1. عفيف الأخضر
كتب الكثير عن استشهاد رفيق الحريري وسوف يكتب عنه ايضا في المستقبل وان اغتياله واحدة من الجرائم الفضيعة التي سوف تبقى في الذاكرة العربية لدي المخلصين الذين يحاولون ان تصلح حال امة طالت محنتها. لقد وجد الشجاعة المفكر العربي العفيف الاخضر الذي لا يملك من احتياطات وحراس وسيارات مصفحة كما كان يملكه الحريري في نشر رسالة إلى الرئيس السوري ( إيلاف في الرابع من الشهر الجاري) وهي ايضا للقادة العرب الآخرين، ناصحا إياه من اجل الامة التي لم تعي درس التاسع من نيسان عام 2003 في سقوط الصنم البعثفاشي لكي تداوي مرضها بنفسها وإلا ستفرض عليها بساطيل الآخرين بحلولهم، محذرا بان الانسياق الاعمى وراء الغرور بالماضي العتيد والحضارة العظيمة والتضامن العربي والاخوة الإسلامية التي تعلمنا على حفظ جزئياتها وتمجيدها سوف لن يفيد في مجابهة التطورات الكبرى التي يشهدها هذا القرن ومنذ ولادته قبل خمسة سنوات او اكثر من ذلك عند انهيار المنظومة الاشتراكية والاعتماد على دعمها . أن الاعتماد على قوى اقل عقلانية واقل مقدرة كإيران،واكثر مجازفة مثل القوى الإسلاموية او القومجية العربية وغيرها لا يمكن ان يفيد في شئ في حل مشاكل الشعوب العربية. لم يظهر شجاع مثل العفيف الاخضر ومجموعة اللبرالين العرب لكي يكتب رسالة إلى الطاغية صدام حسين اثناء طغيانه تحذره بما سيحل، وانما على العكس من ذلك ذهبت جموع المثقفين العرب زرافات ووحدانا إليه لتقديم الولاء والتأيد من اجل حفنة من الدولارات وبراميل النفط ناسية عذاب شعب ومحنة أمة تحطمت جميع مشاريعها وامنها القومي على يديه. ولا زال الكثير منهم لحد الآن يمجد المشروع البعثفاشي ويشكك في جرائمه بحق العراق والعراقيين وشعوب دول الجوار.
2. رفيق الحريري
قرأت عن الرجل اغلب ما كتب عنه ولكني اريد التوقف على خصلة من خصاله، فهي التي اعتبرها جوهر قيمته ومقدار ما سوف يخلفه من اثر لدي الناس وكذلك من الم لفقدانه في قلوبهم . لقد تعرفت خلال حياتي العملية في دول الخليج العربية على قصص الكثير من "العصامين" العرب الذين بدأوا حياتهم مثل الحريري ولربما ابسط منها. كما وان خلفياتهم العائلية لا تختلف عن الحريري ولربما اقل بساطة ايضا. فمنهم من بدأ كاتبا في ميناء دبي واصبحت ثروته تفوق ثروة الحريري او مثلها. ومن بنى ثروة من تهريب الذهب من دبي إلى الهند وقدم الكثير من الفقراء ارواحهم من اجل ان يصبحوا اسماء كبيرة في عالم المال والبنوك وثرواتهم تزيد على ثروة الحريري عدة مرات ولا تقل عنها قط. ومنهم من بدأ العمل عاملا في بداية خمسينات القرن الماضي في ميناء الكويت ومترجما للانكليز وغدت ارصدته تسير البنوك المحلية او الاجنبية. ومن جمع الثروة عن طريق جمع الفائدة من استثمار اموال التجار الرافضين للربا في البنوك مبتدئا في دكان للصرافة في سوق جدة التجاري في بداية ستينات القرن الماضي ويغدوا اغنى من الحريري بعدة مرات. والامثلة كثيرة لا تعد في عالمنا العربي ومنطقة الشرق الاوسط تحديدا. وإذا عرجنا على العائلة الحاكمة في النظام السابق في بغداد فان ما يملكه أي فرد منها من مال يصل إلى ثروة الحريري . اما إذا جمعت لدي افراد العائلة كلها فانها حتما ستزيد عليها بعدة مرات. وجاءت ثروة الحريري بالجهد والذكاء والعمل المضني وليس من السرقة والاحتيال وتهريب الذهب او إدخال العمالة الاجنبية إلى دول الخليج العربية، حيث ينطبق عليهم قول الحق في سورة آل عمران الآية 14 (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
