كهانة السياسة وسجع البلاغة:


محيرة هي اللغة العربية، حين تقدم كل التسهيلات المجازة، كل قوادة التصرف والصرف اللاصحي، حيث لا فرق في الاضداد ولا فرق في الابعاد، طالما تتمكن البلاغة من سد الثغرة، وطالما ان الثقافة البصرية والحسية ملفوفة بمناهج التحجيب والاعماء، حيث كل شيء يستند الى رجرجة اللغة القلقة والقوالة الصاعقة..ففي اللغة تقيم ركائز الحقيقة حصونها، وسط عالم يخلو من براءة الذمة، عالم بني على غش العرّافين والفقهاء واللاعبين بالالفاظ، كما لو ان الالفاظ محتوى العلل والنحل والحقائق..وهكذا احدث هذا المؤمّن الساجع والراجز بالبيان نوعا من الاعتمادات المستغفلة، وهي تفرّغ النشاط الحسي كمقابل للاستدلال والبرهان، حين تسحب اللغة كدليل على غير دال كعالم مستقل بدلالته على ذاته، أي دليل صوغها وبنيانها بذاتها وليس دلالة لغيرها، فالهواء يدل على اللغة ولم تدل عليه، وسط مساحر وجذّابات ارتجاعية بدهتها سلطة العرافين، قادة الخداع الفقهي والبلاغي، الى الحد الذي ساد فيه منهج الشطارة الحكواتية وفضيلة الحيلة البيانية، ما جعل منهج الدلالة غير دال الا على الحبك البلاغي وليس الاستدلال الحسي والعملي والواقعي او حتى النظري والفكري، وهذا العالم قدم منذ سيطرت الخطاب الكهّاني حتى نزول القران، بما فيه من تلغيز ومشفرات ومساتير ومحجوبات، بالغت في عسرة الدلالة، كمنافس وتسابق لارث الكهانة اللغوي، وهو ارث الطاقة اللامعقولة، كمبحث في مجال البديع الكلمي، حتى ليبدو ان المجتمع القديم قادته انشطة سوريالية ولامعقوليات ادبية، اثرت احتكار اللغز حتى وان بدى فيه جمال السبك منتصرا على وظيفة الاستدلال ..
اثر هذا المقتضب نحاول تفسير اللجة الضميرية في خطاب النخوة السياسية المتاخرة، التي تقيم ضجيجها في الوسط اللبناني حيال الوجود السوري هناك، وكيف ان باده اللغة يسيطر على الحقائق الواقعية، من حيث هو اتفاق جمعي يعمل على التمويت الحسي الكامل ليدمر منهج الاستدلال، فيقيم بديله بديع الكهانة كدال على غير مدلول.... حيث تختزن اللباقة اللبنانية، وشطارة عالم استغرق اعلاميا الى الحد الذي محق كل جوهر او ثقافة او فكر لمصلحة المجتمع الاعلامي، في موازاة ثقافة القرويات التقنية، والانبهار المتريف بالاعجوبة الكهروسبرانية، مات الجوهر واصبحت الاشياء محمولات ثقافة اعلان واعلام مفرط، وهذا يشمل كل عالم الاستهلاك الذي يعاني من تشوه فاضل ومنهجي في مكونات تلقيه وانتاجه المواقف. كل شيء غادره، ولم يعد في مجال ذاته الا ما ابقاه من ارث لغوي كهاني، مازال يتصرف بالارتكاز والارتجاع القيمي للغة، وقد آثر ذلك في نسج مكون جامع من الارتجاعات البافلوفية الوضيعة، في حقل تقييسه ومفاضلاته دون ان يبحثها ويتفصلها ويتعرف عليها، فهي مجرد ركائز لغوية تشكل مجموعة قيود تعرفه على العالم، مع انها معمية مسيجة مغلقة، محاطة باثم المبحوث فيه، اذ سيكون جهلها فضيلة ومعرفتها رذيلة، لان الاعماء هو ارث الاثابة والاستحباب، وكل غامض او تغميض سيكون اكثر اثابة من معرفته، لان المعرفة هنا تقع في جانحة التشكيك، والاعماء يقع في منطقة الثواب، وهذا داب العقائدية، حيث الغائب ضرورة والإغماض ثواب.
