حوار مع المخرج اللبناني عصام بوخالد:
قضيت معظم حياتي في الحرب، فعمَ سأتحدث في عروضي؟


حاوره عباس الحايك - الشارقة: استضاف مهرجان ايام الشارقة المسرحية في دورته الخامسة عشرة في افتتاحه مسرحية (مااارش) للجمعية التعاونية الثقافية لشباب المسرح و السينما (شمس)، من إخراج المسرحي اللبناني الشاب عصام بوخالد. وكان لنا لقاء مع المخرج، للتعرف عن قرب على شخصيته المسرحية وعلاقته بالمسرح والحياة..*بالنسبة لك كشاب، كيف ترى المسرح؟ وما هي منطلقات عملك المسرحي؟
- بغض النظر عن كوني شاباً أم لا، فإني اخترت المسرح مهنةً ومتعة في ذات الوقت، و حياتي مرتبطة به كأي شخص يختار مهنته وإختصاصه. ودون إرادتي، لا يمكن أن يكون المسرح منفصلاً عن حياتي حتى على الصعيد الشخصي، ولا يمكن أن أتعاطى معه كرفاهية أو كمالية، فلا أملك أن أعمل في اختصاص غيره، فحتى لو لم أمثل أو أخرج، فإني أُدَرِسُ المسرح، وإذا أردت العمل بعيداً عن هذا المجال فإني أعمل في المساعدة على شحن ديكور أو أي عمل آخر مرتبط بشكل غير مباشر بعرض مسرحي. بالنسبة لي كإنسان، المسرح هو مساحة للتعبير الحر، وهنا تكمن أهميته على الصعيد الفكري والسياسي والثقافي والإنساني ، وإذا فقد هذه الوظيفة فقد قيمته، وبمجرد أن يقع العمل المسرحي تحت وطأة الرقابة، تبدأ الكارثة، لأننا كمسرحيين سنتحول إلى أشباه للأنظمة الاجتماعية والسياسية المفروضة علينا. وعلى الأقل، المسرح هو أكبر مساحة للتعبير عن الخيال والمشاعر ووعي الإنسان.

*ألاحظ ان في السينما والمسرح اللبناني الحديث هاجس الحرب الأهلية مسيطرٌ، والدليل عرضك (مااارش)، فكيف تفسر هذا الهاجس الموجود؟
- إنه أمر بديهي، فانا إنسان عشت معظم حياتي في الحرب والباقي في هاجسها، والمتابع للساحة اللبنانية يرى أن الحرب فعلياً قد انتهت، لكن في الحقيقة الحرب لازالت مستمرة وإنما بأشكال مختلفة، إذاَ.. عمَ سأتحدث في عروضي المسرحية؟!، لا أنكر أن هناك مواضيع متنوعة تستحق إلقاء الضوء عليها، لكن إذا كان هناك موضوع بهذا القدر يهدد كياني ويهدد تفكيري ويهدد تاريخي ومستقبلي ويحاول أن يمحي الذاكرة ويمحي المجتمع عن بكرة أبيه ويغيره، فلا يمكن أن أتجاوزه، وسأكون منقطعاً عن ذاتي إذا تجاوزته.
وجدت في عملي المسرحي أنني لا يمكنني الحديث سوى عن الحرب وأنا أعيش حياتي معظمها فيها. وبعيداً عن لبنان، فمنذ العام 2000م وحتى الآن والعالم يعيش هاجس العسكرة، ويمشي وفق ما يريد جنرالات الدول الكبرى، ولا يعيش مجتمع أبداً بمعزل عن الحرب في هذه الكرة الأرضية، فثمة فايروس معدي اسمه هوس الحرب يجتاحنا، فبالتالي لا يمكن لموضوع آخر ان يستفزني أكثر من الحرب.

* كيف تؤسس لعلاقة بين مسرحك والجمهور، خاصة وانك تقف في منطقة وسط، فلم تساير ذائقة الجمهور السائدة، ولم تقدم عملاً يتعالى عليه؟
- أولاً، أنا واحد من هذا الجمهور، ثانياً، أرى أنه يجب التخلص من دعاوى النخبوية والطليعية، ولا يعني هذا قتل الطموح، فهناك فرق بينه وبين ان نحشر حالنا في فكرة النخبوية مثلاً. وأنا بقدر ما أكون حراً، أكون قادراً على التعبير عن ذاتي وسأكون قادراً على أن أمس الجمهور، بسبب، أن ليس من الصحيح أن الجمهور لكي يفهم فمن الواجب تسطيح ما نقدم له وكأننا نتعامل مع جمهور غبي، فمن قال أن هذا الجمهور لا يستفز بما يراه للمرة الأولى؟، ومن قال أنه لا يريد أن يستفز بشيء مختلف عما هو معتاد عليه؟. يقال أن المسرح التجريبي نفر الجمهور من المسرح. ليس صحيحاً أنه مسرح العشرين شخصاً في الصالة، فإذا كانت بعض العروض بمثل هذه المواصفات فهذه مشكلتها. هناك مسرح تجريبي شعبي، أنا عملت ثلاث مسرحيات شعبية ولاقت اهتمام الجمهور، كونها طرحت ما ليس في وارد ذاكرة الجمهور. أنا لا أؤمن بفكرة أننا فوق الجمهور ومن واجبه أن يرتفع لنا، بيكيت مثلاً رائد المسرح العبثي كل مسرحياته شعبية، فلماذا نريد نحن التعالي على الجمهور، وهذا لا يعني ان اتنازل عن خياراتي الفنية والبحث عن بعض الغامض الذي يثير الأسئلة، فأنا إن تخليت عن الجمهور تخليت عن ذاتي، وإن سايرت الجمهور وما يريد خسرت مسرحي.

