-1-
روائح كريهة ونتنة، تخرج من الأردن هذه الأيام، وتزكم الأنوف.
والأردن ليس وحده الدولة العربية التي تنبعث منه رائحة الفساد والسرقة الكريهة والنتنة. فتلك هي رائحة العالم العربي كله المميزة. فـ quot; منظمة الشفافية العالميةquot; تقول في آخر تقرير لها، أن أكثر روائح الفساد الكريهة التي تزكم أنوف العالم، هي تلك الروائح المنبثقة من الفساد المالي في العالم العربي.
-2-
في الأيام الماضية أثيرت في البرلمان الأردني وفي الصحافة العربية، فضيحة بيع الدولة الأردنية لبعض أراضيها وعقاراتها، دون تمرير مشاريع قرارات البيع على البرلمان الأردني الممثل للشعب. فالشعب هو المالك الوحيد للأرض في الأردن. أما الدولة فهي التي تدير شؤون هذا العقار، فقط ولكنها لا تملكه هي شخصياً. فهي لم ترثه عن آبائها، وأجدادها، وهي لم تشتريه من الآخر بحُر مالها.
إذن فملكية العقار الأردني هي للشعب الأردني.
-3-
قرأنا على صفحات الصحافة العربية والورقية والإليكترونية أخبار صفقات عقارية بين الدولة الأردنية وبين بعض الشارين. وسمعنا من مجموعة من النواب الأردنيين الأقحاح، وليس من الكنيست الإسرائيلي، أو الكونجرس الأمريكي، أو مجلس العموم البريطاني، بل من نواب أردنيين أقحاح، من أصل وفصل أردني أباً عن جد، وليسوا من أصول فلسطينية، كما يتشدق بعض المتعصبين الأردنيين، من يقول بأن الدولة الأردنية تبيع هذه الأيام عقارات أردنية، وأراضي أردنية، دون عرض هذه الصفقات العقارية على مجلس النواب الأردني، ومناقشتها مع مالكي هذا العقار الشرعيين، وهو الشعب الأردني.
أي أن هذه العقارات تُباع سراً، و(على السُكّيت)، ولا (حد شاف ولا حد دري).
فلماذا؟
-4-
وقالت الأخبار من عمّان، أن اجتماعاً مطولاً قد جرى بين الحكومة والنواب في البرلمان، وُجهت فيه للحكومة اتهامات تعدّت quot;الفساد والمحسوبية والمزاجيةquot;، إلى اتهامات لرموزٍ في الدولة الأردنية بـquot;الخيانة والعمالةquot;.
وقادت هذا الهجوم الشعبي على السماسرة في الدولة الأردنية، النائبة ناريمان الروسان مع مجموعة من النواب. والروسان ناشطة من محافظة أربد، ومن عائلة أردنية من أشهر وأعرق العائلات في هذه المحافظة. وقد رُميت النائبة الروسان بأقبح الصفات والتهم في صحافة الانترنت نتيجة لذلك، وقيل عنها ما لا نستطيع أن نردده في هذا المقال، نتيجة لقيادتها لحملة quot; الكشف عن سماسرة بيع عقارات الدولة الأردنيةquot;.
-5-
كذلك رُمي الناشط السياسي والصحافي البارز ناهض حتّر بالقبح ذاته، نتيجة لنشره مقالاً واضحاً وفاضحاً في جريدة quot;الأخبارquot; اللبنانية (13/5/2008) يفضح فيه الصفقات السرية المشبوهة، وأسماء السماسرة، ما خفي منهم، وما ظهر.
وأنا لا أريد هنا، أن أتهم أحداً بالاسم كما فعلت النائبة الروسان، وكما فعل الكاتب الصحافي المعارض ناهض حتّر، الذي سبق له أن ضُرب في بيته علقة ساخنة، من قبل الأجهزة الرسمية، أمام زوجته وأطفاله، وبُصق في وجهه، نتيجة لنقده الدولة الأردنية في ماضي الأيام.
-6-
قصة بيع العقار الأردني أصبحت معروفة للقاصي والداني الأردني وغير الأردني. وسمعنا بها هنا ونحن على بعد آلاف الأميال من الأردن، ودخلت في ملفات المنظمات العالمية المدافعة عن الشفافية والراصدة والمتبعة للفساد في العالم العربي.
وأسماء السماسرة - ما خفي منها وما ظهر - أصبحت كذلك معروفة للرأي العام الأردني، وللعالم.
-7-
لا نريد هنا، أن نعلك الكلام من جديد، ونتشدق بالشعارات، ونقوم بالفزعات، ونظهر الولاءات.
نريد أن نسأل أسئلة كل عاقل، أو مجنون لكي يعقل (وري المجنون قُرصه يعقل)، ومنها:
إذا كانت هذه الصفقات شرعية وسليمة ونظيفة، وتدخل فعلاً خزينة الدولة، بالفلس والقرش ndash; كما تدعي الدولة - فلماذا لم تُعرض على مجلس الأمة، لمناقشتها، ومناقشة المشترين والبائعين؟
لماذا تكتمت الدولة والحكومة الأردنية، على هذه الصفقات تكتم اللصوص، ومن هم حولهم، على عملياتهم؟
لماذا لم يعلم الشعب الأردني الغافل (ويا غافل إلك الله) عن طريق مجلس نوابه، بهذه الصفقات، إلا بعد بيع أجزاء من هذا العقار، وانتشار روائحه وروائح الفساد الكريهة؟
وهل دخلت أثمان هذا العقار حقاً الخزينة الأردنية، لكي تخفف من آلام ضيق العيش على الشعب الأردني المبتلى ببلاء العالم وهو الغلاء، وفوقه الفساد، ونهب أموال الدولة؟
أسئلة لو سألها المواطن الأردني البسيط الواقف على محراثه، أو الجالس على مكتبه، أو الدارس أمام كتبه، لاكتشف بأن في الموضوع quot;إنَّquot; كما يقال.
فهل تملك الدولة الأردنية الشجاعة الكافية والشفافية العالية، لكي تعتذر للشعب الأردني عما حصل، ثم تكشف له في مجلس نوابه ما حصل بالضبط، وتتعهد بعدم بيع قيراط واحد من العقار الأردني، إلا بعد الرجوع إلى أصحابه ومالكيه الحقيقيين، وهم الشعب الأردني المتمثل بمجلس نوابه؟
-8-
تلك هي القصة بكل بساطة.
أما التجديف فيها، والقول، أن لو ما قاله فلان أو علتان حول هذا الموضوع، في بلد غير الأردن، لأصبح في quot;خبر كانquot;، ولأرسل إلى ما وراء الشمس، فهو خروج عن النص، ودفاع مفضوح عن حادثة سرقة وطن، ورشّة عطر رخيص، على رائحة الفساد الكريهة والنتنة، حتى ولو كثُر المطيّبون والمطيّبات.
السلام عليكم.