من طبيعة الخطابات أنها تعكس الحقائق والتحولات، وتشفّ عن الأفكار وما صاحبها من متغيرات وتبدلات.. وهذه سنّة الكلام في حالتي الحرب والسلام.
والخطاب الملكي الذي بدأت الدولة تدرج عليه منذ سنوات خطاب يشفّ عما تحته، ويبيّن عما يحتويه، ويرسم ملامح ما يبديه وما يخفيه..
وفي عصر الملك عبد الله بن عبد العزيز ndash;حفظه الله- أخذ هذا الخطاب يتدثّر بالوضوح ويتزمّل بالدقة..
ولعل كلمات معينة لم تجد النضج والتداول في زمن من الأزمان مثلما وجدته في هذا العصر الذي دشّنه الملك عبد الله بكلمات مثل: الوحدة الوطنية، والحوار، والشفافية، ومخافة الله، ومراقبة الضمير، والتجرد من المصالح الشخصية، والاعتذار من المواطن، والبعد عن التصنيف، والإعلاء من شأن الوطن، وتنمية الحس الوطني.. إلى آخر هذه الكلمات المفعمة بالصدق والوضوح، والمتحدة مع مفهوم الوحدة الوطنية الحقة، المبنية على الشراكة والمساواة والتوسط والاعتدال، والاشتراك في الحقوق والواجبات.
ولعلّ آخر ما حفل به هذا الخطاب الملكي ما جاء في كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- التي ألقاها أمام أعضاء هيئة البيعة، حيث ركزت الكلمة على مفاهيم عدة، لعل العين لا تخطئ إن اختارت من هذه المفاهيم مفهومين هما:
أولاً: قال يحفظه الله: 'إن القائد المؤسس الملك عبد العزيز ndash;طيّب الله ثراه- تصدى للمسؤوليات الجسام معاهداً ربه على إحقاق الحق والعدل والمساواة'، وهذا مفهوم إسلامي أصيل يتطلّب إقامة العدل الذي يقدّم على 'تطبيق الشريعة'، فالملك هنا يؤكد على إقامة العدل وإحقاق الحق وليس تطبيق الشريعة على اعتبار أن تطبيق الشريعة هو آخر حلقة في سلسلة 'إقامة العدل'، وهذا بالضبط هو مفهوم قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ.. الآية).
وثاني هذين المفهومين، حدده الملك ndash;يحفظه الله- في تجاوز ثنائية 'العلماء والأمراء'، معتبراً أن رجال هذا الوطن هم 'المخلصون من أبنائه في كل المجالات، ومن هؤلاء علماؤه الأفاضل الذين نحمل لهم كل تقدير وكانوا بعلمهم عوناً لنا بعد الله'!
ولم يترك الملك ndash;يحفظه الله- كلمة 'العلماء' من دون شرح لمعناها وتقدير لمبناها، حيث قال: 'ونعني بالعلماء علماء العقل والفكر والعقيدة'.
وهنا يوسّع الملك ndash;يحفظه الله- مفهوم 'العلماء' الذي كان حكراً على 'حملة العلم الشرعي' ليشمل هذا المصطلح كل من له مساهمة في مجالات 'العقل والفكر' وبالدرجة الثالثة 'العقيدة'.. ليقدم درساً قيماً لأصحاب العقول المتحجرة، حيث قرأت قبل سنوات تحذيراً لأحد المتخصصين في العلم الشرعي من وصف غير أقرانه بـ'العلماء'، معتبراً أن المتخصصين في العلوم الحديثة مهما بلغ علمهم وشأنهم لا يستحقون أكثر من وصفهم بـ'الحاذقين'، وفي هذا إجحاف بحق قامات كبيرة أفنت حياتها في إنارة طريق العلم والمعرفة لأجيال تشكّل اليوم نواة مستقبل الوطن!
حقاً، سلمت لنا يا أبا متعب وأنت تقود حملة تغيير المفاهيم وإعطاء كل صاحب حق حقه..
[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه