كثيراً ما ردد المسرحيون السعوديون أن ازمة المسرح السعودي إضافة للمعيقات الاجتماعية و السياسية وقصور الدعم الرسمي وندرة الخبرة الأكاديمية و المنشأة المسرحية المناسبة لإقامة العروض، تكمن في غياب العنصر النسائي عن الخشبة. فالمسرح يعكس صورة عن الحياة بما فيها من وضع اجتماعي. والحياة بما فيها من ثنائية طبيعية ذكر/ انثى من المهم أن تترجم على الخشبة دون أن يغيب عنصر عن آخر أو يمتلك مساحة وجود أوسع من الآخر.
والمرأة السعودية التي يطالب المسرحيون بوجودها على الخشبة بدأت تشق طريقها المفترض في الحراك الاجتماعي والاقتصادي، وتحقق نقلة نوعية مقارنة بوضعها في السنوات الفائتة، فانخرطت في مجالات عمل لم تتوفر لها قبلاً، وهاهي تعتلي المناصب، وتدير نظم عمل باقتدار، كما أن لها دوراً فاعلاً في المشهد الثقافي المحلي من خلال النتاج الأدبي والتشكيلي والإعلامي. وكان أن خصص مؤتمر الحوار الوطني الثالث لمناقشة قضايا المرأة السعودية، ولتباين التيارات الفكرية السعودية لم يفرز المؤتمر سوى توصيات فضفاضة لم تناقش القضايا وتدرسها بعلمية، ولم ترض بطبيعة الحال تلك التوصيات النساء والتيارات المعتدلة، إذ غفل المؤتمر عن مناقشة قضايا أكثر إلحاحاً، كتيسير تعاملات المرأة مع الدوائر الحكومية والخاصة دون الرجوع إلى موافقة ولي الأمر، وإلزامية التعليم، وتوفير وسيلة تنقل آمنة للمرأة في حال منع عنها قيادة السيارة، فالمرأة التي اسهمت في صياغة المجتمع بأموميتها وأنوثتها الفطرية، ها هي تسهم في العمل جنباً إلى جنب مع الرجل في بناء مستقبل أفضل للوطن ضمن حدود الممكن، تستحق من دوائر القرار الالتفات إلى قضاياها بموضوعية أكثر،فما حققته لا يفي بما يحمله المجتمع المدني من خصائص وإن وفق تعاليم الدين الإسلامي الذي كفل للمرأة كل حقوقها.
هذا ما ردده المسرحيون وعيونهم مفتوحة على التجارب المسرحية الخليجية الأخرى التي كان للمرأة فيها دور منذ بدايات ستينيات القرن المنصرم، منذ اعتلاء أول ممثلتين خليجيتين الخشبة، مريم الصالح والراحلة مريم الغضبان. فالمسرح السعودي الذي بدأ متأخراً، بدأ مبتسراً، ومحدود العطاء . لكن السؤال الذي يطرح هو ماذا قدمت هذه التجارب المسرحية المبكرة للمرأة الخليجية ؟!، وهل حققت المرأة الخليجية ذاتها من خلال المسرح؟!.
بالنظر إلى االمنجز المسرحي الخليجي ومن باب المقولة الكلاسيكية ( المسرح مرآة الواقع)، يلحظ ومنذ البداية أن ثمة خط تواز بين المسرح والمجتمع، فبقدر مساحة الحرية المعطاة للمراة في الواقع، تنعكس افتراضياً على وجودها على خشبة المسرح، فكما بدأت العمل مبكراً في دولة مثل الكويت في شتي المجالات، وابتعثت إلى الخارج للدراسة، وعملت جنباً إلى جنب مع الرجل للدفع بعجلة التنمية، فقد خرجت إلى الجمهور المسرحي في الزمان ذاته، بأدوار كانت يجسدها رجال، فحجزت لها موقعاً طبيعياً . إلا أنه وبالرغم فقد ظلت وتظل تحت مظلة وسلطة الذكر، وما وجودها إلا بقبوله أو رفضه، بحكم القوامة الشرعية التي استغلتها التقاليد في حصر المرأة في زاويتها، وتحديد حركتها. وهذا ما انعكس على وجودها النوعي وفاعليته في المسرح، خاصة مع خصوصية المسرح الذي يحتاج إلى جرأة في الطرح، في نقد الأوضاع الاجتماعية. فالمرأة كانت عنصراً ثانوياً مكملاً للحكاية المسرحية التي تتمحور أكثر حول الشخصيات الذكورية، وأغفلت تماماً المرأة كوجود فكري وليس مجرد وجود فسيولوجي قابل للتجاوز، كما هو الحال في المسرح السعودي الذي تجاوز الوجود الفسيولوجي بنصوص خلت إلا من رموز للمرأة.
