عنود عبيد الروضان: من أكثر الفنون التي تشدني مسرح quot;البانتومايمquot; أو المسرح الصامت؛ ربما لميلي إلى القراءة والتأمل من منظور الشخصية والطبيعة.. ورؤية الخارج بعين الذات الباحثة عما تريد رؤيته وفق جمالية التفاعل والذائقة الخاصة،، يحضرني هنا مشهد الترقب لما سيدور على خشبة المسرح والحوارية القائمة بين الصمت ورشاقة التعبير وتأمل المتلقي لما يدور في مخيلتهِ حين قراءة أية حركة على الخشبة.. والواقع أن القراءة ما هي إلا استقراء حقيقي صامت للكون في جانب من جوانبه الممتدة.. ومؤكدة على أن الحديث هو الدهشة الكامنة في عيونٍ تتسعُ رؤيتها باتجاه الحياة والإنسان بشكل خاص كلما تكررت المشاهد بآفاقها الواسعة..؛ هذا - تماماً - ما يميز الإبداع في كافة الفنون.. أن التعبير فيه يكون صامتاً بضجيجه ولكنه مؤثرٌ دون هوامش أو إضافات خارجة عنه.. فقط؛ بعض الهدوء.. والضوء الخافت الذي يُسَلط على الرؤية التيquot; لن تكون متفوقة كإبداع إلا حين تكون رمزا وتعبيراً عن حقيقة كما يرى quot; موباسانquot;.
هنا أود قراءة مشهدٍ آخر لطالما قرأته بصمت؛ ربما لأننا لسنا معنيين أحياناً بتفسير كل التفاصيل من حولنا ولكننا مطالبون بمعرفتها على الأقل كي نكون على بينة تؤهلنا ثقافيا لتقدير القيمة وتمييز الأشياء التي ترتفع على مستوى المادية المعرضة للتلاشي في لحظةٍ ما.. لأن الماهية تقصد اتجاه العقل وتتفرع من هناك بعيداً عن فلسفة الجسد بصورة علمية حيوية مجردة!
من هناك أيضاً يمكننا إسقاط بعض المعاني على جانب الأدب الذي نعيشهُ ونتعايشُ معهُ في سبيل إيضاح المسافة الفاصلة بين الإبداع.. وصناعة quot; الكاتب quot; التي تمارس من خلال النقد والإعلام والاتجاهات المذهبية quot; الأدبية quot; المتصارعة كما لو كان الصراع هو امتدادٌ تاريخي لصراع المذاهب البشرية وليست quot; الإنسانية quot; على اعتبار أن الإنسانية هي اعتقادٌ واحدٌ راسخٌ لا يمكن أدلجته وتقسيمه منذ بدء الخليقة.
لمَ رأيت أن للأدب quot;خشبة..quot; كخشبة المسرح؟!..؛ تلك التي يلتقي عليها الجد والهزل والحزن والدموع والمبالغة والصمت وتلبُّس القيم والفضيلة أو الدم والخطيئة؟!.. هل لأن الواقع الأدبي من الممكن أن يكون مسرحية قابلة للنقد.. وهذا قد لا يمنحه صفة الكمال بقدر ما يحوله أحياناً إلى مشاهد قابلة للفراغ والسطحية وquot; الشخصنة quot; والمجاملات في سبيل إظهار الصورة بشكل يرضي من يودون اقتناص المقاعد والأتباع دون رضى الأدب وإنصاف خصوصيته وهويته.. على اعتبار أن الأدب أصبح يتأثر بالثراء الفاحش أو التصفيق الفاحش على حد سواء.. ورغم أن ورقة مطوية في جيب رصيفٍ أحيانا تقدر بثمن quot; طوابيرَ زائفةٍ من الأدباء quot;!
