اليوم، واليوم فقط، وبعد حفنة من السنين، بعد أن غابت وجوه مشرقة وأجساد طاهرة، ضمائر حية وأفكار إنسانية في أقبية السجون، بعد أن مات من مات وقُتِلَ من قُتِلْ، بعد الثورات والإنتفاضات والإحتجاجات وآلاف المقالات والقصائد، بعد الموت والخراب من أجلها، حصلت عليها في زمن الموت الخراب.
اليوم، واليوم فقط، قد حصلت على بطاقتي الإنتخابية، اليوم قد أصبح لي صوت، أصبح لي حق الإنتخاب.
ترى ما ثمن هذه البطاقة اللعينة التي أُقلِّبُها بين أصابعي اللحظة؟
ملايين النخيل؟
ملايين الشبان من أبناء جلدتي؟
أخوتي، أصدقائي، أبناء جيلي
وهم يستنشقون أنفاسهم الأخيرة ممزوجة بتراب المقابر الجماعية؟
أطفال العراق بجوعهم وأمراضهم المزمنة،
بموتهم، بموت تلك الحدقات الجميلة؟
ملايين الأمهات الثكلى؟
روح السياب أم لوعة الجواهري؟
دم البريكان أم روح الحيدري؟
دموع الجائعين أم سيول الشحاذين؟
غربة العلويّ أم حرقة شيخ الشعر إبن يوسف؟
جفاف الفرات .. المطر الأسود .. أم الكفر من ظلمٍ بالحياة؟
تَغيَّرَ من أجلها التاريخ.. حرب على البوابة الشرقية، وأخرى في أسفل الخارطة .. أنفاق ودهاليز .. أجساد بشرية تنهشها أنياب كلاب .. رصاص في كل مكان، في المدرسة والشارع وأجساد الشبان .. عقول عفنة أصبحت تكنى بالسطان .. إحتلال وإنتهاك .. موت يومي .. سيارات مفخخة يقودها من لفظتهم رياح البطون العفنة على أرض البلاد .. مرتزقة الجلاد الذي أصبحوا مشايخ وأسياد .. عملاء .. مأجورون .. مزورون .. لصوص متآمرون ...
دعوني أمزق القائمة وأكتفي بهذا فأنتم خير مَنْ تَعرِفُونْ.
ترى من يملك ثمن بطاقتي الإنتخابية .. هل هناك من يفكر في شرائها؟. لقد قرأت وسمعت بمن يحاولون الشراء، وهئذا أقول:
" من يملك ثمن بطاقتي فليتقدم بكل شجاعة ويشتريها " !!
" مَنْ يملك نصف ثمنها فليتقدم لشرائها " !!!
" مَنْ يملك ربع .. جزء .. مثقال ذرة من ثمن بطاقتي فليتقدم ويحصل عليها "!!!!
سأمنح صوتي بعد أيام على الرغم من أني لا أعرف لمن سأمنحه، فلقد عجز هذا الكون من أن يمنحني اسماً واحداً يمتلك مثقال ذرة من ثمن بطاقتي، سأصوت، سأنتخب وأمنح صوتي للعبتي التي كنت أمارسها وأنا طفل، سأتقمص طفولتي وألعب على قائمة الأسماء الإنتخابية لعبة ( الحاس باس )(*).
سأدخل القاعة الإنتخابية وأمنح صوتي نكايةً بكل العقول العفة التي وقفت بقنابلها وسياراتها المفخخة ورصاصها كي تبخس ثمن بطاقتي الإنتخابية.

[email protected]

(*) لعبة شعبية عراقية، يستخدمها الأطفال في إختيار شئ من مجموعة أشياء، فيقول الطفل الذي عليه أن يختار الشئ وهو يؤشر في سبابته على الوحدة الواحدة والتي تليها وبالتوالي: " حاس باس .. يالعباس .. حاسيته وباسيته .. ومن الزهرة أم الحسين طلبيته ".