وقد نمطت كل تلك المعطيات صورة المرأة، إذ ظلت الشخصيات النسوية المجسدة في المسرحيات الخليجية تراوح بين المرأة المهزومة الضعيفة المسلوبة القرار والتفكير وبين المرأة المتمردة دون وعي في جانبها السلبي، أو تكون حمّالة الخطايا، رغم أن الذاكرة تسعفنا بصور مشرقة لنساء وضعن حجراً في جدار التاريخ، ولم يخرجن من عباءة رجل، ولم يسيّر حراكهن رجل. ولم يكن لممارسة المرأة للكتابة المسرحية من دور هيأ للمرأة ظرفاً أفضل، فقد كرست المرأة الأنماط المكررة السائدة، إذ كان منطلق الكتابة هو الدفاع عن المرأة لمجرد الدفاع بدل استحضار حالات القوة في كينونة المرأة على الخشبة، وكان التركيز المفرط على المرأة في النصوص النسوية قد أوقعها في التباس المقولة، فقد حاولن تهميش الرجل بعكس معادلة القوة والضعف، ليمارسن ذات الدور الذي مارسه الرجل/ المسرح عليهن، وكان الأجدى أن يخرجن المرأة ككيان متفرد يملك استقلاليته من التبعية للرجل، ويركزن على ثنائية الذكر والأنثى الفطرية في التساوي الحقوقي، وإن غالب المجتمع هذه الفطرة، فالمسرح كما يدعي المسرحيون، محفز على حركة التغييرالاجتماعي، وهذا ما يثير التوجس تجاهه.
ومن الاشارات الجلية على علاقة المرأة الخليجية بالمسرح هي عدم قدرتها على اقتحام المسرح بمجالاته الشتى والتي ظلت حكراً على الرجل، والعدد الذي لا يتجاوز أصابع اليد من النساء اللاتي خضن تجربة الإخراج المسرحي، مقارنة بعدد الممثلات، و يعود الأمر إلى أن الإخراج يميل إلى حالة من التسلط في العمل المسرحي، فالمخرج في النهاية هو صاحب الكلمة الأخيرة في العرض، وهو الذي يرسم حركة الممثل على الخشبة، ويصوغ الشكل النهائي للمسرحية، وهذا ما يدفع الممثلين الذكور الذين جبلوا على فكرة الفحولة والتسلط على المرأة من النفور من العمل مع مخرجة أنثى حتى لا يقعون تحت طائلة توجيهاتها.كما أن الممثل الرجل سيخضع بالتالي إلى أفكار المخرجة التي ستميل إلى التركيز على قضايا المرأة الضحية لسقطات الرجل. مما يهز شخصية الرجل الفحل فيه، كما أن القلق الاجتماعي، والطبقية الجنسية المجتمعية ، فالرجل أولاً ومن ثم المرأة، والاعتقاد بعدم تجانس الإخراج المسرحي المفضي إلى التمرد وإلى القوة والقدرة على إدارة فريق عمل مع أنوثة المرأة التي تغلب العاطفة على العقل كما يردد، اجبر المرأة الخليجية على الابتعاد عن خوض غمار الإخراج المسرحي، الذي خاضته نساء عربيات اخريات دون إيلاء أدنى اهتمام بالخطاب الاجتماعي والديني الملتبس، مثل الفنانة نضال الأشقر، وسميحة أيوب مؤخراً.
المشكلة الأساس أن التعامل مع المرأة كوجود خاضع للتقاليد المتغيرة وليس خاضعاً لمعيار شرعي ثابت، فالتقاليد ترى فيها جزءً من الرجل، والشرع يرى فيها كياناً ذا استقلالية يملك حق القرار، وهذه التقاليد انسحبت بما فيها من خلل إلى المسرح، بالرغم أن المسرح نسق ثقافي يفترض أن يتحرر من كل هذه القيم، وأن يكون فعلاً تحريضياً على التغيير لا ان ينساق إليها ويكون مساهماً في هذا الوضع المأزوم. لم يقدم المسرح بالتالي الكثير في سبيل تحرير المرأة من قيد الأعراف الاجتماعية الثقيل، فلم يفرد لها مساحة تعبير أكثر اتساعاً لتعبر عن قضاياها دون الانطلاق من الذاتي بل انطلاقاً من الطبيعي والمنطقي في علاقتها بما حولها، ودون الانجرار للأنماط الجاهزة، وبعقلية أنثوية خالصة لم يخضعها الفحل لقوانينه.

القطيف