في مستهل الحلقة الأخيرة من برنامج ( الإتجاه المعاكس ) من على قناة الجزيرة أعلن السيد صلاح المختار علنا و على الملأ من أنه السفير الرسمي للمقاومة الوطنية العراقية! و بأنه تبعا لذلك يستنكر و يشجب برنامج ( شاهد على العصر ) الذي يعده و يقدمه السيد أحمد منصور من على نفس القناة!!

و الذي إتهمه و يا للعجب بالعمل لصالح المخابرات الأمريكية؟؟ و السبب هو إدعاء السيد المختار بأن حلقات البرنامج الأخيرة تشوه سمعة و مكانة الرئيس العراقي السابق صدام حسين! و ذلك من خلال شهادة أحد الوزراء السابقين في النظام العراقي السابق وهو السيد حامد علوان الجبوري وزير الدولة السابق و كان أحد أبرز أفراد الطاقم الحكومي العراقي طيلة حقبتي السبعينيات و الثمانينيات! لأن شهادة الجبوري عن أساليب صدام حسين في الحكم و إدارته للمؤامرات الداخلية قد سببت ضررا كبيرا لسمعته بين المتلقين و المشاهدين العرب الذين أتيحت لهم لأول مرة فرصة التعرف عن كثب على جزء من تاريخ صدام حسين السلطوي و من على قناة الجزيرة تحديدا!!

و هو أمر غريب يعتبره البعض بمثابة إنقلاب في منهج الجزيرة الإعلامي بينما يعتبره السيد أحمد منصور إضاءة جديدة للتاريخ و منطلقا من شهادة شهود عايشوا الأحداث و شاركوا في صنع بعض حلقات التاريخ، و رغم أن تاريخ صدام حسين السياسي و الحزبي معروف وواضح لجميع من يهتم بالشؤون العراقية إلا أن الهالة التي أحاط الإعلام العربي و لفترات طويلة صدام حسين بها إضافة لظروف الصراع مع الغرب منذ عملية غزو دولة الكويت قد رسمت لصدام صورة مغايرة تماما في ذهنية المتلقي العربي، فبصرف النظر عن هوية و طبيعة إنتماءات الجماعات الحاكمة اليوم في العراق و إختلاف المواقف منها فإن هؤلاء ما كان يمكن لهم الوصول للسلطة لولا حماقات و مغامرات النظام السابق الذي إرتبط بمشاريع دولية كبرى لم يستطع إدارة ملفات الصراع معها بطريقة حكيمة فحدث ما حدث لينتهي النظام السابق نهاية دراماتيكية ليس لها مثيل في تاريخ العالم المعاصر و هي نهاية درامية خصوصا في فصلها الختامي الذي إنتهى بشنق الرئيس السابق في يوم عرفة!!

ذلك الإعدام الإنتقامي السيء الإخراج و الذي أعطى للمعدوم صفات أخرى لم يكن ليحلم بها لولا حماقة و سوء تصرف حكومة حزب الدعوة و شركاه!! فضلا عن الإستعجال غير المبرر في تنفيذ عملية الإعدام رغم التباطؤ الواضح اليوم في تنفيذ بقية الإعدامات!! وهنا يشير البعض لدور أمريكي مهم في الإسراع بتنفيذ الإعدام لإسكات و قبر ملف صدام و مجموعته بطريقة أبدية!!