ولما جاء المؤجل الديني كي يسيطر على المتصرفات والمجازات اللغوية، ويقحم فقهه المقدس في توصيف الوقائع، فان الغموض، ولا شك اصبح مضاعفا اكثر من ذي قبل، مع ان غير الدينيين تصرفوا بنفس موروث الغائب والغامض، ورجرجوا العقود السوية لوظيفة الاتصال اللغوي، فجعلوا الوقائع دلالة للغة وليس العكس، أي الكون معلب في كلمات وبيان وعرافة واحاجي كلما ازداد غموضها ازداد وضوحها المثاب. وهكذا فان الكهانة الدستورية المثارة على مستوى الضجة اللبنانية، هي ابنة الكارثة الاخلاقية والغياب المفرط للضمير العملي بقوة اللغة وارث الشفرات البلاغية، حيث تنقلب فكرة الحرية الى زنزانة، طالما اللغة بمقدورها ان تبين ذلك بقوة البديع!! كما هو يوم الحجاب العالمي، اذ نفس الاعماء والمسيج الداهم اللامبحوث، بحيث تقدم التجربة امما تحتفل بذكرى زنزانتها وقيودها وقهرها وتدافع عنه، بل وتجعله يوما كالايام العالمية المعروفة مثل عيد الشجرة والطفل والام، او عيد الحب"فالنتينو" ..الخ،،، اذ اقدارنا تضيف بديع اليوم العالمي للحجاب، وهو ليس حجابا بالمعنى العملي او البصري فقط، انما يتقايس مع ثقافة الغائب والحقيقة المحجبة والغموض قصدا، ناهيك عن كون هذه الحاجة مرتبطة بعملية تشبيع امتاعي لا اخلاقي، يشكل طقسا تحضيريا متواطئا بين الجنسين حيال العملية الجنسية، وهو نوع من الفياغرا المعنوية التي تنشط القابليات البيولوجية، حين تضع غموضها موضع تحضير الاستشواق والصيام والغموض!.. كل ذلك الفجور البلاغي قدم نفسه باعلامية المقدس والفاضل، فيما هو شيطاني وغير فاضل، لانه يقصد المدى غير السوي لفعل الطبيعة وواقعها بالفطرة، وهذا اهل المجتمع الى تقبل اللامدلول واللامعقول.
لناتي للقطيفة السياسية على ضوء تلك المدخلية السالفة، وبتعقيم من سحر البيان والبلاغة واللغة سنتعرف على الوجود السوري كما هو، وسنتعرف ايضا على نقض خطاب النخوة اللبنانية حيال التواجد الامريكي في العراق، من قبل مجموعات الارتجاعات اللغوية القائمة على "الامة والوطن والدين واليسار القضايا الكبرى"، وكيف يجاز هذا ولا يجاز ذاك؟ مع ان القياس الادبي والاخلاقي والمعرفي والحضري والدستوري يقدم لنا بونا هائلا بين الطرفين، حيث القراءة من بوابة الحقيقة تقوم على قراءة مشروعي كلا الدولتين وثقافتهما وانعكاس ذلك على اداءاتهما وسلوك جنودهما...الا ان مجتمعات الاسطورة تنفي الحقيقة دائما.
سندع منهج المفاضلة بين استعمارين مؤقتا، كي نعرف في منطقة التجريد، وعلى ضوء خطاب التلميع السوري، كما يصف هذا الوجود كضرورة داخلية للامن اللبناني، أي الاعتراف بعجز الذات على ضبط قدرتها على الادارة، في وقت خفت به الصراعات وعمليات التخريب، قياسا بما هو حاصل في العراق، هذا ان افترضنا ان الوجود السوري طاهر وبريء وملائكي لن يشارك عملية التخريب الممنهج للبنان..
