على استحياء وقلق يعقد هذه الأيام مهرجان المربد في مدينة البصرة؛ الاستحياء في اسم اقترن وبامتياز هائل بتقاليد الديكتاتور الفنية والأدبية لأكثر من ثلاثين عام.. أما القلق؛ فمختصر بما يحمله جو العراق من رعب وفوضى ستكون فيها مغامرة كلّ الملتقيات الفنية والأدبية. الملتقى الشعري البصري الجديد حمل أسمه القديم" المربد" وهو ألم يكرر لوعتنا في العلم العراقي الذي لازال الى الآن يحمل ألوان حزب البعث..مغيّبة فيه رموز الحضارة والفن العراقي.
ألم تكرّر في نشيدنا الوطني،حيث نتذكر في تفاصيله غياب المبدع العراقي لحنا وكلمات..ثمة ما يغيب او يغيّّّب في المربد،بقصد او دونما قصد ربما..
هذه المرّة الخامسة التي أكتب فيها عن الاحتفال السنوي،و لي مقالات منشورة في الصحف العراقية"المعارضة" منذ سنة 2000.. حيث ضمّنت في أحد كتاباتي فقرات من مقال للكاتب ياسر عبد الحافظ نشرته مجلة أخبار الأدب المصرية في عددها 378... لسنة 2000.
كان الكاتب من بين عرب قلائل حضروا المهرجان ليكتبوا عن بعض تفاصيل الرعب الصدامي( ربما لم يكتب كثيرا) لكنه وجد ما يشفع له مبررا أمام السائلين عن ذهابه الى بغداد..فمجرد حضور أديب او كاتب عربي كان يعني انتصارا للقيادة العراقية،لا يعنيها منه غير الاسم ولا يعنيه هو منها غير حفنة من الدولارات.. يوزعها وزير الثقافة العراقية لطيف نصيف جاسم"وزير الشعراء"..هكذا اسماه الشاعر الفلسطيني محمود درويش وهو يستلم هدية الرئيس منه..
طيلة عقود بقي الشعراء العرب وبعض المنتفعين من شعراء العراق يترقبون بصبر كبير أيام المربد،وهي لبعضهم موسم خير وفير سيعود منه بمغانم كبيرة،لكنه لم يكن مكسبا الا لقلة من شعراء البلاط الديكتاتوري،حيث يكون موسما لتكاثرهم في أروقة المديح والتزلف..
في مهرجان سنة الديكتاتور الأخيرة أفتتح "المثقف" طارق عزيز في كلمة لا تليق بمهرجان شعري-نصا ومضمونا-فعاليات المربد الصدامي الأخير..فكان الشعار ذاته شعار كل سنة؛لماضينا نغني..لمستقبلنا ننشد الكلمة..ولم يكن الماضي غير مديح قومي مكرّر..والأغاني سوى تمجيد لقائد ضرورة يطلقها شعب- سيقال عن استخذائه وخنوعه عندما يعود كل ذي غنيمة الى جهته العربية ليحاور مثقفين هناك.
وسيقف الشاعر"السلطوي"عبد الرزاق عبد الواحد ليصرخ بمجد العرب في زمن "أبو الليثين".. وسيقترح شويعر أفّاق على المرتبدين التوقع بالدم لمبايعة المارد
العربي، والتطوع بجيش القدس..
كل هذه الذاكرة المريرة، على الحاضرين في المربد العراقي الجديد تجاوزها والعبور على ندمها الشاسع.
فهل أفلحوا في السنة الأولى لمربدهم ان ينسوا او يتناسوا؟.
عن مربد السنة الماضية قرأت القليل، وكان أكثر ما شدنّي كتابات عن أيام العسرة في البصرة حيث صادف المربد أيام تمرد وفوضى ومصادمات مع "جيش الصدر"أعاقت الحياة الاعتيادية في تلك المدينة،فما بالك بمهرجان شعري يحتاج فضاء ومتسعا مختلفا؟..
وهكذا مرّ مربد العام الماضي مرورا بائسا في الصحف العراقية..
هذه السنة أيضا سُبقتْ أعمال المهرجان البصري برسالة رعب أخرى من جماعة الصدر كان ضحيتها طلبة أبرياء في جامعة البصرة..
الحديث عنها سيكون حديثا عن تابوات جديدة ورعب آخر وسيافين أشداء لم يختلف سوى زمانهم..
سأتحدث عنهم إذن بعد ان أُحرقتُ السفن ولم يبق من منجى غير الكلمة..فلا حياة لا تسرّ صديقا إذن..
ولا مهرجان للشعر لا يرتفع فيه صوت الحقيقة عاليا.. والشعر الحقيقي الرافض أبدا..
أعلم كم سيعترض من الأصدقاء على كلماتي تلك..وعلى ما يبدو مثاليا فيها..
ليكن..
نعم.. "العدالة متعة الله وحده"... قالها الشاعر الفرنسي آرثر رامبو في موقف يأس مشابه لما ألقى وما أجد الآن.. وأنا اقلب أسماء المدعوين الى المربد.. أسماء عربية وأخرى عراقية، وأسماء أجنبية،وبين من وضع للمجاملة ومن وضع للتزويق ومن زُجّ أسمه على حين غرّة..
