كتب د. أحمد القديدي: اجتمع في تونس خلال الأيام الماضية خبراء من كل دول العالم للاعداد للقمة العالمية للمعلومات ومجتمعات المعرفة التي سوف تنعقد عام 2005 بتونس، وهي القمة التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة وتشترك فيها المنظمات المستقلة وغير الحكومية المعنية بشئون مصير العولمة الحقيقية اي عولمة السلام العالمي بدون حدود ولا هيمنة ولا بهتان. ولعل هذه القمة اذا ما كتب لها الانعقاد تهتم بالمصيبة العربية الكبرى، التي هي غياب مجتمع المعرفة واستفحال الفجوة الرقمية بيننا وبين دول العالم.

وتخلف المجتمعات المدنية عن المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات وتنفيذ المخططات وتحديد ملامح المصير العربي المشترك.

واني حين استمع الى رغبات المنظمات العربية غير الحكومية للمشاركة في جدول اعمال القمة المنتظر أتحمس لذلك ايمانا مني بأن الحكومات وحدها لا تمتلك العصا السحرية لحلحلة كل اشكاليات مستقبل المعلومات والحريات، وان مجهودات الحكومات مهما صدقت نواياها تظل منقوصة.

وبلا تأثير اذا لم تتحمس لها خلايا المجتمع المدني وقواه الحية لتجسدها على الميدان وتجريها مجرى التطبيق. وقد يكون من نوافل الكلام التأكيد على ان الاصلاحات الكبرى المنتظرة من العالم العربي لا يمكن ان تتحول الى واقع الا من خلال انجاز المجتمع المعرفي، وهذا المجتمع هو القادر على التعامل مع العالم بالمعلومة والاعلام والعلم، والمتمكن من أدوات المعرفة الحديثة المتاحة على شبكات الكمبيوتر والفضائيات ووسائط الاتصال.

وهذه النقلة النوعية من مجتمعات عربية مستهلكة للمعرفة الى مجتمعات عربية منتجة للمعرفة هي كذلك نقلة سياسية بالضرورة، من الحكم الشمولي التقليدي الى الحكم الصالح الحداثي.

فالمطلوب من القمة المعلوماتية العالمية المتوقعة في تونس ان تحدد بذكاء ملامح المجتمعات الجديدة في عالم الغد، هذا الغد الذي بدأ اليوم دون ان ينتظرنا، بل شرعت الامم الاخرى تستعجل خطواتنا نحو الاندماج في عالم المعرفة والذكاء وقوة التعاطي مع العصر. وقد وردت في تقرير التنمية البشرية العربية الذي صدر عن صندوق التنمية التابع لمنظمة الامم المتحدة احصاءات مفيدة عن مدى تخلفنا في معدلات المستخدمين لشبكة الانترنت من مجموع السكان .

(وهو مؤشر مهم للدخول في عالم المعرفة)، فكان المعدل العربي العام حوالي 12 بالمئة، بالطبع مع اختلافات كبيرة، تتراوح على سبيل المثال من نسبة 34% في دولة الامارات و27 % في دولة قطر و26% في البحرين، و21% في الكويت، و19% في لبنان، و15% في المملكة العربية السعودية الى مجموعة ثانية من الدول العربية تدور معدلاتها حوالي العشرة بالمئة مثل الاردن وليبيا وتونس ومصر وسوريا وسلطنة عمان، الى حزمة ثالثة من الدول التي ظلت جهودها محدودة كالجزائر «6%» .

واليمن «2,2%» والسودان «4,1%» وموريتانيا «1%». ونحن حين نضرب مثال الانترنت فلأنه اصبح اليوم لا ناقل الخبر والمعلومة فحسب بل وأساسا ناقل المعرفة والخبرة، الى جانب كونه اداة العولمة الاولى من حيث هو القادر على الغاء الحواجز والحدود وتخطي عقبات الزمن باختصاره. وقد أثيرت في اجتماع تونس الأخير اشكالية السيطرة على الشبكة، وذلك على صعيدين: الاول رفض الدول النامية ان تكون الهيمنة للحكومات على حساب الحريات .

والحقوق المضمونة في الدساتير نظريا. وتعطل النقاش أكثر من مرة لايجاد نوع من الوفاق في هذه المحاور الشائكة، لأن الامر يتعلق بمستقبل العالم والمزيد من تحقيق المكاسب للحريات والعدل واحترام حقوق الانسان، ونحن نرى أن أحد اسباب هذه الاختلافات، أو بالاحرى الخلافات، يكمن في انعدام التشريعات المقننة للاتصال الالكتروني، او قل البطء الكبير في وضع القوانين الضابطة للشبكة، مثلما وضعت الدول من قبل التشريعات المقننة للصحافة المكتوبة.

ويتفاقم هذا الفراغ التشريعي لدى الأمم المتخلفة فنراها تتخبط لمراقبة الشبكة وفرض القيود على مستخدميها بعقلية الخمسينيات وأوهام الوحدة القومية واحلام قوى الشعب العاملة وبالروح والدم نفديك، بينما العالم تغير والانسان تحرر والحدود بصدد التلاشي والمعرفة تتدفق بخيرها وشرها وقضها وقضيضها على الأجيال الشابة المتعاقبة المستنيرة.

نحن نأمل ان تكون قمة تونس المقبلة حول مجتمع المعلومات التي ستنعقد في نوفمبر 2005 تتويجا لجهود مكثفة تشترك فيها المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمعات المدنية في الدول العربية حتى نبلغ مستوى سد الفجوة الرقمية بيننا وبين بقية خلق الله، وهي فجوة تتسع بسرعة عجيبة، وليست فجوة رقمية فحسب لأنها تشكل كذلك فجوة حضارية شاملة وفجوة ثقافية مهولة ولكن خاصة فجوة في الحقوق والحريات وانتاج المعرفة.

ـ أستاذ بقسم الاعلام في جامعة قطر