تملكتني الدهشة حد الرعب والقهر وأنا أقرأ سطور مقالة الأستاذ أحمد أبومطر في "ايلاف" أمس (الجمعة) حول تفاصيله الإضافية عن قضية الجاسوس الفلسطيني عدنان ياسين لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي ، وهو مقال يستحق القراءة والمتابعة بل والتوقف مطولا حول ماجاء فيه ، وهو في السياق يعكس مرارة الواقع الفلسطيني وتركة عقود من الخيانات المركبة لكبار القادة الفلسطينيين اذا ماجازت تسميتهم بأنهم قادة.. وأعترف أنني قرأت مقال الأستاذ أبومطر مرارا وكنت أخرج بتساؤل وحيد بعد كل قراءة ترى لو لم تصل المخابرات التونسية الى خباثة عدنان ياسين (بإنتظار ماسيقوله هو ذات يوم) ماذا كان الحال اليوم؟! هل كان الرئيس الفلسطيني الراحل ينوي مراقبته أو سجنه أو اعدامه الجواب لا، فالرئيس عرفات الذي قضى نتيجة الخيانة من مرافقين عملاء في مقاطعته بدس السم في طعامه، لايستحق سوى طلب المغفرة له على ذنوب وآثام نكتشف منها المزيد يوميا وقبل أن أتحدث عن هذا الأمر تحديدا هناك مسألتين غاية في الأهمية الأولى أننا نقول سامحك الله ياعرفات فالخزي يملأ عيوننا ويدمغ جباهنا من التاريخ الفلسطيني، والثانية أننا على اليقين ذاته بأن لجميع الأنظمة السياسية سقطاتها وعجرفاتها لكن السقطات الفلسطينية مدوية وصارخة، بل لاأتردد بالقول أنها مخزية.

ولأنني لاأتذكر لعرفات أي صفات شخصية إيجابية يمكن للإنسان أن يسطرها فسأقفز عما هو شخصي للكتابة عما هو سلوكي وأدائي وهي أدوات كانت بالمحصلة ملازمة لشخص ارتبط اسمه بالثورة الفلسطينية الحديثة كرمز لها وليس كقائد سياسي أو عسكري ، فلا أدري سببا مباشرا جعل عرفات يختار أكثر من ستين مستشارا في مكتبه وهم غالبا لايستشارون وانما ينهبون أموال الشعب الفلسطيني، حيث أقال الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس (أعانه الله على تركة عرفات) خمسين منهم ولاأدري سببا للإبقاء على نحو عشرين منهم، فمستشارين عرفات لازالوا يجوبون فنادق وعواصم العالم باذخين، فقبل أيام قليلة أشار لي رجل أعمال أردني الى شخص متدلي الكرش وغليظ الشاربين يتزعم مائدة عامرة بمالذ وطاب في أحد أرقى الفنادق الأردنية والى جواره العشرات من السياسيين الأردنيين ويعلو صوته في شرح الصد الفلسطيني المتكرر لحكومة شارون، قال لي صديقي أنه مستشار لعرفات ويحتل الطابق السابع في الفندق كاملا منذ وفاة عرفات في نوفمبر الماضي لأنه في مهمة رسمية للسلطة الفلسطينية التي تتكفل بمصاريف الطابق الفندقي الذي يتكلف في الليلة الواحدة زهاء الخمسة آلاف دولار أميركي عدا الموائد والسهرات التي يقيمها المستشار كل يوم، والى جانب ذلك نسمع المسؤولين الفلسطينيين يتحدثون عن الصعوبات التي تواجهم في دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية ، إذ لاتساوي تلك الرواتب مجتمعة تكاليف اقامة المستشار وموائده في الفندق الأردني الذي يجد في المستشار الدجاجة التي تبيض ذهبا.
الخيانة الفلسطينية في مقالة أبو مطر والطيش المالي للمستشار في فنادق الأردن تحتم على الرئيس الفلسطيني الجديد أن ينتبه بجدية متنامية خلال مقبلات الأيام وعليه أن يسيل الدماء ويقطع الرؤوس ولاينتظر إذن المفتي لأن العمالة للمحتل الإسرائيلي شئ مخزي ومحبط ومؤلم، ونهب الأموال الفلسطينية وتبديدها بداعي المهمات الرسمية للمستشارين اللذين لالزوم لهم أساسا في مكتبه أمر أشد إيلاما، فالشعب الفلسطيني الحر والسيد أثبت منذ القدم أنه مستشار نفسه وسيد حاله فلالزوم البتة لمحمد رشيد أو ماهر الشلبي أو نبيل أبوردينة فمادامت لديهم تطلعات واهتمامات استثمارية فلينموها بعيدا عن المناصب وأن يتركوا للشعب الفلسطيني مداواة جرحة وتقرير مصيرة بدل التذرع والنياح والنباح بأزمة الشعب الفلسطيني الخانقة.
وبصوت الرجاء والحب والإعتدال أقول لأبومازن إنتبه أنتبه إنتبه وان لم تنتبه فسنجدك عما قريب تداوى في مستشفى بيرسي العسكري الباريسي من داء غامض.

صحافي أردني
[email protected]