استطاع فريق من اللبنانيين ان يبده تكريس القياس الوطني بمدى ميله لتاييد الوجود السوري، بحيث احيط هذا المبدا بثنائية المقدس والمؤثم، فساد خلاله خطاب الزلفى اللاكريمة، وارتجت مرتكزات الثقافة السياسية اللبنانية المحمية اصلا، بالخوف المسيحي وما يمثله من كوابح واقعية ضد شروط الاستبداد الفطري الذي تحمله الثقافة السياسية الاسلامية بعلمانيتها وتدينها، حتى ان الحرب الاهلية اللبنانية كانت حرب الاستبداد على الديمقاطية والحرية وهي البطانة الثقافية التي لحفت الحرب، حيث تمكن الدهاء البلاغي من ربط النازع العملي للديمقرطية بالمشروع الاسرائيلي فيما ربط الوطنية والتحرر والقومية بالرابط الاستبدادي عمليا ولاوعيا، فحدثت غرابة، تليق بما يهين هذا الخطاب، تقوم على ان مدافعي الحرية والديمقراطية عملاء ومدافعي الاستبداد وطنيون، وقد انتصر هذا المؤرث الادبي متساويا مع الثقافة السياسية والضميرية المحجبة في الوسط الاسلامي، حيث تدرجت واضطردت منظومة القيم، حتى استعادت نموذج القرون الوسطى ليمثل النموذج الانقى للوطنية الثورية، وقد استعاد فطرته وسويته، وهي سوية الزواج الكاثوليكي بين الاستبداد والمجتمع الاسلامي!!وهكذا اصبح حزب الله مرتكز القيم الوطنية، وهو يعيد المقاربة لمكانها، ويدمر غربة التمدن والديمقراطية والحرية، تحت بديع لغوي يقوم على المقاومة الوطنية والاثم الاستعماري الاسرائيلي، فيما ساق هذا المنطق تتويجا للاخوة الثقافية وهي تعتبر الاستعمار الاخر(السوري) ضرورة وطنية لانه يمتثل للمقاربة الضميرية والوجدان الثقافي المؤرث، حيث الاستبداد شقيق، والديمقراطية غريبة اجنبية فيما الحقيقة تكرس ان الاستبداد الذي اعتاد معرفة القانون كامزجة واهواءا طائشة لا يفرق بين الوطنية والاستعمار، بينما هذا التفريق موجود لدى الديمقراطيات، لانها تقوم على التفصيل المعرفي والقانوني والدستوري، لانها لم تخضع لتنويم او تخدير عقائدي، وهذا لا يمكن منحه صفة المصادفة، أي ان تكون اسرائيل ديمفراطية وسوريا مستبدة، او اميركا ديمقراطية وسوريا عكسها، كمقايس في الوضع العراقي، اذ لسوء الحظ( دعنا نفترض) هكذا هي المعادلة، حيث لم يكن هناك أي مبدا لرفض الاستعمار بل هناك خيار بار وخيار اثم، وكلاهما ينطوي على منهج تطبيقي وعملي، حيث يقبل المستبد ليكون وطنيا ويقاوم الديمقراطي ليكون مستعمرا..هذا هو التصادف الذهبي غير البريء مما هو معتمل في الجوانيات الثقافية والمعرفية، والحال نفسه مع الاستعمارات السوفيتية السابقة ونظمها الاكثر هوجا دمويا وقمعا، ما يكرس حقيقة ثابتة لا مكان للبلاغة في اعمائها، وهي ان هناك توامة بين الاستبداد والوطنيات الذاتية وطلاق بين الديمقراطيات وهذه الوطنيات...وهي وطنيات مغفلة جاهزة للعبودية وتقبل فكرة المحتل البار، لانه يدافع عن شرعية تصرفها كحاكم يغزو بلاده ويقمعها، فيما ديمقراطيات الاستعمار لا تحقق لها هذا الطموح المطلق، لذا تتصرف كعبد في شعار التحرير والاستقلال، وهي تسوق مفاضلة بين استعمارين...بينما دول الديمقراطية ترفض توصيفها كمحررين لبلاد من حكم طاغية، وتقبل بكونها محتلا ومستعمرا، كما هو حال اميركا في العراق او اسرائيل في لبنان، لكن سوريا المدججة بالاقبية والكرابيج واغتيالات والنهب والمخابرات تعتمد المنهج البلاغي لتكون محررة وعاتقة...ويا للحرية..لاسيما تتعامل مع الم الاخر كما تعامل الرب مع اضحية ابراهيم، ومع هذا فالرب رق وسوريا او امثالها لا تبدل الذبيح البشري بالكبش، بل تجاوزت على حدود الله في امكان تقبل الم الاخر تحببا بالمثال، مع ان دول الاستبداد لا تملك حتى ماثرة مافيا فاي اعجوبة تجعلها تتصرف مع الم الاخر بتعويض بياني وبلاغي، كما هي حال مثيولوجيا القربان؟
