اعتقد انه مع مرور ربع قرن على تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العمل المشترك في اطار كيان سياسي واقتصادي يشكل معلما بارزا على الخريطة السياسية العربية والاقليمية والدولية ايضا ورقما مهما ومؤثرا في معادلة صعبة ترتبط بالاهمية الجوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية لمنطقة الخليج.
لدول المجلس التي تمتلك اكبر احتياطي للنفط على مستوى العالم وتنتج اكثر من نصف صادرات النفط الدولية التي تمر عبر مضيق هرمز الشريان الحيوي لصناعة النفط والذي يقع الجزء الصالح للملاحة فيه في السلطنة - احدى الدول الاعضاء المؤسسين له - تستشرف اجندته الآن بقضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهمومها الخليجية المحلية والعربية وكذلك شكل الطرح وزوايا الرؤية وحتى الجدل الذي قد يطرح نفسه حول قضايا بعينها آفاقا جديدة فرضتها عوامل من الداخل ومتغيرات اقليمة ودولية لايمكن ان تكون بمعزل عن نهج ورؤية مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث تطل المنطقة على مشهد وتحديات جديدة اعتقد ايضا ان دول المجلس بنجاحاتها التي تحسب لها سواء بإنعقاد قمتها السنوية دون تأجيل او بحزمة انجازاتها المختلفة بالمقارنة بتجارب وتجمعات وحدوية عربية اخرى لم تثبت لاهتمامها بالترتيبات السياسية قبل الاقتصادية سوف تتمكن من مواجهاتها.
القمة اليوم بتصوري تبدأ مرحلة مهمة في هذا الاتجاه على خلفية انجازات وتحولات ومتغيرات تعطي زخما لهذه التجربة العربية التي يجب ان نبني عليها في المشرق والمغرب العربي بإعتبارها رمزا للإرادة العربية التي ترفض الانكسار حتى في احلك الظروف وبإعتبارها املا قد يكون بعيدا الآن قريبا غدا في بناء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي يكون مجلس التعاون الخليجي قد وضع نواته . ملامح هذه المرحلة الاستشرافية الجديدة تكمن في ملمحين رئيسيين. الجانب الاقتصادي الذي ما زال مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعول كثيرا - وهو خياره منذ البداية - على دوره وقدرته في التعبير عن طموحاته من خلال القمة التي يغلب عليها اجندتها الطابع الاقتصادي باستكمال المشروع الخليجي الطموح في اقامة السوق الخليجية المشتركة . والنقاط المتبقية في هذا المشروع تأسيس السلطة النقدية المشتركة واقامة مصرف مركزي خليجي بعد ان اكتملت الدراسات الخاصة به.
والخيارات في اتجاه شكل السلطة النقدية المشتركة احدها قد يكون انشاء مصرف مركزي خليجي يشبه البنك المركزي الاوروبي والاخر انشاء بنك مركزي شامل يتولى جميع المهام بحيث تكون البنوك المركزية الوطنية فروعا له اما الخيار الثالث فهو انشاء مجلس تنسيقي لمحافظي البنوك المركزية.
وهي نقاط مهمة في المشروع تدعم الكيان الاقتصادي للمجلس ومفاوضاته المستقبلية في مواجهة كيانات اقوى وفي سبيل مواجهة التحديات التي تنجم عن قيام الكيانات العالمية الكبرى مثل الاتحاد الاوروبي والاسيوي واتفاقية التجارة الحرة في امريكا الشمالية /النافتا/ وغيرها.
لذلك من الطبيعي ان يكون الملف الاقتصادي والعامل الاقتصادي هو الاهم والحاسم في القمة الخليجية التي تعقد في البحرين وما يرتبط به من ضرورة وجود حزمة من الاجراءات في اطار برنامج متكامل يحافظ على توازن مدروس بين مقتضيات التنمية الاقتصادية واعتبارات الوحدة الخليجية المأمولة في اطار ان الاتجاهات التقليدية لم تعد ملائمة لمعطيات المجتمع الخليجى في ظل الايقاع المتسارع لتداعيات التغيير اقليميا ودوليا.
