بيروت -جنان نصرالدين: لم يصرفه غيابه في الولايات المتحدة عن متابعة مسيرته الفنية التي بدأت من “استوديو الفن”. وها هو “العندليب الأشقر” أحمد دوغان يعود بعد ثلاث سنوات الى الساحة الغنائية اللبنانية ومعه ألبوم جديد ومميز، يثبت من خلاله أن الأغنية صوت قبل أن تكون صورة. عن جديد الفنان العائد وموقفه من السائد الغنائي اليوم، ومشاريعه الفنية، تحدث دوغان في الحوار التالي:
*غبت عن الساحة الفنية فترة طويلة لتعود بألبوم غنائي جديد، ما أسباب غيابك، وهل لاقى عملك النجاح بعد هذا الانقطاع الطويل؟
سبب غيابي كان إقامتي في الولايات المتحدة ثلاث سنوات، حيث كنت انجز معاملات الجنسية هناك. لكن ذلك لم يمنعني من متابعة الفن العربي عموما واللبناني خصوصا، وقد أسفت للمستوى الذي وصل إليه.
وأعتقد أن الفنان الحقيقي الذي يمتلك تاريخا فنيا وقاعدة جماهيرية، لن يكون من الصعب عليه الرجوع الى الساحة الفنية، خلافا لما لو كان يفتقر للموهبة والأساس. فالناس اليوم يستمعون الى الجيل الجديد من الفنانين، وقد يحبونهم ماداموا موجودين على الساحة الفنية، لكن غيابهم سيؤثر من دون شك في شعبيتهم، وسينساهم الناس مع الوقت، ولن يصمد في النهاية سوى الصوت الجميل والفن الجيد.

* كيف تصنّف الأغنية اللبنانية خاصة والعربية عامة في هذه المرحلة؟
للأسف، نحن نعيش اليوم عصر الأغنية السريعة والجملة القصيرة.. انتهى عصر الملحنين والشعراء، ودخلنا مرحلة صعبة جدا لا علاقة لها بالفن وهي في حل تام منه.
هناك أشخاص يساعدون في هذا الانحطاط الفني من شركات إنتاج ومؤسسات إعلامية تسهم في نشر الفن الهابط، لأن ذلك يدر عليها أموالا أكثر مما لو تعاملت مع فنانين بالمعنى الحقيقي، وهم الى ذلك غير عابئين بما أوصلونا اليه من مستوى متدنٍ. لذلك لا بد من وجود نقابة فنية حازمة تراقب وتحد من الأعمال الهابطة التي تشوّه صورة الفن والفنانين اللبنانيين. وفي المقابل، أرى أن الفن الخليجي هو الوحيد الذي ما زال يحافظ على مستوى جيد من الكلمة واللحن والصوت الجميل. فأنا لا أسمع صوتا خليجيا عاديا، في حين أن هناك أصواتا كثيرة بين لبنان ومصر عادية وأقل من ذلك.

* بعض المطربين الكبار أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب كانوا يختارون كلمات الأغنية وأحيانا يطلبون من الشاعر استبدال بعض الكلمات ان لم تكن جملا بكاملها. أين نحن اليوم من شمولية المعرفة عند الفنان، وكيف تختار كلمات أغنياتك؟
للأسف، ان الفنانين اليوم لا يفتقرون فقط الى الصوت، إنما هم في حل من أي ارتباط فني وثقافي، أشعر وكأننا نعيش فراغا حادا سماعيا وبصريا وإعلاميا وتربويا، بحيث أصبح الفن مستهلكا من دون عافية وصحة، وما يعزيني ان “فوشة الكبد” لن تطول.
على الصعيد الشخصي أعتبر نفسي من الجيل الذي أخذ قليلا من “العصر الذهبي” فأنا مثلا قابلت عبدالوهاب ومحمد الموجي وأخذت ألحانا من بليغ حمدي وفاروق سلامة. والحقيقة كان حلمي مقابلة هؤلاء الأساتذة الكبار الذين لحنوا للعمالقة وبينهم عبدالحليم حافظ. لقد عشت في مصر سنة كاملة درست خلالها في معهد الموسيقا، وبعد أن سمع عبدالوهاب صوتي شجّعني على البقاء، لكني عدت بعدها الى الوطن لأمثل فيلم “بلبل لبنان”، غنيت فيه خمس أغنيات من ألحان الموسيقار ملحم بركات وكلمات الشاعر شفيق المغربي. وما زلت حتى اليوم أحافظ على المستوى نفسه من الكلمة الجيدة واللحن الجميل.

* ما آخر أعمالك، وبماذا يتميز العمل الجديد عن أعمالك السابقة؟
آخر أعمالي ألبوم جديد طرح مؤخرا في الأسواق بعنوان “الوقت المناسب”، يتضمن عشر أغانٍ، ويتميز بتنوع ألوانه الغنائية بين المصري الاسكندراني والموسيقا اللاتينية وجمعه بين الحداثة والأصالة ليرضي كل الأذواق والأعمار في الوقت نفسه، مثل أغنية “ليلي ليلي” التي تميزت بنكهة جديدة، وصوّرت أغنية “فاضل عالحلو دقة”.