اثر سجال طويل خاضته المسيحية البطولية، بطريقة أوحت بكبرياء وطني كريم ازاء تحالفاتها مع اسرائيل سابقا او سوريا او موقفها المرتجع للذات الوطنية، في كل علاقة مع الخارج، بحيث لا تخضع هذه العلاقة لمنهج ايديولوجي عقائدي اعمى، بل لبرغماتية واقعية، خلخلة خطاب الزلفى والتملق، وجعلت من التقلب نزوعا اخلاقيا ومبدئيا، لان المتقلب خارجي فيما الثابت ذاتي ووطني، وهذا انقذ خطاب الوطنية من الإغفال البلاغي او التنويم الحسي، فيما يخطو خطاب الثقافة السياسية الاسلامية خطوات اعمق في العقائدية السياسية، جاعلا من خيانة الذات مبدءا وقيمة وقاعدة، يقاس منها كل موقف، الامر الذي تجلى بصورته المثلى خلال التصريحات التي اطلقت حول الموقف من سوريا، بحيث سيق مبدا الاحتلال كقاعدة وطنية، محكومة باضفاء لغوي وبلاغي يبرر انقلابه ويسوقه على غير وقائعه وصورته، في وقت يتصرف هذا الجمع مع السياسة كنزوع عقائدي ايديولوجي، وهذا يرفع سقف المبادئ من ناحية براءتها وحيادها وبنفس الوقت يرفع سقف انتهازيتها وانتقائيتها وخيانتها، لانها محكومة بالتخدير النظري المحجب في الحالتين، وكلاهما غير آمن، وعلى هذه القواعد تفقد القيم مفاضلاتها التنموية والحسية ليكون الخيال والتفاضل البلاغي بديلا عنها..ما يجعل الاستبداد والاستعمار مركزا للقيمة والوطنية فيما يكون الاستعمار هو مفاضلة بين استعمار بار واثم، وهذا يدمر قاعدة القياس المبدئي لفكرة الاستعمار ويعطيه شرعية جزء واثمية جزء اخر، وحتى سيكون البحث في الشرعيتين مقبولا اذا قبلنا مبدا الاستعمار المعين والمساعد على اساس محتواه الحضاري والثقافي والتنموي، وليس على اساس انقلابي يقوم على المفاضلة بالاستبداد والقمع والقهر، بحيث تصبح هذه القيم هي المخلص الاعلى وتصبح قيم الحرية والديمقراطية ضربا من الاستلاب والتخريب والاذى!!
هكذا تبدو صورة الاستعمار البار، كتوام مع المحق والمحل والتفريغ الانساني، فيما تكون صورته الاثمة والاجنبية بقدرته على تقديم التمدين والتحضر والتنمية والحياة الدستورية التي لا تحمي ثقافة الاستبداد والطغاة ومتصيدي فرص الاباطرة والعرافين وفقهاء العبوديات.
يتحدث الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله بزلفى مبادئية حتى المبالغة، بحيث تمنع على السوري اتخاذ قرارا بانسحابه من بلاد غير بلاده، وتقيم قواعدها البلاغية، عبر نحل ومركبات معقدة في الخطاب تتصل باتهام سوريا بخيانة العهد ان هي انسحبت وانهت احتلال البلاد، أي تقديم الحرية والتحرير كخيانة، وفي لغة اقرب لحكائيات عجائز اخر الليل، التي تقارب تشويش مقياس عقول الاطفال، يعيد ذلك لاسباب امنية تتعلق بالسلام الاهلي، معتقدا ان تصور ربطه للسلام الاهلي بالوجود السوري، بما يلاصق ثقافته السياسية وسكونه السيكولوجي الامن، اكثر تاهيلا للوطنية المصابة بهلع داخلي من فريق وطني اخر تصرف بنفس الرابط النفسي مع الوجود الاسرائيلي سابقا، مع ان المقارنة بين المحتويين، استنادا للمفاضلة الديمقراطية والحضارية ستكون لمصلحة اسرائيل اذا قورن منهجها ومشروعها وسلوكها قياسا للتوحش والهمجية والخراب في مشروع الاستبداد السوري، واذا كان للمفاضلة مشروعية فان كفة الميزان ستكون لمصلحة الاسرائيلي مقابل الذات المدوخة والمفرغة للمشروع السوري الذي لا يملك رسولية بنائية غير القمع والردع والارهاب، البحاجة للتعرف الى ذاتها او ادارتها قبل ان تفكر بادارة الاخر، اذ لم ترتق هذه الدول للفضل الحضاري على الاخر فتتصرف مع قصوره باعتبارها مكملا ومديرا وتبشيريا بما لديه من قحل وقصور وخراب داخلي، حيث لا تقوم رسولية على التبشير بالقمع والخراب والقحل، ولا يحق للرمال ان تبشر بمشروعها للواحات.
