في صَبَاحِ الأَحَدْ
سعد داود البغدادي

مُمِلاًّ كَعَادَتِهِ
كَانَ صَبَاحُ الأَحَدْ
فَقُلْتُ لِنَفْسِي
هَلُمَّ نَذْهَبُ لِسُوقِ المَدِيْنَهْ
لِنُلاحِقً وُجُوهَ الفُقَرَاءْ
فِي تِلْكَ الشَّوَارِعَ الَّلعِينَهْ
مُتَعَثِّرًا فِي خُطُوَاتِ غُرْبَتِي
مُتَّكِئًا عَلَى وِحْدَتِي
مَسْكُونًا بِأَحْزَانِ طُفُولَتِي
وَنَغَمَاتِ أُغْنِيَةٍ حَزْيْنَهْ
(مَا لِي شُغْل بِالسُّوكْ مَرِّيتْ أَشُوفَكْ)
مُتَدَثِّرًا فِي مِعْطَفٍ لا يُدَثِّرْ
قُلْتُ لِنَفْسِي: تَعَالَ نَرْصُدُ فِي سُوقِ المَدِيْنَهْ
هُمُومَ التُّعَسَاءِ ـ الغُرَبَاءْ
لَعَلَّنَا نَعْثُرُ عَلَى وَطَنٍ جَدِيدْ
أَو قَوَافٍ فَقَدَتْ أُنُوثَتَهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدْ
***
فِي صَبَاحِ الأَحَدِ الرَّتِيبْ
كَانَ كُلُّ شَئٍ فِي سُوقِ المَدِيْنَةِ بَارِدَا
الطَّقْسُ بَارِدْ
الرَّصِيفُ بَارِدْ
القَلْبُ بَارِدْ
البَرْدُ بَارِدْ
الحِسَاءُ بَاِرْد
الحَانَاتُ بَارِدَهْ
الخَطَوَاتُ بَارِدَهْ
الشِّفَاهُ بَارِدَهْ
الوُجُوهُ بَارِدَهْ
تَتَمَايَلُ مَعَ صَفَعَاتِ البَرْدِ الوَحْشِي
تَبْحَثُ فِي عُيُونِ الآخَرِينَ
عَنْ مَنَافٍ جَدِيْدَهْ
عَنْ مَرَافِئَ لأَحْزَانِهَا المُزْمِنَهْ
وُجُوهٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَمُدَوَّرَهْ
مُسَطَّحَةٌ وَمُكَوَّرَهْ
وُجُوهٌ شَارِدَهْ
تَلْتَقِطُ أَعْقَابَ السَّكَايِرَ
هَرَبًا مِنْ أَشْبَاحِ الزَّمَنِ القَادِمْ
وَأُخْرَى تَحْمِلُ أَكْيَاسَ تُخْمَتِهَا وَتَجْرِي
امْرَأَةٌ تَبْحَثُ عَنْ طِفْلٍ
طِفْلٍ يَبْحَثُ عَنْ أُمٍّ حَانِيَهْ
أُمٌّ تَبْحَثُ عَنْ عَاشِقٍ جَدِيدْ
وَعَاشِقٍ يَبْحَثُ عَنْ عَمَلٍ وَعَنْ غَانِيَهْ
مُبَشِّرٌ يُهَدِّدُ بِعِقَابِ رَبٍّ رَحِيمٍ وَعَادِلْ
كِلابٌ تَرْتَدِي قُبَّعَاتٍ مُلَوَّنَهْ
مَوَاخِيرَ مُتَنَقِّلَهْ
وُجُوهٌ أَرْهَقَهَا البَحْثُ عَنْ زَمَنٍ ضَاِئعْ
الْتَجَأَتْ لِمَقَاهِي عُزْلَتِهَا الأَبَدِيَّهْ
فَي انْتِظَارِ المُنْقِذِ القَادِمِ مِنْ صَنَادِيقِ القِمَامَهْ
***
فِي سُوِق المَدِيْنَةِ الشَّاحِبِ البَارِدْ
فِي صَبَاحِ الأَحَدِ الْكَئِيبْ
كُنْتُ وَحِيدًا مَعَ وِحْدَتِي
مَسْحُوقًا تَحْتَ خَطَوَاتِ غُرْبَتِي
أُرَاقِبُ تِلْكَ الوُجُوهَ الشَّاحِبَةِ الغَرِيبَهْ
تَذَكَّرْتُ وَطَني
وَطَنِي القَابِلَ القِسْمَةِ عَلَى كُلِّ الأَرْقَامْ
وَطَنِي يَتَبَوَّلُ فِيهِ خَوَنَةٌ مِنْ كُلِّ الأَرْحَامْ
خَوَنَةٌ بِقُبَّعَاتْ
خَوَنَةٌ بِعَبَاءَاتْ
خَوَنَةٌ بِسَرَاوِيلْ
خَوَنَةٌ بِلِحًى فَلِّينِيَّهْ
خَوَنَةٌ وُلِدُوا بِلا أحْبَالٍ سِرِيَّهْ
وَطَنٌ صُودِرَتْ أَحْلامُهُ
بِفَتَاوٍى
وَرَشَاوٍى
وَجَلَسَاتِ العُهْرِ الوَطَنِي
***
فِي صَبَاحِ ذَلِكَ الأَحَدِ الْكَئِيبْ
فِي سُوقِ المَدِينَهْ المُوحِشِ البَارِدْ
رُحْتُ أَبْحَثُ عَنْ وَطَنِي المُصَادَرِ
فِي عُيُونِ الغُرَبَاءْ
لَمْ أَجِدْ سِوَى تَعَاسَتِي
وَحِكَايَاتٍ لا تَسْتَحِقُّ حَتَّى الرِّثِاءْ
***
أوتاوا – 06/02/2005

