هي صاحبة مصلحة - كما هو لبنان تماماً – في الكشف عن الفاعلين، وهم المستفيدون من اغتيال شخصية وطنية بارزة مثل الشهيد رفيق الحريري، لما كان يمثله من عقبة أمام الخطط الرامية لضرب وحدة لبنان واستقراره ومتانة علاقته الطبيعية مع سورية.‏ ‏
أما النقطة الخامسة فهي الرهان السوري في لبنان «فالمواطن اللبناني كان على مدى العقود السابقة الداعم الفعلي للدور السوري في لبنان» كما قال الرئيس الأسد في خطابه وليس «تجار المواقف السياسية» الذين أطلقوا على أنفسهم لقب «حلفاء سورية» ونصبوا أنفسهم أمناء على سياستها التي هي في حقيقة الأمر سياستهم، بدليل أنه ما أن أكدت سورية على موقفها الثابت بأن لبنان هو دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وليست بازاراً سياسياً للقوى المحلية والخارجية، قلبوا لها ظهر المجن.‏ ‏
فالرئيس الأسد خاطب المواطن اللبناني العادي عندما حذر من «اتفاق 17 أيار جديد»، المواطن العادي الذي لم يرفض الوجود السوري بل رفض الهيمنة التي مارستها بعض الأطراف اللبنانية باسم سورية وسورية منها براء، ولم يرفض السياسية السورية بل رفض الممارسات الخاطئة التي مورست والتي أشار إليها الرئيس بشار الأسد وشجبها في خطابه.‏ ‏
هذا المواطن هو الذي أسقط اتفاق الإذعان 17 أيار 1983، وهو القوة التي تراهن عليها سورية اليوم لإسقاط أي اتفاق آخر قد يحاول البعض فرضه على لبنان ضد مصلحته الوطنية وضد المصلحة القومية للعرب.‏ ‏
وهذا المواطن هو الذي أثبت للعالم أن الرهان السوري عليه هو رهان ناجح، فالجماهير اللبنانية الحاشدة التي خرجت إلى الشوارع في بيروت في مسيرة الشكر والوفاء والتي دعت إليها الأحزاب والهيئات اللبنانية وفي مقدمتها قائد المقاومة اللبنانية المنتصرة سيد حسن نصر الله، في بيروت يوم الثلاثاء ‏8‏ ‏آذار‏ هي أكبر دليل على نجاح هذا الرهان.‏ ‏
إن خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب لم يكن مجرد بيان سياسي لأعمال الدولة والحكومة، بل كان مصارحة ومكاشفة بين قائد وشعبه، تمت بموضوعية وشفافية عالية، ظهرت واضحة في الفقرات الطويلة المرتجلة التي ألقاها الرئيس بشار خلال خطابه، وإشارته إلى وقوع بعض السلبيات خلال المشوار الطويل الذي قطعه السوريون واللبنانيون معاً للوصول إلى لبنان واحد مستقر وآمن.‏ ‏
إن التطرق للعديد من الوقائع والتفاصيل في اللقاءات التي تمت بينه وبين الموفدين الأجانب إلى سورية، هذه التفاصيل التي تكون عادة خافية عن المواطن العادي، والتي تعرضت إلى الكثير من التشويه عبر وسائل الإعلام العالمية، والتي مست العديد من المواضيع إلى جانب الشأن اللبناني، مثل الوضع في العراق وحقيقة الموقف السوري الداعم لوحدة واستقرار العراق وحرية شعبه من التسلط والاحتلال، بالإضافة إلى فلسطين والرغبة السورية في الوصول إلى السلام مقابل التقاعس الأمريكي والتهرب الإسرائيلي، تمثل إيمان الرئيس السوري بالشفافية وضرورة ممارستها بين القيادة والشعب.‏ ‏
ولعل آخر نقطة تلفت الانتباه في الخطاب هي إشارة الرئيس إلى الوضع الداخلي السوري، فالقيادة السورية تسعى دائماً لتحسين أدائها التنموي والإصلاحي، وأي تباطؤ في هذه العملية لا يمكن أن تحصر أسبابه بالانشغال في الوضع الإقليمي والدولي الضاغط، ولكن بحسب الرئيس الأسد إلى ما تخلقه التشابكات الدولية «من توتر في المناخ العام وهو ما يؤدى إلى إعاقة ما نطمح إلى القيام به على المستويات المختلفة»، إن الوعد الذي ختم به الرئيس بشار خطابه بعقد مؤتمر قطري لحزب البعث في سورية خلال هذا العام، تتحقق من خلاله القفزة الكبيرة نحو الإصلاح في هذا البلد، لهو دليل على أن الانشغال بالسياسة الخارجية لا يعني على الإطلاق تعليق تطوير الوضع الداخلي.‏ ‏
هذه هي المعاني التي فهمناها من خطاب الرئيس بشار الأسد، وهذه هي حقيقة القرار السوري بسحب القوات المنتشرة في لبنان، كما نراه، وهذه هي حقيقة التوقيت لهذا الانسحاب، وكل التصريحات التي تصدر لاحقاً عن أمر معلن مسبقاً، على شاكلة الطلب من الرئيسين السوري واللبناني وضع جدول لانسحاب القوات السورية من لبنان، بعد الإعلان أن الهدف من هذا الاجتماع هو وضع جدول للانسحاب، هو تشويه لهذه الحقيقة، ووضع الأمر بخارج سياقه الطبيعي.‏ ‏
إن رئيسنا من خلال هذا الخطاب وكل التحركات المحلية والعربية والاتصالات الدولية إنما يسعى ومن جديد لتأسيس علاقة أخوية، شفافة، عميقة، متوازنة، دافئة ومتجذرة بين سورية ولبنان، تؤكد على سيادة واستقلال وعروبة لبنان والمحافظة على السلم الأهلي والمؤسسات الواحدة المتحدة كالجيش والبرلمان وكافة المرافق اللبنانية، وعلى النظام اللبناني الديمقراطي الذي ترى فيه سورية سنداً لها.‏ ‏
إن التأسيس لعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية وعلى كافة الصعد بين سورية ولبنان وعلى أساس الاحترام المتبادل والمصلحة العليا سيعطي قوة للبلدين.. نأمل أن تقوى وتتعمق وتتطور.‏ ‏

مازن يوسف صباغ
مستشار وزير الاعلام السوري
‏ ‏