نصر الله نموذج لخارطة التشويش البلاغي المترجرج على ثابتياته اللغوية ومرتجعاته المسيجة، ومنذ ان امن بمنهج المفاضلة العقائدية فانه اعمى كل جوانب المفاضلة الاجتماعية والتنموية الداخلية، واصبح ككل المناهج المؤجلة والمهجرة الازمات، تقوم على جوانيات استنسابية، اكثر اقترابا من القيم القبلية منها للمفاضلة الاصلاحية، وهكذا فان التدخل السوري يحتسب من تلك النسبيات القبلية او الايديولوجية المغطاة بالتخدير الحسي والتنويم العقائدي، المحضر سلفا للاضحية والقربان، بحيث يتقبل الالم على المسرة، كمصدر للقرابة من الحقيقة، لان المسرة نفيها، كما تؤرّث قاعدة الفكر القرباني التضحوي، شبه المازوشي، وهو في سكرة الامتاع والاستمناء الايديلوجي غير الحسي والواقعي..خارطة هذا النموذج المتبرج علنا بهذا المنهج غير الانساني، طالبت العراقيين سابقا بتقبل اعتى طاغية في الارض، أي طالبت سكان القبور ومجتمع القتلى على تقبل فكرة قاتلهم وجلادهم ومشروع دفانهم، وهي فكرة تحتاج لمجتمع ملائكة او على الاقل لعشرين مليون مسيحا!!ثم سحب منطق القوات اللبنانية، الاكثر تبريرا ومنطقية منه، الى ذاته ولم يحقه لهم، أي مفاضلة الاستعمارين :السوري والاسرائيلي، واعتبر النصف الاول للمقاومة مشروعة في وجه الاولوية الاسرائيلية، لما فيها من سحر بلاغي واعلامي يتواءم مع المقدس الجمعي وثقافة الاستنساب القبلي ومفاضلاتها في الايديلوجيا التضحوية، كمواد خام لفكر الاستبداد، لا التنموية والحضارية، وهكذا فان منطقه حيال اعتبار الوجود السوري نوعا من الذات الوطنية اللبنانية، لا يختلف بالمبدا من منطق الاخر ممن تحالف مع اسرائيل، مع ان الاخير كان حلفا وليس عقيدية ايديولوجية، محكوم بمساحة الاحلاف والمنطق الاضطراري الملزم للديمقراطية فيما منطقه ملزم للاستبداد، نظرا للمحتوى السوري الداخلي وتجربته الوطنية في سوريا، ومن هنا يكون التقيبس الديمقراطي لمصلحة خصومه اسوة بالمشروع الاسرائيلي الداخلي، ودستوريته الدولية واحترامه النسبي لحقوق الانسان قياسا لمحق هذه الحقوق سواءا في السجون والمجتمع المدني من قبل النظام السوري او لجهة المعلن الدستوري المتخلع في طغيانه وقمعه...اما ثنائية منطقه المزدوج لجهة اعتبار مطلب المجتمع الدولي تدخلا في الشان اللبناني، فهو منقوض اصلا في مواقفه وسلوكه، لان الشيخ نصر الله هو مجموعة تدخلات بشان الاخر اسوة بشرعيته العقائدية لا الدستورية، وهذا ما يتجلى بموقفه من فلسطين وتدخله الدائم في شؤونها الى جانب تدخله في الشان العراقي والايراني لجهة مناصرة فريق على اخر كذلك الروابط السرية مع شتى مجموعات التخريب في العالم، أي انه مع ايديولوجيا المحافظين ضد المنفتحين، فكيف يقبل اعتبار التفاهم الاميركي العراقي ليس شانا عراقيا فيما يعتبر جيشا لم يبق الاخضر واليابس يحتل بلاده شانا لبنانيا، في وقت ان نصف الافرقاء يرفضون هذا الجيش، ناهيك عن النتائج العملية لهذا الرفض والقبول، حين يتخذ بعدا طائفيا وليس وطنيا، وهو امر يدل على اولوية العقيدة على عقيدة الوطن، ما يجعل المقاومة ذات تحميل عقائدي وليس وطنيا، وهذا يجعلها بمكانة دعائية اعلانية اكثر منها حوهرا مطلبيا وانسانيا، أي دعاية لعقيدة او بلد عقائدي وليس هما وطنيا، كما يشاع.