بعض الحميمية الواقعة على خشبة الأدب.. إنما هي الوجه الآخر لشبح العدائية الواقعة بين الكلاسيكي والنثري والتقليد والحداثة.. إلخ؛ ولعل هناك من لا يتوافق مع quot; مصطلح quot; العدائية رغم أن من يتتبع الحالة بموضوعية لن يجد وصفاً وافياً لما يحدث في هذه العلاقة التي يجب أن تتحرى التفاعل والاستفادة من خبرة الآخر.. وعلى اعتبار أن بعض المسلمات تواجه تحديات الإهمال والتهميش في سبيل الحرية الإبداعية التي تكون تجاوزاً في كثيرٍ من الأحيان على خصوصية وثوابت النص الأدبي!،،بماذا أفسرُ quot; ألوهية quot; النقد المستشرية..؟ وعملية التجنيس الأدبي التي تطال الهوية الشعرية؟ فأي نص يمر بشبكة العلاقات والإعلام قادر على تجاوز ضعفه
وفراغه من الناحية الشعرية أو الفنية؛ كما أن النص الحقيقي قد يواجه الأبواب المقفلة وعروش بعض النوادي الأدبية سواء على الصفحات الورقية أو الإلكترونية!!،، أيضا : القضية الاقتصادية تلعب دوراً كبيرا في أحقية أي quot; كاتب quot; بشهادة إبداعية تبعا للقضايا السياسية فأحواض البترول لا يحق لأهل القرى القريبة منها وما جاورها أي ظهور في مسابقات أدبية إلا فيما ندر على اعتبار أن كأسا من البترول قادر على إنتاج ديوان شعرٍ.. أو رواية أو مجموعة قصصية بعيدا عن جودة المادة التي سيعقلها الباحثون عن القيمة فقط!، وبالمقابل : قد يكون
أبناء الهم الأدبي العربي والقضايا القومية هم الأكثر أحقية بالتفوق.. وحزمة المكافآت؛ تلك التي يحتكر بعضها الإبداع تحت مسمى رعاية وتشجيع quot; الشباب العربي quot;.. وهذه صناعة أولية لخيلاء الناقد أو الأديب الذي يخافه المستضعفون في quot; الجوائز quot; والجغرافيا!! هذا مشهدٌ حقيقي لا يمكن تركه في العتمة.. ولا يمكن إخفاؤهُ تحت مساحيق الإعلام والحقوق المستلبة؛ لأن الكثير من المبدعين المعاصرين لا زالت الأماكن تضيقُ بهم..على اعتبار أن quot; وثنية quot; المثال والرمز لا زالت قائمة وموجودة رغم رحيل
أصحابها!!،،أيضا؛ تبني الأقلام quot; الأنثوية quot;؛ وقد أشرتُ برمزية الأنثى لأنني أدركُ تماماً بأن معظم ما تقدمه المرأة العربية ككاتبة لا يسهم إلا بمزيد من الضعف والوأد الفكري لحضور المرأة أدبيا..؛ تلك التي تدور مواضيعها حول نقاط محددة quot; قيود المجتمع؛ الجسد؛ علاقتها بالآخر quot;؛ وفي المقابل تمُـارس الخدعة الأدبية المدعوة بالتمجيد على حساب المضمون العميق لطبيعة المرأة وإبداعها الحقيقي.. وكثيراً ما كنت أؤمنُ بأن المنطق لا يجعل الخروج من عباءة الوأد والعبودية مبرراً لخلع عباءة الأنثى الأولى.. وهذا ما يشكلُ جانباً آخر من جوانب المعاناة التي يواجهها الأدب العربي.. وليس الأدب فحسب بل كل عقلية منفتحة على إيجابية التطور
والتغيير ومشاركة واحترام دور الآخر!!،، نحن عندما ننقد إنما ننقد بصورة إنسانية لا تتداخل مع ضبابية الواقع.. وقد لا تكون حائلاً دون تكرار المشاهد في ساحة الأدب وبالتالي تراكم المشكلات وجوانب الضعف التي تصيب صميم الحضارة الإنسانية التي ننشدها..،،.. هنا أقرُّ بالصمت..؛ صمت المؤمنين برسالتهم.. يقطعون الطريق بلا ضجيجٍ.. دون أن ينتظروا ركام الزمن والأوراق المدللة؛ فقط يجيدون التعبير برشاقةٍ لا يعبرها الموت.. لأنها تُقرأُ بعين الحياة التي تحتويها صدرونا.