حيوية و سخونة المشهد السياسي الداخلي في الكويت ، و إزدياد حالات التشابك بين السلطتين التنفيدية والتشريعية لا تشكل علامة إحتراب داخلي أو حالات توتر عنيفة ، بل تعكس بصورة أساسية طبيعة الحراك السياسي المرن والساخن في هذه الدولة العربية الصغيرة التي إستطاعت رغم العديد من العوامل الجيوبوليتكية المزعجة أن تتصدر الأحداث وأن تظل على تماس مباشر وفاعل مع الخيار الديمقراطي منذ أن إختار الكويتيون طريقه بعد إستقلالهم التام عام 1961 ، فالكويت الرائدة ديمقراطيا كان سر قوتها الأساسي وصمودها بوجه المحن والأزمات والتحديات والأطماع الشرسة الحاقدة هي ديمقراطيتها التي قد تصل ( لسعاتها ) أحيانا لمسافات مخيفة ولكنها تبقى ضمن إطار البيت الواحد والأسرة الواحدة ، وكل من يعمل في الحقل السياسي يعلم أن الظروف الداخلية تؤثرعليها في كثير من الأحيان التأثيرات الإقلمية والدولية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، والكويت بإعتبارها تعيش في قلب العالم الحديث وعلى تواصل تام ودائم معه تتعرض لمؤثرات وعوامل ضغط معينة قد تساهم في خلق حالة من التوتر إلا أن التوازن الداخلي سرعان ما يتغلب على كل الأعاصير مهما كانت قوتها التدميرية ليضبط المعادلة السياسية ويقولبها وفق إيقاعات متناغمة لا تؤثر على درجة التلاحم الوطني بشقيه الشامل أو الطائفي ، ولعل أجمل ما في التجربة الكويتية هو شفافيتها وصراحتها المطلقة في التعامل مع الأزمات و تشريحها على طاولة الحقيقة والمكاشفة والشفافية وهم أصحاب الريادة في هذا المجال ، والديمقراطية كما هو معلوم ليست مجرد حالة ترف مجتمعية وسياسية بقدر ما هي مسؤولية أخلاقية وحضارية وهي أيضا هم كبير لرجل القرار ورجل الشارع على حد سواء ! ، فليس مهما إقامة الديمقراطية أو الدعوة إليها ، بل المهم أساسا هو الحفاظ على زخم التطور الديمقراطي وتطويره بما يتناسب والحاجات الإجتماعية والسياسية المتغيرة والمتجددة ، فالدستور الكويتي الصادر عام 1962 كان واضحا وصريحا ومعبرا عن تطلعات الشعب الكويتي ، وحالة متقدمة من الإرتقاء السياسي في زمن إتسم بشيوع الأنظمة الشمولية والعسكرية والمحافظة وكانت الكويت شعلة تنوير مستقبلية واعدة كان يراها البعض حالة مؤقتة ، وكان البعض الآخر يراهن على إنطفائها بينما كان الكويتيون في غاية الحرص على شجرة الديمقراطية الوليدة رغم الأزمات التي تثيرها بعض الإتجاهات السياسية أو القبلية أو الطائفية ضمن المؤسسة التشريعية ، وهي طبيعة تعودها الشارع الكويتي ويقف أمامها رجل القرار بصبر وتأني ودبلوماسية تثير التأمل والإعجاب !.
لقد كانت مرحلة ما قبل الغزو البعثي العراقي مرحلة صعبة وحساسة بسبب الظروف الإستراتيجية الرخوة والتحديات الأمنية الكبيرة والتي أدت لحل ( مجلس الأمة ) اعوام 1976 و 1985 وكانت المنطقة برمتها على فوهة بركان ثائر لا يعرف أحد متى يقذف بحممه ليصهر الجميع ! وبرغم حل المجلس وتعطيل بعض مواد الدستور لم ينقطع الحوار ولا التواصل ولا التلاحم المجتمعي ، ولم تشهد الكويت كغيرها من دول العالم الثالث ( سيادة عصر الإرهاب ) والإعتقالات التعسفية وسلخ الجلود وجدع الأنوف ! بل كان التوازن سمة الموقف وكان الهدف المركزي من كل الإجراءات الإستثنائية هو حماية الكويت من ألاعيب المتصدين وما أكثرهم ؟، ولعل من إيجابيات الغزو الغاشم ( إن كانت له إيجابيات ) هو تعريف الكويتيين بمدى أهمية وطنهم ومدى القوة والحصانة التي يكتسبها الوطن الصغير من خلال الديمقراطية وإفساح المجال لحرية الرأي ، فإنتصرت الكويت الشعلة الحرة ومنارة الإنفتاح في الخليج والعالم العربي على المشروع الظلامي الهمجي التقسيمي البعثي ، ونزعت عن جلدها كل بثور وقشور وتشوهات الفاشية البعثية وإلتف الكويتيون جميعا حول شرعيتهم الدستورية ، وكان مؤتمر جدة االتاريخي في أكتوبر 1990 ولادة جديدة وناضجة وراسخة للكويت الحرة التي يتساوى فيها السني و الشيعي والحضري والقبلي ، والعتيبي والعازمي والمطيري والشمري والهاجري والدوسري والظفيري والخالدي والمهندي ، والعربي والفارسي ، كلهم أعلنوا ولائهم للخيمة الكويتية وسلموا زمامهم للنوخذة الماهر وجميعهم أنشدوا ( الهولو ) على ظهر سفينة العودة التاريخية للوطن الحر، وإختلطت دماء سنة الكويت وشيعتها في ملحمة المقاومة الوطنية الشاملة للغزو والضم والإحتلال .
لن تندحر الديمقراطية في الكويت ، ولن يعلوا أبدا فحيح الطائفية النتن ، ولن يتخلى الكويتيون عن وحدتهم الوطنية ولا عن شرعيتهم التي تقف اليوم في صبر جميل توجه دفة السفينة في ظل واقع إقليمي ودولي عاصف ومتلاطم ، وتهديدات إرهابية تعلمت الكويت عدم الإنحناء لها والخضوع أمامها ...
إنها ساعات الحقيقة الكويتية على أعتاب ذكرى الإستقلال والتحرير ... ويبقى للبيت رب يحميه ! .

com.dawoodalbasri@hotmail