وأنفصام الشخصية عند الأنسان يمكن أن ينسحب على المواقف السياسية بشكل واضح لدى الدول والتنظيمات السياسية والهيئات ، والعديد ممن بلغ الخرف السياسي أصيب بهذا المرض حين صار يخبط خبط عشواء، وحين اختلطت عنده المواقف وتناقضت عنده التصريحات والأقوال والأفعال ، وصار لايميز بين الوطن والمواطن، وبين السلاطة والسلطة ، وبين النقر على آلة القانون وتطبيق نصوص القانون، وبين التحليل والأحليل.
ثمة تبادل أدوار ومهمات بين القناة الفضائية القطرية وبين السلطة القطرية، حتى يخيل للقاريء او المشاهد أنه لايعرف أن كانت القناة القطرية هي التي تحكم الأمارة والدولة الصغيرة ، أو أن السلطة في قطر هي التي تتحكم في القناة الفضائية فتعكس سياستها أزاء المنطقة العربية ودول الجوار؟
وتلك المعادلة بحاجة الى تدقيق في من يحكم من؟؟
فالقناة الفضائية تقف مع التشدد والتطرف الديني والقومي العروبي المتطرف ، ومن هذا المنطلق ومن خلال الأشخاص المسيطرين على توجهها ورسم سياستها، لإن خطها العام يكمن في مناصرة الأرهاب الدولي والتطرف السلفي بأعتباره الوسيلة المثلى لمحاربة الأمبريالية العالمية والقوة الأمريكية الغاشمة بالأضافة الى معاداة الصهيونية العالمية وصنيعتها أسرائيل وأظهار الصورة العائمة سطحياً في مناصرة حق الشعب الفلسطيني و حقوقه المشروعة سواء في العودة أو تأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
كما تعتمد القناة على أظهار مناظر الدماء والرعب والموت وخطابات التهديد بالقتل ومظاهر الكراهية والمعاداة الأنسانية في مواقف سياسية غير طبيعية ، بالأضافة الى أنتهاج خطوط سياسية ومعايير متناقضة ومنحرفة مما دفع القناة المذكورة الى أصدار ميثاق للشرف المهني لايمكن أن تلتزم به بأي حال من الاحوال لتعارضه مع منهجها وطريقتها في العمل الأعلامي الذي يستبيح المنطقة العربية بأستثناء دولة قطر.
القناة الفضائية التي تزعم انها صوت الرأي والرأي الآخر بما تجمع فيها من عناصر أعلامية لها توجهها القومي والأسلامي المتطرف من حقها أن تتخذ المسار الذي يخدم هذه التوجهات الفكرية سواء بسيطرة الأخوان المسلمين أو المتعاطفين مع منظمة القاعدة الأرهابية والمشدودين عشقاً والمتعاطفين معها أو التنظيمات السلفية المتطرفة التي تتخذ من الأسلام برقعاً وشعاراً في عملياتها وسياستها العلنية والمخفية، غير انها تبتعد عملياً عن منطق الرأي الآخر حين تلتزم بفكر واحد وخط واحد وأسلوب واحد واضح ومكشوف، وأعتبرت القناة المذكورة أن مد الجسور والخطوط مع هذه التنظيمات المتطرفة جزء من سياستها الاعلامية، بالأضافة الى تطويع أمكانية القناة لتصير بوقاً ووسيلة لقراءة البيانات والتصريحات والشعارات الصادرة عنها والتي تبثها القناة، بالأضافة الى كونها احد الوسائل الاعلامية لبث الاشرطة التصويرية لهذه المجموعات في الذبح وجز الرؤوس والعمليات الأرهابية والموت الجماعي والدماء والأشلاء المتناثرة ، وأيصال صوت هذه التنظيمات الى العالم وبالتالي صيرورة القناة الأعلامية وسيلة وطريقة لتسهيل الأعلام المتطرف والمحاصر والمنبوذ ومنفذاً لتوصيل مايريد الى العالم عبر قناة الجزيرة الفضائية حيث لامنفذ آخر لهم.
