على الرغم من رفض المجتمع
تعليم الموسيقى... حلم أطفال غزة
ميرفت أبو جامع من غزة:
تحلم الطفلة يارا المدني من غزة في أن تصبح عازفة أورغ، إلا أن هذا الحلم يبقى محفوفًا بالمخاطر لا سيما في غزة التي تعاني من قلة مراكز ومعاهد تعليم الموسيقى ومن نظرة المجتمع السلبية لها خاصة أن غالبيته مجتمع محافظ.
يارا ذات الأحد عشر عامًا وجدت إمكانية تحقيق حلمها عبر مشاركتها في مخيم صيفي لرعاية الموهوبين في فرع الموسيقى للمرة الأولى ينفذ في قطاع غزة .
لم تصدق يارا أن جزءًا من حلمها يتحقق وهي التي كانت تطرب إلى عازفو الاورج عبر شاشة التلفاز، بشغف وتتحرك أناملها لمصاحبتهم ومحاولة تقليدهم.
تقول يارا لم أكن اصدق أن جزءًا من حلمي يتحقق فور سماعي بمخيم للموهوبين في الموسيقى أسرعت إلى الالتحاق به، وتشعر أن المجتمع سيعترض طريق تعلمها الموسيقى وسينظر لها نظرة غير محترمة، إلا أنها تصر أن تحقق حلمها، مشيرة إلى أنها ترفضأن تقدم فنًا هابطًا، ولكنها تحب أداء الأغاني الوطنية الملتزمة التي تعبر عن أحلام الأطفال والفلسطينيين في الاستقلال والعيش في سلام واستقرار.

نظرة سلبية
نظرة المجتمع هذه دفعت بالطفلة حنين عساف إلى ترك مسافة بينها وبين الموسيقى كلما كبر عمرها، وهي التي تربت منذ صغرها عليها ، لما تمتاز من صوت غنائي عذب هي وشقيقيها نفين ومحمد صاحب أغنية quot;علي الكوفيةquot; الوطنية، الأكثر شهرة عند الفلسطينيين وأشاد الكثيرون بأدائهم.
شاركت حنين في غناء الكثير من الأغنيات الوطنية وأخرى خاصة للأطفال وصدر لها قبل أعوام ألبومًا غنائيا للأطفال وشاركت في أغاني لتلفزيون فلسطين أهمها quot;إحنا طلائع فلسطينquot; وأغنية مع الأطفال والفنان الفلسطيني جمال النجار تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة .
وتكتفي عساف quot; 15عامًاquot; بما قدمته من صغرها في مجال الغناء وتقول: quot;المجتمع يشجعني طفلة أما كإمرأة فهو لا يقبل لي السير في هذا الطريقquot;، لذا ترسم حلمها بدراسة الطب عندما تكبر قائلة: quot;هذه مهنة يحترمها المجتمع واكتفي بما قدمته ليواصل أطفال آخرون المسيرةquot; .
وبحسب نسيم زيارة موسيقي وعضو مجلس إدارة اتحاد الفنانين قسم الموسيقى بغزة بأنه يوجد في غزة نحو 460 فنانًا وموسيقيًا، يعانون من قلة فرص العمل بسبب ندرة الحفلات الموسيقية والمهرجانات ومعظمهم لديهم أسر، عدا عن أنهم منعوا من المشاركة في مهرجانات بالخارج بسبب إغلاق المعابر والحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من عام، مردفًا أن المجتمع ينظر للفنان والموسيقي نظرة سيئة فهو عندهم مرادف quot;نَوريquot;، مشيرًا إلى أن الفنانين في غزة يتعرضون لمضايقات عديدة على صعيد الأسرة التي لا تشجع أطفالها المشاركة في ذلك، حتى في عهد السلطة سابقًا يؤكد أن الاهتمام بشكل عام بالثقافة والفنانين كان قليلاً، مضيفًا أن الحكومة الحالية أكملت على ما تبقى من آمال للفنانين، فهي تعتبرها حرامًا وتنظر إليها بشيء من الازدراء والعيب، وأغلقت على الفنانين بمنعها المهرجانات الوطنية والاحتفالات الحزبية وهي التي كان يجد فيها الفنانون فرصًا لإدرار دخل على أسرهم، وإذا بقي وضع غزة على حاله سيكون خيار زيارة بحسب قوله الهجرة.
مي جوادة 15 عامًا من رفح جنوب قطاع غزة، تحلم الأخرى بدراسة الموسيقى في تونس كأخيها الذي سافر قبل أعوام، وتشير مي إلى أن أسرتها تشجعها كونها ابنة موسيقي وتحب الموسيقى. وعلى الرغم من إقرار مي بأن المجتمع يحرم الموسيقى ويعيبها للرجل فما بالنا بالمرأة، الا ان تشجيع أسرتها لها يجعلها تصر على مواصلة المشوار نحو تحقيق حلمها .
أما الطفلة هبه اصرف 14 عامًا، فللمرة الأولى تخاطب الآلات الموسيقية بالمخيم الذي التحقت به وتعرب عن سعادتها أنها استفادت بمعرفة الآلات وكيفية استخدامها بعد ان كانت تراها من بعيد وتؤكد ان صوتها زاد جمالا أكثر وهي التي شارك في حفلات تقيمها المدارس .