و بعيدا عن أحاديث المؤامرات و تخريجاتها السياسية و الإعلامية و عودة لتصريحات السيد صلاح المختار بكونه سفير المقاومة العراقية في الخارج و هو إدعاء يفتقر للدليل الواضح و الملموس في ضوء تنطع العديد من الإسماء لإدعاءات مشابهة لإدعاءات السيد المختار الذي صب جام غضبه على برنامج السيد أحمد منصور تاركا صلب الموضوع الذي يركز عليه البعثيون اليوم إذ يبدو أن السيد صلاح المختار رغم إدعائه بالسفارة للمقاومة إلا أنه تجاهل إن حزب البعث العربي الإشتراكي الذي أنهى في نهاية فبراير/ شباط الماضي مؤتمره القطري الإستثنائي الأول بعد الإحتلال قد أصدر بيانا تقويميا أدان فيه بشكل واضح لا لبس فيه أسلوب حكم نظام صدام حسين الفردي العشائري العائلي الذي تصرف في العراق على أساس كونه إقطاعية، كما حدد الحزب بشكل واضح من أن تسلل صدام و مجموعته للقيادة البعثية بعد المؤتمر القطري السادس للحزب كانت تقف خلفه قوى دولية معروفة هي نفسها التي ورطته في مغامرات إقليمية ثم أجهزت عليه فيما بعد!!

كما أن تاريخ حزب البعث العراقي الحافل بالدم و الأشلاء يؤكد بأن صدام حسين و مجموعته يتحملون مسؤولية مباشرة و كبيرة عن مجازر فظيعة و تصفيات رهيبة حدثت في صفوف البعثيين دون مبرر كإعدام العشرات من قادة الصف الأول في حزب البعث و على رأسهم المرحوم عبد الخالق السامرائي و مجموعة من القيادتين القطرية و القومية صيف عام 1979 و بناءا على تهم واهية و ملفقة، لقد حاول السيد صلاح المختار الدفاع عن قيادة فاشية مارست من الجرائم القومية و الوطنية ما يعجز عن ذكره القلم و تجاوز الصفحات الجديدة في تاريخ الحزب الذي من المفروض أن ينتمي إليه رغم أنه لا يعلم بقراراته الجديدة و بتشكيلاته الحديثة و بتقويماته للمراحل التاريخية السابقة، و السيد صلاح المختار في النهاية كان واحدا من القيادات المتأخرة في حزب البعث و لم يكن من القيادات الفاعلة أو الميدانية و هو بإعتباره دبلوماسي سابق من خريج المدرسة السياسية للنظام السابق يدافع عن آراء و قناعات قديمة و مستهلكة لم يحاول تطويرها، لذلك إنتفض و رفض الآراء التي أدلى بها الوزير السابق السيد حامد الجبوري التي كانت أراء عقلانية لم يسيء فيها لأحد و لا حتى صدام نفسه بل شرح لمرحلة عاشها و لقضايا مرت أمامه رغم عدم معرفته بالكثير من خفايا الأمور و علاقات النظام العراقي الدولية و ملفاتها السرية التي تتخذ بعيدا عن عيون جهاز الدولة الرسمي العراقي، فقضية الحرب مع إيران مثلا لم يعلم بها مجلس الوزراء العراقي مسبقا لأنه قرار تم إتخاذه في الأروقة الأميركية و بموجب إتفاق ( مدريد ) السري بين صدام حسين و الإدارة الأميركية و تحديدا السناتور وقتها ( دونالد رامسفيلد ) في تموز/ يوليو 1980 و الذي بارك غزو صدام لإيران و إيقاف الدعاية الخمينية القوية وقتها و يسلم العراق بعدها قيادة المنطقة بما فيها موضوع الملف الكويتي!! و هو موضوع سنتناوله بالتفصيل في مقال قادم قريب، و يبدو أن السيد صلاح المختار مثل السيد حامد الجبوري لا يعلم أكثر مما يجب!! أما سفارته للمقاومة العراقية فتظل موضع شكوك قوية لكونها تصطدم بعدم معرفته بالمتغيرات و التطورات في ملف الحزب الذي ينتمي إليه وهو حزب البعث العراقي...!

السيد أحمد منصور لم يرتكب الخيانة العظمى بل أضاء التاريخ و أجتهد وفق منطلقاته الخاصة، أما إتهامات السيد صلاح المختار فهي بائسة كبؤس سفارته المزعومة للمقاومة العراقية..!.

داود البصري

[email protected]