آية الله السيد حسين الصدر رئيس مؤسسة الحوار الإنساني لـ quot;إيلافquot;:
العراق يشهد نهاية حرب الطوائف وعمقه العربي لصالح مكوناته

يؤم صلاة شيعية سنية في الكاظمية
أسامة مهدي من لندن: اعتبر عميد آل الصدر في العراق رئيس مؤسسة الحوار الانساني العالمية آية الله السيد حسين أسماعيل الصدر ان العراق بدأ يخرج من حرب الطوائف ولوثة المحاصصة التي ابتلي بها وقال ان العراق حلقة ضعيفة في مجمل الوضع الأقليمي على الصعيد العسكري لكنه الحلقة الأقوى على صعيد الحرية مشددا على ضرورة الحفاظ على العمق العربي للعراق مشيرا الى ان هذا العمق لصالح تنوع مكوناته واوضح ان من احد مشاريعه العمل على جعل العراق نقطة تحول وتغيير في المنطقة على الصعد الفكرية والروحية والإنمائية والسياسية كافة .

وأضاف السيد الصدر في حوار مع quot;ايلافquot; ان بعض قوى الشر حاولت إستغلال التنقاضات التي يشهدها العراق وجره إلى حرب داخلية طاحنة يسمونها طائفية تارة وعنصرية تارة أخرى فيما هي حرب شعواء هائمة فوضوية العناوين لأن الطائفية في العراق لا تملك مقوماتها . وقال ان العراق كان منطلق تخريب في المنطقة والآن يسعى لان يكون عنصر بناء فيها . واشار الى انه ليس من دعاة عسكرة البلد ولكن من دعاة الجيش القوي الذي يساهم في تحقيق معادلة التوازن الأقليمي في المنطقة . وشدد على ان العراق بحاجة إلى علاقات جوار متينة والتركيز على البعد العربي لان العراق عربي في عمقه ولأنه متنوع في مكوناته فسيكون عمقه العربي لصالح تنوعه مشيرا الى انه يمكن للعراق أن يكون درة العالم العربي على الصعد الفكرية والروحية والإنمائية والسياسية كافة .

والسيد حسين اسماعيل الصدر هوعميد اسرة آل الصدر ويعود نسبه الى الإمام موسى الكاظم .. وقد ولد بمنطقة الكاظمية في بغداد عام 1952 والده هو آية الله العظمى السيد إسماعيل الصدر وعمه آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الذي نفذ فيه النظام السابق الاعدام . وقد انهى دراسته الأكاديمية في بغداد والتي تزامنت مع دراسته الحوزوية حيث سعى الى مواصلة الدراسة الدينية بشكل غير علني بسبب مضايقة السلطات العراقية السابقة حيث انتقل الى المرتبات العليا في هذه الدراسة بالنجف الاشرف . وتجاوزت مؤلفاته المائة والخمسين منها تفسير القرآن الكريم quot;تفسير المختصرquot; وquot;تفسير النافعquot; وquot;التفسير التعليمي للناشئةquot; وهو من 30 جزءا و quot;التفسير المصور للأطفالquot; اضافة الى مؤلفات في الأصول والفقه والمنطق . وللصدر دور كبير في نشر الحركة الإسلامية في العراق حيث فتح العديد من المؤسسات الإنسانية منها مؤسسة الحوار الإنساني العالمية كما تمكن من تأسيس 90مسجدا ودارا للأيتام ومستشفيات ومدارس ومعاهد وقام بتأسيس قناة quot;السلامquot; الفضائية .

وفيما يلي نص الحوار مع آية الله السيد حسين الصدر :

العراق وعنق الزجاجة

السيد حسين إسماعيل الصدر
يرى كثير من المحللين السياسيين إن العراق يعيش مرحلة quot;عنق الزجاجةquot; مشيرين إلى مستقبل شبه مجهول ينتظر هذا البلد .. فما هو تصوركم لهذه التقديرات المطروحة ؟
لقد كان العراق يعيش في كهف مظلم ، داخليا كان بلدا مقموعا وخارجيا كان بلدا معزولا ، وبعد سقوط النظام الديكتاتوري بأرادة شعب العراق قبل أن تكون إرادة هذه الدولة أو تلك ، خاض البلد تجربة عسيرة ، بسبب التناقضات الهائلة التي خلفها النظام الفردي الطاغي ، وبالفعل كانت هناك مرحلة حرجة يمكن تسميتها ب quot; عنق الزجاجةquot; حيث حاولت بعض قوى الشر بإستغلال تلك التنقاضات وجر البلد إلى حرب داخلية طاحنة ، يسمونها طائفية تارة وعنصرية أخرى ، فيما هي حرب شعواء لا تعرف حتى عنوان الطائفية ولا حتى عنوان العنصرية ، بل حرب هائمة فوضوية العناوين ، لأن الطائفية في العراق لا تملك مقوماتها ، ولا حتى الشوفينية ، فجاءت المحاولة ضرب بعض ببعض ، بشكل عشوائي ، المهم أن تكون هناك ساحة عراقية ملتهبة بالنار ، ولكن وعي الشعب ، وجهود المرجعية الدينية المباركة ، ووجود العقلاء في العراق ، وحرص المسؤولين العراقيين من كل الطوائف والأديان والقوميات فوت مثل هذه الفرصة الجهنمية على الأعداء ، واليوم ترى صور التلاحم الشعبي بين كل العراقيين من أجل بلد آمن مزدهر مطمئن . العراق كان منطلق تخريب في المنطقة والآن يسعى العراق لان يكون عنصر بناء في المنطقة ، أمن ، إستقرار ، علاقات أقليمية متكافئة ، بناء ، أحترام للحقوق وإقرار بالواجبات . فأنا أرى وبحكم خبرتي السياسية إن العراق يسير الان على السكة الصحيحة فهو يملك من المقومات ما يجعله يسير على هذه السكة بنجاح كبير .