أول التعليقات على المربد الجديد قرأتها في موقع ومنتدى "عراقيون"حيث حذف المشرف بعض الأسماء والعبارات. علّق أحدهم: "انه شىء مثير للسخرية: ان تضم القائمة اسما من امثال ( ..... ) بكل مايعرفه الوسط الادبي من دور(وطني)في مهرجان لؤي حقي حسين"مهرجان الامة" وصولا الى غزلياتها بالقائد صدام حسين، والرفيق ( .... ) حامل حقائب "ابو اللول" السيد لؤي اياه لعدة اعوام وكذلك ( ...... ) وبقية رهط جريدة القادسية البطل ك( .....) وسواهم كثيرون في حين يجري- ولا نعرف لصالح من - تجاهل شعراء مثل كمال سبتي وعيسى حسن الياسري وحميد قاسم وفاضل الخياط ودنيا ميخائيل ومحمد مظلوم ورعد مشتت وكاظم جهاد وسواهم كثير..هل يستغفل المشرفون على المهرجان في اتحاد الادباء والوزارة العراقيين؟ ام ان الاستهتار بالشعر العراقي والموقف الوطني بلغ هذا الحد من الانحدار؟؟ "..
وأسال أنا أيضا: حقا لأي صالح يجري تجاهل هذه الأسماء ما دامت الدعوات مجانية ولا تكلّف شيء؟..
أم ان في الأمر غاية لا يعلمها إلا الله والمتربدون؟..
أسئلة لا تجد من إجابة أضيفها الى تساؤلات شخص آخر في المنتدى قال محاورا من سبقه: "ياسيدي لا تستغرب دعوة هذه الأسماء (مع الاحترام لبقية الأسماء المحترمة). فان المدعوين اما مشرفون على مواقع ثقافية او مجلات او دور نشر بالإضافة الى المقربين منهم.ثم ما الحكمة من دعوة هذا الرهط الذي لن يحضر من الشعراء الهولنديين بسبب عدم وجود تامين على الحياة للمسافرين من هولندا للعراق؟ على الشاطر أن يحزر السبب من خلال أخلاق بعض المدعوين من هولندا المعروفين باخطبوطيتهم".
ليضيف لي تساؤلا مريرا عن ورود أسماء ثلاثة عشر شاعرا هولنديا يسبقهم "وكيل وزير الثقافة الهولندي".. هكذا ورد في الدعوة المنشورة دون ذكر أسم لهذه الشخصية،حتى ليبدو ان الأمر مرتجل ومفبرك. ولمن أضاف هذا التعليق حق كبير:"والله صرنا مهزلة
أسماء لشعراء هولنديون شباب ومن مدينة واحدة بعرفهم صاحب الدعوة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
كمال سبتي كاظم جهاد كريم ناصر طارق حربي ناجي رحيم بلقيس حميد حسن وأسماء و أسماء..
ترى لماذا غابوا؟
نريد توضيحا
لماذا التهميش؟".

صاحب التعليق كتب ما كتبه على عجالة ربما،وأكاد أحصي ألمه وهو يصرخ "وأسماء و أسماء .. ترى لم غابوا؟"..
فلحظة يتعلق الأمر بدعوة وكيل وزارة الثقافة الهولندي (لا أعلم ان كان ثمة منصب بهذه المسمى هولنديا) فهو مهم وحرّي بالاعتراض؛ تجاوز الشاعر العراقي كمال سبتي بحنينه و"كآبة عوليس" في عيونه عائدا الى وطن تركه في موقف سياسي نادر،ولا يدعى الى مهرجانه الشعري..والأمر كذلك مع شاعرة عراقية وناشطة في مجال حقوق الإنسان سيكون في دعوتها تكريم لاغترابها الطويل أيضا..هكذا نسيتْ في لاهاي الشاعرة بلقيس حميد حسن..ومن ذا ينسى الشاعر دامع القلب عيسى الياسري ،فما مرّ أسم العراق به الإ وكان ممتزجا بنصيب مدامعه؟ غريبا منزويا في قرية هولندية.. من أهمل اسم فينوس فائق الشاعرة الكردية.. وأسماء وأسماء ..لشعراء في هولندا.. ترى لم غابوا؟"..ولأيما مصلحة غيّبوا؟؟؟؟
ربما شخصيا سأفتعل عذرا لرغبة من دعا الهولنديين لحضور المهرجان بكلمة لسبينوزا:"إن اسعد لحظة في حياتي وأنا مُجتمع بأصدقاء آخرين لا هدف لهم إلا حب الحقيقة والبحث عنها والخوض في الفلسفة".. وليتها رغبة في الشعر والخوض فيه ما دفع صاحب الدعوة للطلب من الوزارة العراقية تشريف هؤلاء.
أو لم يكن من الأجدر إن تكون لحظات السعادة العراقية بلقاء شعراء يوحدهم الوجع العراقي والمغترب الهولندي اذن؟..
وسأجد تفسيرا لتسلسل الأسماء ليعرف المطـّـلع سبب ورود أسماء معينة خلف أسماء ذات صلة..
لا كلّ ما سبق ولننتظر مع الجميع ما يخرج به هذا الملتقى من جديد..شخصيا، أتمنى إن يبادر بعض الحاضرين في المربد الحالي لكاتبة احتجاجهم على الإدارة البائسة لهذا الملتقى؟.
وان يخرجوا بصوت واحد لنصرة المهمشين من أشقاء الكلمة،وان يبادروا لكتابة بيان احتجاج على استمرار اعتقال زميلهم المنسي القاص والروائي محسن الخفاجي؟.
هل من مُذكرٍ ب محسن الخفاجي..ليكون للشعر مربده..وللكلام مرابطه؟.