والواقع ان الرؤية واضحة تماما في السعي نحو اقامة السوق الخليجية المشتركة واقامة الاتحاد النقدي واصدار العملة الموحدة بعد ان قطع مجلس التعاون الخليجى شوطا كبيرا على طريق ازالة العوائق والقيود امام حركة التجارة وتنقل عناصر الانتاج بين الدول الاعضاء واقامة اتحاد جمركى بين هذة الدول في يناير من العام 3002.
وهي المرحلة الاهم من مراحل التكامل الاقتصادي الذي قطع شوطا هاما في تنفيد المرحلة الثالثة وهى اقامة السوق الخليجية المشتركة عبر اتخاذ عدد من القرارات الرامية الى ازالة القيود على انتقال الافراد ورووس الاموال بما يتيح تحقيق وتعميق المواطنة الاقتصادية لمواطنى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية .
ثم اقرار التعريفة الجمركية الموحدة وقد شكلت منعطفا هاما في مجال التعاون الاقتصادي من شأنه تحويل دول المجلس الى كيان اقتصادي واحد في التفاوض مع شركائه التجاريين مثل الولايات المتحدة الامريكية واليابان والاتحاد الاوربى ليعزز فرص الاستفادة من المفاوضات التجارية مع التكتلات الاقتصادية في العالم.
وفي ضوء هذه الرؤية الاستشرافية ومع بدء تطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تكون دول المجلس قد تجاوزت هذه العقبات المرافقة لعمل منطقة التجارة الحرة بما يفتح مجالات واسعة امام تنمية التبادل التجاري البيني في دول مجلس التعاون الخليجى وبالاخص حرية انتقال السلع والمنتجات الوطنية بين هذه البلدان دون عوائق حيث بدأت العوائد الايجابية تظهر من جراء تطبيق التعرفة الموحدة حيث اتاحت فرصا جيدة للمنتجات الصناعية في دول المجلس والتي اصبحت تغطي متطلبات اسواق كبيرة نسبيا يتجاوز عدد المستهلكين فيها 30 مليون نسمة بدلا من اسواق صغيرة ومجزأة بالاضافة لانعكاسات اطلاق الاتحاد الجمركى على زيادة معدلات التجارة بين دول الخليج العربية الست بنحو 20 % هذا العام .
ومع هذه النتائج الايجابية هناك قضايا ذات صلة ستدعم المشروع الخليجي من اهمها تقارير مشروعي الربط المائى والسكك الحديدية بين دول المجلس ومشروع البطاقة الذكية.
بالاضافة الى قضايا التطوير الشامل للتعليم .
والواقع ايضا ان هناك نقطة مهمة تعلق بالاليات التي يوليها المشروع الخليجي الطموح نحو اقامة السوق المشتركة تظهر بشكل جدي في تبني انشاء مجلس التعاون لمركز التحكيم التجاري الخليجي وهو احد الانجازات الاستراتيجية للمجلس في وقت مبكر لسد الفراغ الناجم عن عدم وجود آلية اقليمية متخصصة توفر خدمات التحكيم السريعة والفاعلة
للقطاعات الاقتصادية المختلفة لتسوية المنازعات الناتجة عن العقود التجارية ستتأكد اهميتها الاستراتيجية في المستقبل عند قيام السوق كما انه يلعب دورا مهما ايضا كمتطلب اساسى للشراكة الاجنبية في المنطقة فضلا عن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدوله والتي للمركز اختصاص حصري في نظر المنازعات الناشئة عنها.
الملمح الثاني يرتبط بالبعد السياسي ورؤية المجلس السياسية للقضايا الاقليمية والعربية التي يعتبر جزءا من محيطها الجغرافي وجزءا ايضا من الحل الذي يرتبط بها. والواقع ان هناك ثلاث قضايا رئيسية في مقدمة او في بؤرة الاهتمام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ولمؤسسة القمة الخليجية بإعتبارها صانعة القرار في مجال السياسة الخارجية وهي ترتبط بمتغيرات وتحولات وبرؤية استشرافية ايضا لا تنفصم عن المشروع الخليجي الشامل بشقيه الاقتصادي والسياسي.