* ومع من تعاملت شعرا ولحنا؟
تعاملت مع خمسة ملحنين في هذا الشريط الجديد: خالد البكري، حمدي الصدّيق، أشرف سالم، عبدالله زعيتر ووليد يزبك، وأربعة شعراء هم: سليم يزبك، عاصم حسين، سامح العجمي ومحمد خليل.

في الماضي كانت هناك علاقات اجتماعية قائمة بين الشعراء والملحنين والمطربين، هل تقوم اليوم مثل هذه العلاقات الفنية؟
لم تعد مثل هذه العلاقات تقوم اليوم، في ظل طغيان عصر الأغنية الجاهزة واللحن الجاهز، ولم يعد المطرب يختار الكلمات مع الشاعر، أو يحاول الملحن فهم صوت المطرب واكتشاف مساحته ومزاياه. بينما في الماضي كان الملحنون يعيشون معا في بيت واحد، ويتشاركون الرأي من دون تفرد أو أنانية لتقديم أفضل الألحان. وهذا كان سر نجاح عبدالحليم على سبيل المثال.

* ما رأيك بصناعة النجوم المتفشية هذه الأيام؟
بتنا نجد اليوم منتجين يبحثون عن فتيات يمتلكن عنصري الإثارة والجمال وليس سوى ذلك ليعرضوهن بلباس مثير ويظهرن في “الكليب” ممددات على الأسرّة في لقطات إغرائية. والمؤسف أن أمثالهن يتحولن في زمن قياسي الى نجمات، والواحدة منهن تتكلم من مصدر “قوة”، وهي التي لا تعرف من الغناء سوى غنج الجسد والآلة.

* ما رأيك بالبرامج الفنية مثل “سوبر ستار” و”ستار أكاديمي” وغيرهما؟
برامج “تعبانة”، فالفراغ واسع، والمؤسسات الإعلامية تسعى جاهدة لملئه ببرامج كثيرة. والبارز ان هذه البرامج تهتم بالشكل بالدرجة الأولى قبل اهتمامها بالموهبة والقدرة الفنية، وهي الى ذلك تعوّل على تصويت الجمهور. وأنا أعارض ذلك، لأن المفروض وجود لجنة تفهم الفن وتقيّم الأصوات وتقرر بقاء الأفضل، والجمهور ليس أهلاً لذلك لافتقاره الى الخبرة والمعرفة الفنية. صحيح أن هناك أشخاصا يفهمون ويقدّرون أهمية الصوت والموهبة إنما هناك في المقابل جمهور لا يهمه سوى “خفة الظل” والمظهر، وهي أمور ضرورية للفنان شرط عدم التغاضي عن الأساس الذي هو الصوت أولا وأخيرا.

* مارأيك بالفيديو كليب، وهل تعتقد أن الأغنية المصورة أصبحت عنصرا مهما فيها؟
بالتأكيد فرض الفيديو كليب نفسه على واقع الأغنية العربية وبات شريكا للمواصفات التقليدية للأغنية، حيث أصبح العنصر السمعي والمرئي مترابطين ومتكاملين لإنجاح الأغنية. ولا بد أن فشل هذه الوحدة المتكاملة أصبح اليوم يؤثر في انتشار ونجاح الأغنية ككل. وفي المقابل أشير الى وجود فنانات يستغللن “الكليب” للترويج لأمور أخرى لا علاقة لها بالمغنى، إنما بالاستعراض أو التمثيل في أفضل الأحوال.

* يطغى على الأغنية العربية عموما واللبنانية بشكل خاص النمط الغربي في الأداء والموسيقا، هل هذا يدفعها برأيك الى العالمية أم أنه يحط من مستواها؟
من الصعب دفعها الى العالمية لأسباب كثيرة، لكن توجهها الى النمط الغربي لن يحط من مستواها، إذا أجدنا التوفيق بين الشرقي والغربي. فعبدالوهاب مثلا دمج بين الاثنين بطريقة صحيحة وناجحة. من هنا لست ضد دمج الأغاني إنما مع الحفاظ على الروح الشرقية.

* لك تجربة سينمائية واحدة. هل تفكر بخوض التجربة من جديد؟
صحيح، وكان ذلك في فيلم “بلبل من لبنان” ومباشرة بعد مشاركتي في “استوديو الفن”، أي في بداياتي الفنية. لكني بالتأكيد لن أعيد التجربة من جديد طالما الصناعة السينمائية اللبنانية على وضعها الحالي، إنما وفي المقابل لا أنكر أن هذه التجربة زادتني ثقة بنفسي وتقاربا مع الكاميرا.

* هل تشجع أولادك على دخول عالم الفن؟
بالطبع، لن أمانع إذا كانوا يتمتعون بالموهبة، إنما أفضّل أن يدرسوا الموسيقا ويتثقفوا فنيا وأشجعهم على ذلك لأن الثقافة سلاح الفنان الناجح.

* أنت خريج المعهد الوطني للموسيقا، بماذا تنصح الفنانين الناشئين؟
ان يتثقفوا فنيا لأنهم بهذه الطريقة سيثبتون وجودهم واحترامهم في عالم الفن وسيصبح لهم كلمة مسموعة.