المحاصصة الطائفية والقومية

كيف تنظرون إلى نظام أو فلسفة المحاصصة الطائفية والقومية في العراق ، فهذه الظاهرة مبعث قلق للكثير من العراقيين والعرب والمسلمين .. ألا ترون إن ذلك يهدد وحدة العراق وطنا وشعبا ؟
انه من المؤسف أن يكون منطق المحاصصة الطائفية ركيزة في الأنظمة السياسية العربية ، لا أقول كل الانظمة بل بعضها بطبيعة الحال ، و هو نظام ممقو ت، لانه يتعارض مع قيم الفكر السياسي الإنساني والإسلامي والوطني ، فمثل هذا النظام يفتت الإرادة الوطنية ويعرض تراب الوطن للمهانة والاستهتار والطعن ، لذلك أرفض مثل هذا المنطق وأعمل إن شاء الله في المستقبل على جمع الجهود الخيرة لأطلاق صرخة الأمة الواحدة ، الوطن الواحد ، الرؤية المتعددة ولكن ضمن فلسفة الأمة المتاسكة الحية الرافضة لكل أ لوان الذل والتشرذم والتخبط الفكري والسياسي والتربوي .

العراق ، بلدي العزيز ، أصيب بهذه اللوثة ، أعترف لك بذلك ، ولكنها لوثة مؤقتة ، وهي لوثة غريبة على جسده ، سببها تصرفات وطيش النظام السابق ، كل ما يمر به العراق اليوم من مظاهر شاذة هي طارئة بفعل تلك السياسة الرعناء ، التي لم تميز بين الخير والشر ، بين الحق والباطل ، بل كانت سياسة أهواء شخصية . لقد بدأ صوت العراقيين يرتفع ضد فلسفة المحاصصة ، هل ترى في ذلك إرتداد أم إنطلاقا للأمام ؟ طبعا هو إنطلاق للأمام بلا شك ، خاصة عندما يصدر على لسان المسؤولين أنفسهم ، أي الذين أبتلوا بداء المحاصصة ، فيما هي صيحة الضمير العراقي ككل .

العراق لم يشهد لغة طائفية طيلة عمره السياسي ، أقول ذلك وأنا أنتمي إلى عائلة تهتم بالشأن الديني منذ مئات السنين في العراق ولبنان والحجاز ولذلك أقول هذا ليس عن إيمان بل عن تجربة كذلك .

لقد إنهارت لغة المحاصصة بشكل واضح عندما إنهارت الآمال الخفية المعقودة عليها ، أقصد حرب الطوائف ، إقتتال الناس ، الشعب العراقي بعضه ببعض ، إن أي محاصصة طائفية في العراق تجر وراءها حربا ، قتالا ، لأن الغاية من المحاصصة هي هذه الحرب اللعينة ، وليس قيم العدل والمساواة كما يدعي بعضهم ، حتى لو لم ينتبه دعاتها البسطاء ، فإنها كحالة تستبطن مثل هذه النتيجة المخيفة .

لو كان نظام المحاصصة في العراق يملك جذوره العميقة والعريقة لما تعرض للنقد الشعبي حالا ، ولما إنهار في ظرف سنوا ت أقل من عدد أصابع اليد الواحدة . نحن هنا في الكاظمية شهدنا انعقاد أكثر من مؤتمر ومؤتمر بين السنة والشيعة ، بين ممثلي كل الا ديان في العراق ، بين العرب والتركمان والاكراد وكانت الكلمة القوية هي : لا للمحاصصة بأي لون كانت وبأي شكل كانت .