هَذَا الكِتَابُ مُحَرَّمٌ*
أحمد عيد مراد

دَعْ عَنْكَ يَا سَعْدُ الذَّهَابْ
وَحَذَارِ مِن خَوْضِ الصِّعَابْ
أُمْكُثْ بِبَيْتِكَ وَاسْتَرِحْ
فِي السُّوقِ لَنْ تَجِدَ الجَوَابْ
هَـذَا الصَّبَاحُ كَغَيْرِهِ
فَعَلامَ تُكْثِرُ فِي العِتَاب!
أتُرَى وُجُوهُ البَائِسِينَ
تَغَيَّرَتْ خَلْفَ النِّقَاب!
أَمْ هَلْ تَظَنُّ الفَقْرَ فِيهَا
بَاتَ وَهْمًا أَمْ سَرَابْ!
قَدْ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْوجُوهْ
أَمْسَتْ كَأََطْلالِ الخَرَابْ
أَوْ مِثْلَ قَتْلٍ فِي العِرَاقْ
بِوَبَائِهِ يَرْمِي فَصَابْ
إِنْ قَدْ تَجِدْ فِي السُّوقِ نَاسًا
مَا لَهُمْ غيْرُ التُّرَابْ
فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ حَالِمٌ
وَإِذَا صَحَوْتَ فَلَنْ تُعَابْ
وَإِذَا بَكََيْتَ تَحَسُّرًا
وَرَأَيْتَ فِي العِيْنِ ارْتِيابْ
فَاسْكُبْ دُمُوعَكَ صَامِتًا
فِي المَوْتِ قَدْ تَضْحَكْ كِلابْ
فِي الصَّمْتِ قَدْ يَعْلُو ضَّجِيجْ
وَعَليْهِ قَدْ هَامَ الذُّبَابْ
أُمْكُثْ بِبَيْتِكَ وَاتَّكِئْ
كَيْ تَتَّقِي هَوْلَ المُصَابْ
رَنِّمْ أَنَاشِيدَ الأَلَمْ
فَالْقَلْبُ مِنْ يَأْسٍ مُذَابْ
أَمْ فََأْتَزِرْ مَا شِيتَ حُزْنًا
وَاجْعَلِ الشَّكْوَى ثِيَابْ
مَاذَا لِِصُبْحِكَ فِي الأَحَدْ
يُغْرِيكَ لِلسُّوقِ الذَّهَابْ!
مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَبِيعْ
لا يَشْتَرِي غَيْرَ الْعذَابْ
كَمْ قَدْ يُعَذِّبُنَا الرَّحِيلْ
إِنْ فِيهْ قَدْ عَزَّ الإيَابْ
هَذَا الكِتَابُ مُحَرَّمٌ
فَحَذَارِ مِنْ مَسِّ الكِتَابْ
***
الطَّقْسُ بَارِدُ فِي المَدِينَهْ
وَالنَّاسُ شَارِدَةٌ حَزِينَهْ
وَحِسَاؤُهَا كَالْقَلْبِ بَارِدْ
وَنَشَاطُهَا أَضْحَى سَكِينَهْ