لغة حضارية
ويلفت الموسيقي زياد القصابولغي quot;63 عامًاquot; من غزة ، انه لا يوجد اهتمام من قبل الوزارات المعنية والمسؤولين في السلطة أو الحكومة الحالية بالموسيقى، مشيرًا إلى أن غزة عرفت الموسيقى قديمًا حيث كانت تدرس الموسيقى في المعاهد والمدارس لافتًا إلى أن تعلمها وهو في الصف الثالث اعدادي وان لم تكن كمادة أساسية.
وكان القصابولغي تركي الأصل ويقيم بغزة, قد درس الموسيقى في معهد المعلمات بغزة في السبعينات من هذا القرن. ويعمل منذ 21 عامًا كعازف عود ومطرب شارك في الحفلات والمهرجانات الوطنية والشعبية وأسس فريق كورال السندباد بغزة يضم 120 طفلاً وطفلة قبل 14 عامًا من دخول السلطة غزة، ويقول القصابولغي إن الأطفال بحاجة إلى الموسيقى لتعلمها كلغة حضارية يمكن استخدامها في مخاطبة الشعوب ونقل رسالتها وهي تعبر عن تراثها وثقافتها، متمنيًا أن تلقى الموسيقى اهتمامًا اكبر من قبل المسؤولين .معتبرًا أن الموسيقى كأي وسيلة إعلامية وثقافية لها استخداماتها السلبية أو الايجابية وهي التي تحدد حرمتها، مؤكدًا أن لها أهداف تعليمية وثقافيةوالفلسطينيون بحاجة إلى تعلمها، لأنهم ليسوا معزولين عن العالم.
مخيم للموهوبين
وفي احتفال للمخيم الصيفي للموهوبين فرع الموسيقى الذي نظمته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين quot; الأنرواquot; بالتعاون مع اتحاد المراكز الثقافية في قطاع غزة .بحضور حشد من الأطفال وذويهم جنوب قطاع غزة. قدمت يارا عزفًا موسيقيًا على الأورج، بينما غنت عساف أغنية الفنانة فيروز quot;جايبلي سلامquot; وعزفت مي مقطوعة موسيقية تألقن وأطربن الحضور الذي عاش أجواء لا يألفها لأول مرة في غزة بعد الحرمان منها لسنوات طوال من المعاناة تنوعت الفقرات الموسيقية التي قدمها الأطفال بين عزف على العود والدف والكمان وكورال، وشكلوا لوحة فنية وموسيقية متناسقة. وأجواء ترفيهية لم يألفوها من قبل نالت إعجاب المشاركين الذين أغرقوها بالتصفيق وكلمات الإطراء، وللمرة الأولى تعتمد مخيمات متخصصة للموهوبين لا سيما في الموسيقى، وذلك ضمن مخيمات quot; العاب الصيفquot; التي تنفذها الأنروا منذ أواخر حزيران/يونيو الماضي.

ويشير جمال أبو القمصان المخرج المسرحي والمنسق العام للبرنامج عن الاتحاد العام للمراكز الثقافية في قطاع غزة إلى أن نحو 10 مخيمات للموسيقى نفذت في قطاع غزة على فترتين مسائية وصباحية ضم كل مخيم نحو 40 طفلاً وطفلة وبلغ مجموع الأطفال المشاركين نحو 800 طفل.
وأوضح أبو القمصان انه تم تدريب مدرسو الموسيقى المشاركين على آليات التعامل مع الأطفال ولفت إلى أنهم وجدوا أطفالاً لديهم مواهب كثيرة في العزف والإيقاع والغناء والعزفبقراءة النوتة الموسيقية .
وذكر أن صعوبات واجهتهم في بداية عملهم بالمخيمات من قبل الأهالي الذين اعترضوا على تعلم أطفالهم الموسيقى، مرجعًا ذلك إلى انطباعهم السلبي عن الموسيقى على غرار ما يشاهدونه في شاشات الفضائيات من رقص وفن هابط، مشيرًا إلى أن quot;الأهاليquot; أبدوا تفهمهم وتفاعلهم عندما شاهدوا البرنامج الذي يختلف عن انطباعهم المسبق.

ولفت إلى أن نحو 120طفلاً اكتشفوا مواهبهم خلال فترة الشهرين التي عمل بها المخيم وهم بحاجة الى رعاية واهتمام ومن يتبنى مواهبهم ويصقلهم داعيًا المؤسسات إلى الاهتمام بالأطفال الموهوبين ووضعهم على أجندة خططهم وبرامج عملهم.