وضع العراق الاقليمي

ألا ترون إن العراق هو الحلقة الأضعف في النظام الأقليمي حاليا وإذا كان الأمر كذلك كيف يتدبر أمره في مثل هذا المحيط الصعب ؟
العراق ربما هو حلقة ضعيفة في مجمل الوضع الأقليمي ، في محيطه الأقليمي ، وذلك على الصعيد العسكري ، ولكنه هو الحلقة الأقوى على صعيد الحرية ، حرية الكلمة ، وحرية الرأي ، وحرية التعبير ، كذلك هو الحلقة الاقوى على صعيد هوية النظام ، فنظامه مهما كانت الهفوات والأخطاء يتسم بالتعددية و الديمقراطية ولو بدرجة نسبية ، ربما هناك ثغرة المحاصصة ، ولكن كما قلت لك إنها حالة طارئة مؤقتة ، وفي طريقها للزوال ، وسوف أعمل مع كل الخيرين في العراق على تجاوز هذه الهفوة الطارئة ، العراق حلقة أضعف عسكريا ، ولكن أنظر إلى حركة الفن في العراق ، الشعر ، المطالبة بالحقوق ، الحوار بين الطوائف والكتل والقوميات ، محاسبة الدولة ، نقد المسؤولين ، طرح التصورات للمراحل السابقة ، النقاش الدائر في البرلمان ، في المدارس ، في المساجد ، في الاسواق حول مستقبل الحكم ، نوعية الحكم ، علاقة الجيش بالحكم ، الحكم المدني ، دور رجل الدين في الدولة ، كل هذه المقتربات تبشر بعراق قوي ، بل عراق يملك رقما صعبا في المنطقة ، هو الحلقة الأقوى شعبا وفكرا وتطلعا ، نحن هنا ، ورغم بعض المشاكل ، والتي بعضها صعب ومؤسف ، ولكننا نصوغ عقول الناس في المنطقة ، العراق اليوم ثورة روحية وفكرية في المنطقة .
البعد العربي للعراق

هل القوة العسكرية ضرورة للعراق .. وهل البلاد بحاجة الى عسكرة الشعب ؟
لست من دعاة عسكرة البلد ، عسكرة الشعب ، عسكرة المجتمع ، ولكني من دعاة الجيش القوي ، الجيش الوطني، الجيش الذي يحمي البلد ، ويساهم في تحقيق معادلة التوازن الأقليمي في المنطقة ، القوة اليوم أحد أهم معادلات التحولات والاستقرار السياسي ، بل وحتى الانمائي ، فلماذا لا يكون لدينا جيش قوي ، من حقنا ، العراق بلد نفطي ، وبلد محاط بدول كبيرة فلا بد أن يكون له جيشه ، ولكن الجيش الوطني، المحترف ، الذي لا يورط العراق بمعارك جانبية لا تغني ولا تسمن . كذلك العراق في حاجة إلى علاقات جوار متينة ، مع كل الجيران بلا إستثناء ، وأركز على البعد العربي للعراق ، قضية تهمني كثيرا ، العراق عربي في عمقه ، ولأنه متنوع في مضمونه ، فسيكون عمقه العربي لصالح تنوعه ، وتنوعه لصالح عمقه ، ويمكن للعراق أن يكون درة العالم العربي ، وشمس العالم الإسلامي ، أحدى مشاريعي هي جعل العراق نقطة تحول ، نقطة تغيير ، على الاصعدة الفكرية والروحية والإنمائية والسياسية كافة .

العالم .. الى اين؟

كيف ينظر سماحة السيد الصدر إلى العالم ، فإلى أين يسير هذا العالم ؟ نوجه هذا السؤال لأنكم تطرحون دائما رؤية مستقبلية لما يدور حولنا ؟
تجتاح العالم اليوم تيارات هائلة من الفكر والتصورات والفلسفات المتضاربة والمتناقصة والمتنافسة ، سواء على صعيد الدين أو صعيد القيم ، أو صعيد العلاقات السياسية ، أو النظم الاقتصادية ، أو صعيد التربية ، أو العلم ... فهذه التيارات في طريقها للاستزادة والتصاعد والإشتداد ، ولأننا نؤمن بأن القرآن الكريم معجزة الدهر ، ولان الكتاب الكريم يقول quot;كل يوم هو في شأنquot; فنحن نؤمن بأن هذه الحركة لن تقف ، سوف تستمر ، ولكن علينا أن نواكبها ، بالقراءة وبالرصد ، ومن ثم بالتعاطي معها إيجابيا ، بقراءتها في ضوء ثوابتنا ، ومن ثم يجب أن يكون لنا موقف منها ، لا يمكن أن نستمر نستورد ، لقد طرح السيد الشهيد العم محمد باقر الصدر كتابه الكبير quot;الأسس المنطقية للاستقراءquot; إيمانا منه بأننا يجب أن نصدر للغرب ، ولا نستورد وحسب ، شخصيا أعمل على خلق جيل عراقي وطني يتفاعل مع العالم ، مع الحركة العالمية ، من منطلق روحي ، عراقي ، عربي ، إسلامي ، كي نساهم في إحياء الروح ، حيث إ ن العالم حقا أخذ يفتش عن الروح مرة أخرى .

العالم حركة محتشدة بالمتغيرات ، والعراقيون يجب أن يساهموا بدورهم ، كجزء من هذا العالم ، وكوجود له تاريخ مؤثر وقائد . من هنا طرحنا مشروع الإ سلام العملي ، كمدخل للتعاطي مع هذه الحركة المدهشة . والدين عاد أقوى من الماضي ، ترشيد الرؤية الدينية العالمية قضية مهمة ، لهذا أسسنا منبر الحوار العالمي ، نأمل أن يأخذ المشروع مكانته الكبيرة من حركة العالم ، هذا ما نأمله بإذن الله تبارك وتعالى .