بغض النظر عن الباده الازدواجي السائد والمعروف، فهناك مشكلة كبرى هي اساس الازمات والمشاكل، تتجلى بكثرة الاعتماد على الخدر البلاغي الموشوش للوظيفة اللغوية، بحيث تتحول اللغة عاطلة عن الدلالة كعمل، محكومة بازدواج وانتقاء يخرب فكرة العقائدية نفسها كمنهج شمولي غير انتقائي او ذرائعي.
المنطق المقلوب بين لبنان والعراق يفيد باخطر اشكالية اخلاقية وادبية وقيمية، فلبنان تتشكل مطالب الجزء المنتصر في وطنيته، في هيئة طامحة للاستبداد منذ حربه الاهلية وتدمير ديمقراطيته في حدها الادنى، حيث تلتها ديمقراطية تخويف الغرف المظلمة وسيطرت خيال الاغتيالات والمليشيات المسيطرة، التي هي الان الوجه المدني لجنرالات الحروب وتجارها، انها صناديق الاكراه وليس الاقتراع!!ولعل المطبخ الخلفي لهذه الديمقراطية المعلنة هو انظمة المخابرات والاقبية والتخويف ورسوليو الاستبداد، والاهم في ذلك ان الجيوش المتدخلة في لبنان، كانت تقيم محمولاتها على ثقافة البالونات البلاغية، من وطنية وقومية واسلام ويسار وشتى الارتجاعات البافلوفية الفراغية، وكل هذا المتدخل لم يات لدولة استبداد بقيم الديمقراطية انما جاء بقيم الاستبداد لديمقراطية الحد الاقصى، في منتجنا ومشتركنا الثقافي الواقعي، اسوة بما وجدناه من تكتلات التاريخ الذي بقي مؤجلا الى ما لا نهاية، وحتى اشعار اخر!!كانت رسولية الاستبداد تقوم على تحميل ثقافة دول "الضباط الاحرار"، متجلية بنموذجها التوام: منظمة التحرير الفلسطينية، التي تفوقت بفشلها وفسادها وتوحشها وقمعها على الانظمة الام، وكانت الترميز غير الخجول لتلك الانظمة، بحيث جسدت الجزء المحجب في تلك الانظمة الفاسدة، وهكذا كانت ليبيا وسوريا والعراق وافكار الناصرية واليسار الكرنفالي كلهم، يحاولون تجنيس لبنان او اعادته لثقافة المنطقة، ومنعه من الاغتراب في فكرة الحرية والديمقراطية، لانهما غريبتان على ارثها . اما في العراق فان العكس يحدث، حيث نظام الاستبداد القديم لا يفرض الا نقيضا طبيعيا ونقديا وهو الديمقراطية الاجبارية، ولعلها ستكون عرضة لنقد الوطنيين ضد تغريبها واجنبيتها، كما في لبنان، وهكذا يسجل الاستبداد حنينا وطنيا كمحتوى لدول الوطنيات، فيما الديمقراطية محتوى غريبا، وهو حقا كذلك، وهنا تسجل ثقافتنا السياسية طلاقا فاحشا مع الديمقراطية لانها عنوان خيانة وغربة واجنبية قاطعة، كما تشكلته وطنية مجموعات خليعة متبرجة بمثالية الاستبداد والطغيان، الى حد تمكنت من خلق توامة بين الوطنية والقمع وبين الديمقراطية والخيانة فالكفر والتنكر الطبقي!!!