وميزة الحريري ليست في دوره في مؤتمر الطائف لان غيره ساهم في رسم سياسة اكثر من بلد، ولا مساهمته في إعادة وسط بيروت لان العديد من الاغنياء العرب الخليجيين من فئة الحريري شيدوا اكثر من مشروع، اكبر من مشروع وسط بيروت، فلهم جمعات سكنية ومصارف كبيرة واستثمارات في عقارات خارج العالم العربي ينتفع منها الاف من الناس دون ابناء جلدتهم. كما وان ميزة الحريري ليست في اعتلائه كرسي رئاسة وزراء لبنان دون ان يكون من العوائل العديدة التي توارثت الكرسي، وانما في ميزة،حسب اعتقادي، هي الأهم : في انشاء مؤسسة الحريري التعليمية التي أنفقت على تعليم حوالي أكثر من ثلاثين ألف طالب جامعي لبناني، بغض النظر عن دينهم وولائهم الحزبي. انها الميزة الاكثر تألقا في حياة هذا الرجل والتي يعجز ان يصل إلى علو نعله فيها اغلب الاثرياء العرب، حتى في تقديم ولو جزء بسيط مما قدمه لهذه الامة في تعليم هذا العدد من الناس على حسابه الخاص ومن ثروته. ان عظمة الإسلام في تكافله الاجتماعي عن طريق الزكاة والخمس وغيرها حسب تقدير الشخص لدخله، لكن الاغنياء من فئة الحريري (من حيث البداية ) او الاغنياء بالوراثة او عن طريق الحكم دفعوا الزكاة وقدموا الخمس، ان فعلوا، او تبرعوا من اجل تفريخ شيوخ تفتي بالارهاب، وتبرعوا لبناء مؤسسات تخرج انتحارين يقتلون الاطفال باجسادهم المفخخة او اعادة كتب تدعوا لالغاء الآخر وتحث على قتله، او مساعدة في نشر كتب عن الجان وتحضير الارواح، العيش للاخرة فقط. دون المساعدة على تهيئة إناس يفهمون آيات الله الحقة ( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ). لقد بكيت على رفيق الحريري مع بكاء الطلاب اللبنانيين في فلوريدا الذين يدرسون على حسابه، وبكيت عليه عند قرائتي تعزية طلاب جامعة بوسطن التي تكفل مصاريف كرسي فيها. وبكيت على بكاء عالم لبناني في معهد ماستشوسيت للكتنولوجيا الذي ساعده الحريري ليكمل دراسة الدكتوراه فيه، ولم ابكي موته لانه كان رئيسا للوزراء او مساهمته في إعادة بناء وسط بيروت، او مشاريعه الخدمية لاهل صيدا على الرغم من اهميتها.
اهديت احد كتبي " الابنية المدرسية بين الحداثة والتراث"، ليس لوزيرة التعليم النمساوية التي عضدته وكتبت مقدمته، وانما لسيدة مسيحية نمساوية قدمت ما جمعته وزوجها من عملهما المضني كطبيببن لمساعدة طلاب مسلمين ومسيحين ووثنين لكي يدرسوا وينهوا تعليمهم ومنهم من اصبح استاذا في الطب في جامعة سدني في استراليا بعد ان انهى تعليمه في جامعة هارفرد الامريكية على حسابها ومنهم من اصبحت طبيبة ذهبت مع جماعة " اطباء بلا حدود " لمساعدة اطفال دارفور (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، ومنهم طالبا مسلما اصبح عالما مهندسا. انا اعتقد بان الله عز وجل سيغفر لهذه السيدة والسيد رفيق الحريري ومن مثلهما اول جراء عملهما المجيد في مساعدة طلاب العلم المحتاجين، انهما كانا يتعبدان اكثر من الذين يزاولون العبادات فقط دون ان يفقهوا الدين الإسلامي الحق الذي ابتدأ في تمجيد التعلم والعلم في قوله في سورة العلق الآيات 1 و 3 و 4 ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم ).
التعليقات