ومن خلال مناصرة التطرف القومي فأن القناة وظفت حالها كوسيلة للدفاع ليس فقط عن الطاغية العراقي صدام وبث أحاديثه الصوتية باعتباره وفق وجهة نظرها يمثل رمز الحكم العروبي ، بل وعن بعض الأنظمة العروبية والشوفينية والمعادية لحقوق الأنسان دون غيرها ، وأرتضت القناة لنفسها أن تصير وسيلة مكنت المتعاطفين مع الطاغية الدكتاتور العراقي من العرب المخدوعين والمتطرفين العروبيين من أن يستخدموا القناة لصالح ذلك النظام أو التجمع تحت شتى الأسباب والذرائع ، وأنحازت القناة بشكل سافر الى جانب النظام البعثي والى شخص الطاغية ضد التغيير الحاصل في العراق حتى عدها أكثر العراقيين قناة النظام الساقط أكثر من القنوات التابعة للسلطة البائدة والمدافع الأول عن ضرورة أبقاء الطاغية العراقي ومحاولتها الدائمة والمحمومة في تشويه صورة الأحزاب العراقية والوطنية المناضلة ، والدس في الأخبار التي تنتقيها واللقاءات التي يقوم بها مراسليها والتي تمكنت من تطويعهم وشراء ذممهم وضمائرهم والأخبار المشوهة وأحادية الجانب في سبيل تعميق الفجوات وزيادة الكراهية و تأجيج الشرر والنار والحث على سفك الدماء وبث الفرقة القومية والطائفية والسياسية والعمل على توسيع الفجوة والشرخ بين العراقيين خدمة لسلطة الطاغية التي انهارت وأصبحت بائدة بغية الحاق اكثر مساحة ممكنة من الضرر بالعراق والعراقيين.
في نفس الوقت فأن الحكومة القطرية المشرفة على هذه القناة هي أحدى الدول التي مكنت الولايات المتحدة من القاعدة الأمريكية في قطر أن تنطلق طائراتها وصواريخها لضرب بغداد وتسهيل القوات المحتلة في الأنزال الجوي للقوات البرية في أحتلال بغداد والمساهمة في القضاء على سلطة الدكتاتور الذي انتهت فاعليته وتزعم سياستها الخارجية انها مع التغيير وتدعو الى مساعدة شعب العراق وتمكينه من الأستقرار وفرض القانون والأمن والوصول الى الحكومة الشرعية الدستورية عن طريق الأنتخاب العام.
كما أن العلاقات القطرية الأمريكية على أحسن حال ومتطورة وحميمة ، بل يمكن أعتبار أن قطر محمية من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل متميز في منطقة الخليج، ولايمكن لها أن تخطو أية خطوة الا وفق أستشارة حليفتها الكبيرة وراعيتها السياسية.
وأستطاعت قطر بجرأة واضحة أكثر من غيرها من الدول العربية التي تستحي سلطاتها من كشف علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دولة أسرائيل ، فبلغت الجرأة بالحكومة القطرية أن تتباهى برفع العلم الأسرائيلي فوق سمائها وعلى مقربة من قاعدة ( السيلية ) التي يرتفع فوقها العلم الأمريكي ليس بعيداً عن مقر منشآت البث العائدة لقناة الجزيرة القطرية.
أن في القناة خطاً سياسياً واضحاً وعلى جميع مقدمي البرامج ومعديها أن يلتزموا به ويصار الى العمل وفق منهجه ومن يخرج عن هذا الخط يتم الأستغناء عن خدماته، وهذا الخط السياسي يتناقض مع الخط السياسي القطري الذي يعمل وفق التوجهات الأمريكية والأسرائيلية المنفتحة على العرب شكلاً.
فكيف يمكن التوفيق بين خط الجزيرة وخط سياسة قطر؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن الحكومة القطرية تعهدت للحكومة الأمريكية بالمحافظة على بعض الشخصيات البعثية التي تم تسفيرها وأخلاء سبيلها من العراق الى قطر لأسباب لم تزل مجهولة وسرية لحد الان لم تتعرف عليها حتى القناة القطرية او الحكومة القطرية التي أستضافت زوجة الطاغية العراقي وبناته بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية والتي قامت الولايات المتحدة بتوزيعها على دول الجوار.
كما أن الحكومة القطرية سمحت لجميع البعثيين والمطلوبين للقضاء العراقي بالأقامة على أراضيها، والعمل على اعادة تنظيمهم وسمحت لهم بممارسة دورهم السياسي في حياكة المؤامرات والتنسيق مع التنظيمات الأرهابية والأتصال بالأسماء الهابطة والمتدنية السمعة من العراقيين والعرب وتوفير فرصة تجمعهم وتوفير الوسائل المادية والمعنوية من اجل أحداث أي ضرر ممكن بمسيرة الشعب العراقي وأعاقة خطواته الرامية الى أقامة الحكم الفيدرالي والديمقراطي وبدول الجوار أيضاً.
