ظل وسيظل غزو الولايات المتحدة للعراق في مارس (آذار) 2003، ومعه سياسة الرئيس بوش (الابن) تجاه العراق ، علامة مفصلية في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية ، وذلك لما حفل وتحفل به مواقفه من نقاط خلافية . فإدارة الرئيس بوش تعتقد ، أو قل تؤمن ، أن العراق هو أكبر مشكلة أمنية لهذه البلاد ، وذلك برغم الحقيقة الماثلة بوجود دعم أكبر وأكثر الآن لتنظيم «القاعدة» في باكستان ، وبرغم ما أتيح لنا الآن من معارف جديدة بوجود اتصالات أكبر مما عهدنا بينها وبين ايران، ومن هنا أحسب أن هناك أناسا موضوعيين كثراً يملكون وجهة نظر في هذا الشأن تختلف ، إن لم تتقاطع، مع عقيدة الرئيس بوش تجاه هذا الموضوع .
والى ذلك ، فالرئيس بوش ، وفيما يخص عقيدة الحرب الاستباقية ، وبعد مضي أكثر من عام على تنفيذها بواقعة الغزر ، أصبح أقرب الى من يمشي بحذاء شديد الانحدار ، وأقول ذلك لأني أرى أنك لا بد وأن تكون أمام تهديد وخطر آني لتبرر به هجمة استباقية ، ولم يكن ذلك هو الحال مع أنموذج العراق ، ودعوني أقول قبل ذلك إن الأمر برمته لم يكن حقيقيا وموضوعيا ، ولسبب بسيط ، هو أننا وبنفس المعايير التي قادتنا للعراق لم نكن ، ولن ، نذهب لحرب استباقية مماثلة مع ايران أو كوريا الشمالية مثلا ، دعك من أمثلة أخرى .
والى ذلك أيضا ، فأمر عقيدة الحرب الاستباقية هذه قد تلبست قضية شائكة مثل الحرب على الإرهاب ، وهنا أيضا لم يكن توجه الرئيس بوش صائبا ، بمعنى أنه قد سخر موارد في هذه الحرب للعراق أكثر مما إدخر وسخر لتنظيم «القاعدة» . ولا أعتقد هنا أن أي رئيس أميركي كان سيتخذ مثل هذا الموقف أو القرار .
وأستطيع أن أقول هنا إنني ، وإذا ما كنت في مكان الرئيس بوش ، كنت سأسمح لمفتشي الأمم المتحدة بإكمال مهمتهم لأقرر بعدها ما إذا كنت سأغزو العراق أم لا . مع ذلك أحسب أن هناك عوامل أخرى كانت ، أو لا بد أن تكون قيد الاعتبار ، وبينها ، الى أي حد يمكن أن نعتبر أداءنا في افغانستان جيدا ، بمعنى إحلالنا أو بسطنا لاستقرار كامل في ذلك البلد ، وماهي رؤيتنا الموضوعية للحصول على أسامة بن لادن، وهنا أسجل بأني ما زلت على قناعة أن هذا الرجل لا يزال يشكل الخطر الأكبر لأميركا .
وفي شأن ذي صلة بكل هذا الزخم المحيط بقضية العراق ، وبما أن العد التنازلي للانتخابات الرئاسية قد بدأ ، فقضية اللحظة تصبح فرص المرشحين للرئاسة مع هذه السيولة السياسية العالية . وهنا أقول إن سياسة الرئيس بوش الداخلية تقوم على خفض الضرائب ، بصرف النظر عن عائد الخطوة على العجز المالي للميزانية ، ومعها تركيز الثروة والسلطة في أيدي الذين يشاركونه قيمه ومصالحه الاقتصادية ، أما على مستوى الخارج فسياسته أن يعمل منفردا متى استطاع ذلك في مقابل أن يتعاون مع الآخرين متى ما لم يكن أمامه من خيار آخر ، أو قل متى ما كان ذلك ملزما .
في المقابل ، فسياسة جون كيري تقوم على أرضية حكومة تمتلك مسؤولية اقتصادية أكثر ، وتأخذ مبادرات أكثر تجاه التعليم والرعاية الاجتماعية ، وتقوم بتغيير في سياسة الطاقة بالبلاد ، وتتصدى لقضية ارتفاع الحرارة بكوكب الأرض ، وتخلق وظائف أكثر . أما على الصعيد السياسة الخارجية فسياسة كيري على العكس من بوش تقول بأن علينا أن نتعاون مع الآخرين متى ما استطعنا الى ذلك سبيلا ، ونعمل منفردين متى ما قضت الحاجة .
في ضوء ذلك أخلص الى سؤال اللحظة ، وهو : ماذا سيكون عائد الانتخابات ؟ وأقول إن احتمال إعادة انتخاب الرئيس لا يزال قائما ، لأنه سياسي كبير ، ولكن ، وفي المقابل ، وإذا لم يحدث ذلك ، فسيعود السبب الى مستويات التجاوب التي قرر أن يقدم عليها بعد 11 سبتمبر . وهنا لا بد من الاشارة الى أننا مجتمعين نريد أن نكون خلف الرئيس وأن نبدو متحدين ، ولكن اليمين الجمهوري الذي يسيطر على السياسة في البيت الأبيض فسر وطنيتنا ضعفاً وحاول أن يدفع البلاد الى اليمين ليدفع من بعد بكل العالم حول ذلك المسار ، وهناك ردود فعل الآن لا تحتاج الى تأويل . ومن هنا فهناك هامش أكثرية ضئيل يبدو كما لو أنه قد قرر بأنه مع خيار الحصول على رئيس جديد ، وهنا يكون كيري هو حصان ذلك الخيار.