اذا نقايس بازمة التدخل الخارجي فان امم السيارات والطائرات والتقنية هي من يشكل تدخلا في وطنيتنا، وعليه ينبغي توخي الصدق وعدم الخروج الا عراة للشوارع، لان الحجاب الديني ذاته، تتفاخر عبره محجباتنا، حيال صناعته في لندن او باريس، اما رسوليتنا وتدخلنا فهو في ادارة الازمة الجنسية والطهارة والنجاسة ويوم الحجاب العالمي، ناهيك عن حروب الغدر الجبان، التي تشكلها مجازر الارهاب وتوظيف السلم والحقوق والديمقراطية لتهريب ادوات التخريب والموت والقتل، ناهيك عن تسميم البيئة الاجتماعية بالمخدرات التي تنتجها ( ويا لغربة الصدفة) كل دول ومعاقل الاصوليات الاسلامية" لبنان، افغانستان، ايران.. "، هذا التدخل برسوليته غير المشرفة في الحقل الانساني لا يمثل اضافة محترمة ومبدعة على الوجود، بل تدمير له، لانه يحمل الشق المضاد لنواميس الحياة، أي خطاب الموت والابادة والتحجب والامية البصرية، والانتحار الحسي بالعقائد التي لا تملك غير لغة غير دالة بلا عمل او وظيفة... ولا تملك مصداقية مبدعة لامكانات التجريد الصوفي او الرمزية التاملية. لا اجد والحالة هذه الا الاشفاق على عالم يقايس بقدرته على الموت والخراب، معوما منطق المكابشة في سلم التحديات غير اللازمة، التي استغرقت الى حد الكوميديا بعنصرية رعنة، استدرجت الى مفاضلات انسابية قبلية، مفرغة الجزء الوجودي السوي لانسانها، وهي تعيده لفكرة في خيال وملحقا في لغة، لان قادتها من عرافة وكهانة وفقه خادع احتكروا او درجوا على احتكار اكل الهات التمر لوحدهم، الامر الذي جعل الاسطورة بدل الحقيقة والطوطمة بدل الواقع والشعوذة الدموية بدل الدين .
الاستعمار السوري البار، لا يملك سوى تقديم يدائله للبنان، وهي بدائل يمكن قراءتها من الشارع السوري نفسه، في السجون والكبت والخواء الانساني والتعذيب الوحشي والاذلال المنهجي للناس، ثقافة الزلفى والتملق في ايقاعات يومية تتناغم على ميلوديا الخوف الذي بات توام المواطنة، فيما تاريخ سلوك هذا الجيش وحكم المخابرات في لبنان، كان اسوء من ضباع تجتمع على فطيسة!!لم تبقي لا جلدا ولا عظاما ولا بقايا بقع الدماء على تراب الجريمة..والتفاصيل مفزعة، فاي رسولية معينة قدمها هؤلاء للبنان غير انهم جاؤوا في مهمة محددة ومنطقية تقوم على القضاء على الحرية كي تتماثل هذه البلاد مع وضعهم الداخلي، وهذا كما يبدو مكان الشبه بينهم وبين زعماء الثيوقراطية وطغاة العلمانية الهوجاء، لان الحرية تفقدهم الزعامة على نعاج ضالة!!!!افهمت على الدوام بان الحكم والسلطة مصادر قدرية للبطش والقمع والارهاب..انه لامر يثير ضرورة وجود مشافي جماعية للتمرين على الحياة بمعناها العجماوي وفكرتها الحسية عند ادنى الحيوانات، وذلك لاستعادة القدرة على تفريق الالم من المسرة، حيث عالم من مئات الملايين فقد القدرة على تمييز الفرح من الحزن والموت من الحياة!!انه عقد خطر سيشكل في مستقبله اشبه بالجراد البشري الاكول منقضا على المتبقي من الحضارة والسلام، وهذا يتطلب صدمات واهتزازات زلزالية تخلخل سيطرت القوة البلاغية والخيالية على الوقائع وتعيد الغباء البصري بمعناه الساذج الى عيون تعلمت ثواب الاعماء على ياطل النظر.. في حومة هذا العالم سيكون علينا البحث عن توكيدات غير قابلة للنقض، وهي التاكد من ان الجريمة تتبادع وتتفاضل وتتسابق الى الامام، فكل امس اقل جرما من الغد، هكذا هي نتائج امم تعتبر حروبها من اجل الاستبداد مصيرا قدريا ووطنيا، واني لعلى ثقة لو ترك الغارب لامثال مقتدى مثلا لاصبح صدام هاو في عالم البطش والجريمة!! والعجب ان لا تتسابق الجريمة نحو الاقذر وسط بيئة وقحة وصلفة على عبادة الاستبداد وتخوين الحرية.