يقيناً أن الحكومة القطرية تعرف خطورة أن يكون تنظيم فاشي وشوفيني يمثل الولاء لطاغية أذل شعبه وأهان أمته وخان وطنه بالعمل في قطر، وتعرف خطورة أن تأوي بقاياه الهاربة من شعب العراق ومن لعنة التاريخ، كما تعرف يقيناً أن هذا التجمع خطر على نظامها الداخلي في قطر فمن خصال البعثيين عدم الوفاء والتنكيل بمن يقدم لهم الخدمات أو يتعاون معهم عند أول فرصة للغدر بهم والحط من مكانتهم والتنكيل بهم.
أذن ماالذي يدفع الحكومة القطرية أن تقدم على أيواء العناصر الفارة من شعب العراق وتتبرع من دون الحكومات العربية لتكون محطة للنفايات السياسية العراقية؟ وهل أن قطر حقاً ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في أقدامها على أحتلال العراق منطلقة من قطر؟ وهل أن قطر تتعاطف مع تنظيم البعث العراقي وترتبط بالرئيس السابق الدكتاتور العراقي بعلاقات خفية ربما يميط عنها اللثام وزير الخارجية المعني بهذا الملف؟
أو أن الحكومة القطرية متورطة من خلال سياسة الجزيرة التي فرضت امر قبولها بالواقع على أساس ماتحققه من شهرة في مجال الفضائيات، أو بما اعتبرته الحكومة القطرية نصراً سياسياً على بعض الحكام العرب المبتلين بخرقهم لحقوق الأنسان وخوفهم وخشيتهم من شعوبهم، ربما ستحقق لها سبقاً أعلامياً أضافة الى حماية قطر من التشهير وكشف وضعها الداخلي والتحدث عن الخلافات داخل بيت الأمارة والعداء بين الأمير ووالديه وأخوته على الحكم ومايدور داخل البيت القطري ودور المعارضة القطرية وخروقات حقوق الأنسان.
وماهو الدور الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية في قطر على ماتقوم به قناة الجزيرة الفضائية والمقترن بموافقة السياسة القطرية، والترحيب والتوافق الذي يصدر عن السلطات الأسرائيلية أزاء هذه السياسة الأعلامية التي تدفع مكتب التجارة الاسرائيلي لدعم القناة القطرية مادياً وفق ماصرح به مخرج سينمائي عراقي كبير.
ثمة أسرار لم تزل غير قابلة لأماطة اللثام عنها لحد الان، منها على سبيل المثال لاالحصر السبب في تعيين عناصر المخابرات العراقية الهاربة ضمن طاقم قناة الجزيرة القطرية دون أن يظهروا للمشاهدين، أذ يتم تعيينهم وأعتمادهم بصفة محللين ومشرفين على الـــبرامج ( ظافر العاني وشاكر حامد على سبيل المثال لاالحصر )، وأيصال زوجة صدام البائدة وبناتها وخدمها وأيصال المتهم محمد سعيد الصحاف وعائلته بطائرة أمريكية وأيصال المتهم سعدون حمادي وناجي صبري الحديثي ومحمد الدوري وبقية الجوقة الى قطر بحماية وموافقة امريكية .
وعلى ماذا تراهن الدولة القطرية؟ وعلى أي حساب تحسب المستقبل مع العراق؟ وهل حقاً سيحقق لها ظافر العاني حلمها في أن يصبح العراق تحت حكم الأمارة القطرية؟ أو أن يتمكن شاكر حامد من أستعادة عمله في جهاز المخابرات ورد جميلها أو لعل محمد سعيد الصحاف يستعيد عمله ويصحح خيبته في الأعلام ويذكرها بخير؟
وكيف يمكن أن يقتنع المحللين بصواب السياسة القطرية المتقلبة وذات الأوجه المتعددة تجاه العراق؟
فأذا كانت الحكومة تستمد سياستها من القناة فأن السياسة الأعلامية القطرية التي لم تخرج عن الخطة الامريكية والأسرائيلية في المنطقة بانت واضحة ومكشوفة في دعم الأرهاب وتمجيده بأمر وتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية؟ فأن كانت الحكومة القطرية هي التي تسيطر على السياسة الأعلامية للقناة فأن الأمر بات أكثر وضوحاً ودقة في تنفيذ مايشار اليها من تنسيق مواقف عمقها الأكثر دقة من سطحها الأعلامي الذي يذر الرماد في العيون ويقول بعكس مايعتقد من فعل تخطط له السياسة القطرية تجاه العراق سابقاً وحالياً.