لئن تختلف البرامج الحوارية في أشكالها ومضامينها إذاعية كانت أو تلفزيونية، إلا أنها تلتقي في كونها تقوم على دعوة ضيف أو أكثر لإقامة حوار حول مسألة ما باعتماد تقنية السؤال. ويكثر الحديث حول العلاقة التي يجب أن تكون بين الضيف والمضيّف، وهو ما سنحاول التوقف عنده اليوم.


فالضيف محلّ تبجيل واهتمام ليس في الأمر شك و لا اختلاف، فهو محور البرنامج ونقطة الارتكاز فيه. إذ لابد أن يكون مرحبا به ومرتاحا حيث موعد ومكان إجراء الحوار الذي يكون متفقا عليه ومعلوما لديه بشكل مسبق. والمذيع أو المحاور ينتظر من ضيفه (أو مجموعة ضيوفه) قدرا من الاستعداد للبرنامج احتراما لنفسه وللمستمع أو المشاهد ولمن دعاه للبحث والمشاركة. إلا أن ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع هو ما نجده من اختلاف في وجهات النظر حول العلاقة بين المحاور (بكسر الواو) والمحاور (بفتح الواو)، فثمة من يرى أنه من واجبه إكرام ضيفه وتسليمه مقاليد إدارة الحوار مثلما شاء وأراد وفي أحيان أخرى يستشيره في محاور الأسئلة أو إرسالها له عبر الفاكس ليختار منها ما يريد ويلغي الأسئلة التي لا تعجبه أو لعلها تسبب له الإحراج وترمي به في منزلقات لا يعرف كيف ينهض منها. ويحدث أن يطلب منك الضيف إلغاء دعوة فلان الفلاني الذي كان يفترض أن يشارك في الحوار لأنه لا يريده، نعم يحدث هذا أكثر من مرّة. هذا إلى جانب آخرين يسمحون لأنفسهم الاعتذار عن الحضور عندما تتصل بهم للسؤال عن سبب تأخرهم عن موعد القدوم للبرنامج. لكن هذا الضيف تجده أفضل من غيره الذي يغلق هاتفه الجوّال أو يتركك في التسلل وعندها لا بد لك من مسابقة الزمن لتدارك الموقف والنتيجة حتما حصة مرتجلة أو هي كرة في التسلل لا تصيب الهدف.
أذكر هذا وأنا أستحضر عديد الأسماء ممن تدعوهم وتفاجأ بجديتهم ودورهم في إثراء البرنامج والرفع من شأنه فتحية لهم وشكرا لمن يعتذر لأنه غير ملّم بموضوع الحلقة.


نأتي الآن للحديث عن المذيع أو المحاور الذي يجب أن يكون عارفا بأهداف برنامجه و منطلقاته ونتيجة لذلك يحسن اختيار ضيوفه وإدارة الحوار لا أن يكون متفرجا سلبيا يسرد أسئلة متتابعة ينقصها الإعداد الجيّد و التوظيف الحسن، ولا يهتم إلا بالتفنن في ابتكار الألقاب الرنانة لأشباه المبدعين وفي الكواليس يسمح لنفسه بتصنيف الناس دون استثناء من علموه أو من لم يصادفهم أبدا ولم يقتطع بعضا من وقته للنظر في أعمالهم وإبداعاتهم.


عند الحديث عن المنتج (بفتح التاء) إذاعيا أو تلفزيونيا لا يمكن أن نغفل عن المتقبل الذي هو المستمع أو المشاهد الذي وإن اختلفت اهتماماته وانتظاراته فهو يحب أن يتابع حوارا حقيقيا يطرح أسئلته هو ويتحدث بصوته هو، لا أن يأتي الحوار ناعما غير متوهج، أو رتيبا غير تفاعلي، أو مرهونا بحسابات ضيّقة لا يحتملها الفضاء.


وثمة من يمضي الوقت في تصيّد بعض اللقاءات ليسرع إلى الضيف ليقول له: لماذا يهاجمك؟ ما الذي بينك وبينه؟ كيف تسمح له بذلك؟... ما يؤسف حقا أن هذه الممارسات التي لا يمكن أن تضيف للمشهد شيئا، أليس حريّا بهؤلاء أن ينتبهوا إلى أعمالهم حتى تخرج للناس في أحسن صورة!!


فالعلاقة بين الضيف ومحاوره تفاعلية أو لا تكون، فالمذيع الذي يجلس قبالة ضيفه يسعى إلى السؤال وسيلته الوحيدة لمساعدة ضيفه على إبلاغ فكرته ووجهة نظره. وعندما يكون الحوار جذابا مفيدا ومؤثرا يستمع إليه الناس ويهتمون بالضيف والبرنامج. هي لعبة السؤال ترى هل نتقنها؟

علي إبراهيم
تونس