*في ظل الدعاوى لموت المؤلف المسرحي، كيف هي علاقة المخرج عصام بوخالد مع كاتب النص المسرحي؟
- قبل الرد على هذا السؤال، أنا أساساً ممثل، أنتظر من يعرض على عمل لأشتغله، لكن عملي كمخرج جاء كوني أملك بعض الأفكار وفي ودي تنفيذها، ولهذا أنا لم أختبر بعد هذه العلاقة بين الكاتب والمخرج، مؤخراً اكتشفت أني املك طاقات المخرج وقادر على العمل وسأختبر هذه العلاقة لاحقاً، ولكني لست من الداعين لموت المؤلف لأن كلاً منا له اختصاصه وعمله، لكن يمكن أن يكون كلاً منا جزءً من عمل الاخر، أنا لا يمكن أن أنفذ نص بشكل كامل، لأن الكاتب لا يمكنه تخيل رؤيتي للنص، وهنا يكون تنازل واحدنا للآخر، فيجب عليه احترام خياراتي الفنية، كما أنني احترمت نصه بمجرد اختياري له لتنفيذه، فدورينا سينتجان نصاً ثالثاً هو الصيغة النهائية للعرض، الذي يملك شخصيته الخاصة، فكل عناصر العرض تؤدي دورها في صياغة هذه الشخصية من السينوغرافيا إلى الإضاءة إلى الموسيقى، كما يؤدي النص دوره ايضاً، فإذا كان النص سيكون مهيمناً فأفضل أن أقرأه فقط على أن انشغل بتنفيذه.

* حدثنا عن الجمعية التعاونية الثقافية لشباب المسرح و السينما (شمس) التي دعمت عرض (مااارش)؟
- الجمعية هي جمعية تعاونية بمعنى الكلمة وأنا عضو في مجلس إدارتها ومن أعضائها المؤسسين، ونحن 12 فنان من جميع التخصصات، مخرجين، كتاب، سينمائيين، ممثلين، واسسنا هذه الجمعية لضمان استمرارية لعملنا، فأي منا لديه مشروع يساعده الجميع حتى ولو بشكل غير فعلي، وطالما لا يوجد دعم رسمي فإن تأسيس الجمعية سهل علينا قضية الدعم المادي والمعنوي، فمن خلال دعم الجمعية نقلل القيمة الانتاجية للعمل، وفي البال مشروع أنشاء مركز ثقافي مستقل ونحن في صدد العمل عليه، وللجمعية برنامج على طول السنة يحتوي على فعاليات ومهرجانات سينمائية ومسرحية وموسيقية وسمعية بصرية. وعلى مستوى الإنتاج، لا تملك الجمعية المال لدعم الأعمال الفنية، لكنها تؤمن كل الإمكانات المتوفرة، من صالة عرض وميديا ومطبوعات، وهذا الأهم لإقامة أي فعالية، فهذه الأمور تستنزف أموال انتاجية كبيرة، ومااارش عرض احتضنته الجمعية مثل ما يمكن أن تحتضن أي فعالية أخرى.

* قرأت أن روجيه عساف هو الأب الروحي للجمعية، فكيف تشخص علاقتكم به؟
- مشكلتنا في الوطن العربي أنه لا يمكننا العمل بعيداً عن هوس الأسماء، فروجيه عساف هو عضو من أعضاء الجمعية، وكما نحتاج له، يحتاج لنا أيضاً، الفرق الوحيد بيننا أننا من جيلين مختلفين، وعلينا أن نحترم هذا الفنان وتجربته طالما قررنا العمل معه، ولكننا لا نذوب بتجربته وبإسمه، والدليل عرضنا مااارش، فروجيه موجود فيه من ضمن فريق البحث الموسيقي بحكم خبرته الطويلة في هذا المجال، لكن على مستوى الطرح الفني والفكري، نحن مختلفان تماماً. إذاً لا يشكل روجيه لنا شخصية الأب الروحي، لأن النقاد سيتهموننا بقتل الأب إذا ما تجاوزنا في تجاربنا القادمة اسمه.

* قلت أنك لا تؤمن بالهوية في المسرح، فالمسرح عندك إنساني شامل، غير مرتبط بالتفاصيل؟
- هناك تفاصيل، لكن في الثقافة لا يمكننا أن نجزء، ولا يمكن أن نخضع المسرح للتفاصيل، فالمسرح هو عملية شاملة غير خاضعة للتجزيء، ولا يجب أن نسعى للبحث عن الهوية كأساس لعملنا المسرحي.

* يجب الا ننكر أن هناك خصوصية لكل مسرح، في المغرب العربي أو المشرق العربي،إذاً كيف نتواصل كمسرحيين بتفاصيلنا المختلفة مع بعضنا البعض، كيف نلغي قصور التواصل ما بيننا؟
- القصور الأكبر على المستوى الرسمي، فكل الدول العربية لديها وزارات إعلام وثقافة لكنها تهتم بالشكليات فقط، ومن الآن حتى يكون مفهوم الثقافة مفهوماُ غير ترفيٍ ويكون عضوياً في قلب مجتمعاتنا، يمكن لهذا التواصل أن يحصل. وعلى الصعيد الآخر، الفنانون أنفسهم، فمتى ما تكون هناك الرغبة والنية لنلتقي ونتقبل بعض على إختلافاتنا وتناقضاتنا، لن يكون هناك مشكلة في التواصل، وإذا كان هناك مساحة لتقبل بعضنا بعضاً، سنلتقي، وإذا كان هناك نية سنفرض لقاءاتنا.