تَبْكِي عَلَى سُوقٍ تَهَدَّمْ
فِي مَوْطِنٍ أَمْسَى رَهِينَهْ
تَخْشَى الضَّيَاعَ بِدَرْبِهَا
بِسِوَارِهِ بَاتَتْ سَجِينَهْ
الحُزْنُ أَرَّقَ نَوْمَهَا
وَالبُؤْسُ أَهْدَاهَا شُجُونَهْ
وَالنَّاسُ ضَّلَّتْ دَرْبَهَا
وَالْوَجْهُ لا يَدْرِي عُيُونَهْ
والْمَرْفَأ الحَيْرَانُ فِيهَا
آسِنٌ مِثَلُ الضَّغِينَهْ
يا لَذُلِّ النَّاسِ فِيهَا
يا لَها بَلدَدٌ لَعِينَهْ
لَنْ تَجِدْ غَيْرَ الْمَآسِي
بِئِسَهَا هَذَي المَدِينَهْ
***
كَمْ قَدْ مَضَى عَهْدٌ وَجَاءْ!
وَحَسِبْتَ أَنَّكَ فَاعِلٌ مَاذَا تشاءْ
كَمْ خَابَ ظَنُّكَ فِي مُحَالْ
وَخَسِرْتَ فِي طَلَبِ الرَّجَاءْ
وَإِذَا الرِّهَانُ حِكَايَةٌ
بِخِتَامِهَا كَانَ ابْتِدَاءْ
الصَبْحُ شَاحِبُ فِي المَدِينَهْ
فِي سُوقِهَا كَثُرَ الْوَبَاءْ
وَالَّليْلُ أَيْضًا شَاحِبٌ
هَلْ يَسْمَعِ الصُّمُّ النِّدَاءْ!
مَنْ يَقْصُدُ المَاخُورَ لَيلاً
لا يَبْتَغِي غَيْرَ البَغَاءْ
مَنْ يَرْتضَِي عَيْشَ الْقِمَامَهْ
مَا لِعِلَّتِهِ شِفَاءْ
***
لا تَرْقُبِ الصَّبْحَ الْكَئِيبْ
فِِي سُوقِ بَلْدَتِكَ الحَزِينْ
لا تَذْكُرِ الْوَطَنَ الجَرِيحْ
كَيْ لا يُعَذِّبَكَ الحَنِينْ
لا تَبْتَئِسْ مِمَّا تَرَى
فَالحَقُّ أَقْرَبُ مَا يَكُونْ
حَتْمًا سَيَنْتَصِرُ العِرَاقْ
لا تُخَامِرُكَ الظُّنُونْ
فَغَدًا يُعَانِقُ يَوْمَهُ
نُوْرًا تُقَبِّلُهُ العُيُونْ
لا يَقْبَلُ القِسْمَهْ العرِاقْ
وَأَرَاهُ يَسْطَعُ كَالْيَقِينْ
وَالصُّبْحُ بَادٍ فَجْرُهُ
سَيَظَلُّ أَوْحَدَ لا يَهُونْ

***

أوتاوا- 07/02/2005
*أُنشئت محاكاةً لـِ "صباح الأحد". خاطرة أطلعني عليها الزميل سعد داود البغدادي مستمزجًا رأيي، وطلب الردَّ عليها، فكانت "هذا الكتاب محرَّمٌ".

[email protected]