بيروت من سوسن الأبطح ـ القاهرة من حمدي عابدين والرباط من سعيدة شريف: السؤال الأساسي الذي طرحته حلقات الأدب المكشوف هو ـ بعد مسألة حرية الإبداع والمبدع ـ هو من يحاسب من؟ بمعنى آخر، فان الزوابع التي أثيرت حول اعمال روائية عربية في السنوات الاخيرة لم تأت من جهات ثقافية او حتى من مؤسسات حكومية معنية بالشأن الثقافي، بل ان تدخل الاخيرة غالبا ما تم بناء على تحريض من هذه الجهة او تلك بغض النظر عن قربها او بعدها عن الموضوع الثقافي او الإبداعي.
وما تشير اليه أغلب المساهمات في هذا الملف هو ان مساحة الحرية كانت في العقود الماضية اوسع، بل انها في التراث نفسه كانت اكثر رحابة.


يرى الكاتب والباحث المغربي هشام العلوي، الذي أعد أطروحة الدكتوراه في تيمة الجسد في كتابات الكاتب الراحل محمد شكري، «في رأيي، ينبغي التحفظ أو التريث على الأقل، في إطلاق أي توصيف نقدي أو أخلاقي بصدد هذا المنزع القديم/ الجديد، والمتعدد من حيث أشكاله وتجلياته. ذلك أن الأمر يستدعي منا، أولا، الإحاطة بمختلف المتون التي يمكن أن تصنف ضمن كتابة العري أو الجسد، ثم البحث والمدارسة في شأنها، من أجل استصدار الأحكام، واستخلاص التعريفات، وإبراز التنويعات الموضوعاتية والجمالية الممكنة كما تشي بها التحققات النصية، عندئذ، فقط، نقتدر على البت في مدى أصالة أو صميمية هذه الظاهرة، الآن، في المشهد الروائي والقصصي المغربي والعربي عموما. وفي انتظار أن ينتبه التناول النقدي الأكاديمي الرصين، بأريحية وعلمية أكبر، لهذه «الهوجة»(كما يقول المصريون) الإبداعية، ويرجعها إلى عياراتها الحقيقية، سواء كانت فنية أو ثقافية أو تجارية بحتة. لابد من التأكيد، بحكم الاشتغال طي هذه الحدود النظرية، والمواكبة لما صدر ويصدر في الحقل الابداعي المغربي والعربي، أن هيمنة المكون الإيروسي أو الإباحي على محكيات النصوص الروائية أو القصصية، ليس بالمعطى الطارىء أو المختلق على الذوق الأدبي العالمي، ولا يمثل موجة طليعية ونحن في منتصف العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. وحسبنا أن نستحضر هنا، على سبيل الاضاءة، سرود الأدب المثلي عند الإغريق، وقصائد الغزل الفاحش في شعر الملحون «نمط شعري شعبي مغربي»، وأعمال «جورج باطاي» و«الماركيز دوساد»، وقبلهما الفقيه العلامة الشيخ النفزاوي. فضلا عن الكتابة الشبقية لدى ثقافات الشرق الأقصى، ومن دون أن ننسى مرجعا مؤسسا و «فاتنا» من قبيل «ألف ليلة وليلة». فهل يتعلق الأمر، فعلا، بتطور على مستوى استراتيجيات السرد، وجرأة تجريبية تطول التيمات والمضامين، وتطوع «الوسيلة» التعبيرية والفنية نحو الوجدان والعمق الانساني؟، أم أن المسألة لا تعدو كونها وصلا بتلك الذاكرة والسلالة التي أومأنا إليها، وتشديدا على مكون لازق ومحايث للفعل الابداعي، ولكنه يشع بقدر ما يخفت، حسب العصور والقيم الفكرية والاجتماعية السائدة؟».
وحول حرية المبدع يقول هشام العلوي «لا جدال في أن الابداع مشروط بالحرية، والمبدع لا يصبح، حقا، خليقا بهذا اللقب في ظل مجتمع مسيج بالموانع والتابوهات والمحظورات. إن الضوابط الوحيدة التي يجبر الكاتب على الخضوع لها، هي مقتضيات الكتابة نفسها ومواصفات الجنس الأدبي الذي اختاره للخلق داخل شعريته، بل إن النصوص التي لا تقدم على خلخلة مواضعات الانتاج والتلقي الأدبيين، لا تستطيع أن تقتطع لنفسها مكانا ومكانة طي قلعة الابداع والفن الحصينة والمتمنعة على ما من دون ذلك. وبالتالي، فإن الروائي الذي يكف عن المكاشفة والفضح والخرق والسؤال، وينتقل في المقابل الى التماس الأجوبة، ورجاء التسويات، وتلميع الأطروحات وتبريرها، أحرى به أن يتقمص، بصراحة وشجاعة لا مواربة فيهما، لبوس الواعظ أو الداعية أو المصلح السياسي.. صحيح أن الظروف التاريخية التي حفت المجتمعات العربية وهي تؤسس لنفسها وجودا يقطع مع ثقافة العهد الكولونيالي، قد أوكلت للابداع، والرواية تحديدا، مهمة المساهمة في تصفية التركة و«دفن الماضي»، إلى جانب أجهزة أخرى، وأقحمته ضمن «أوراش» البناء التقدمي والتنويري كما اختطته الحركات الوطنية والتحررية. وعليه، جندت الكتابة للاضطلاع بهذه الوظيفة الاجتماعية، ونعتت مختلف المحاولات التي شيدت إبداعيتها على الانكفاء إلى حميمية الذات الفردية، والانفتاح على مجاهيل الحياة ومضايقها الخفية، بكونها سقوطا في «الخزي الأكبر»، وانزلاقا نحو الاستلاب والعصاب والرجعية. بيد أن انتهاء «الجدانوفية»، أو حالة «الاستثناء» الثقافي هذه، في معظم الأقطار العربية بعد فشل الايديولوجيات القومية والوحدوية والماركسية، قد أعاد الاعتبار إلى جمالية البوح، وبلاغة الجسد، وشعرية «اللذة» في السرد العربي. لا أريد هنا أن أسقط على هذا العود الجامح إلى «ميتولوجيا» الأنا كمصدر جوهري للمادة الروائية، التصورات الفلسفية والنقدية، التي انتهى إليها المفكرون الغربيون ورواد النقد الجديد في فرنسا والولايات المتحدة، بصدد الأدب الوردي أو الإباحي، على أساس أنه مطية للتمرد على التشييء والتبضيع، وإدانة لزيف التقاليد، وتفجير لمنظومة السلطة والخطاب في مختلف تمظهراتها. وأنما أود فقط أن أشير إلى أن ثمة مصالحة مع الحياة، ونفاذا إلى نواتها الصلبة والدائمة، ومراهنة على القيم التي لا تتلون بقزحية الانتماءات والولاءات والظرفيات.. وأجدني أتساءل: لماذا لم تستفز، على سبيل المثال، كتب تخييلية من نحو «الروض العاطر» أو «تشنيف الأسماع»، طهرانية حراس الفضيلة آنذاك، خصوصا أن صاحبيها شيخان في العلم والفقه؟».
وحول الرواج الذي يلقاه هذا النوع من الكتابة يقول العلوي «لا أعتقد أن قارىء الابداع، اليوم، يمكن أن تنطلي عليه مقاصد الحملات الدعائية أو المضادة، التي تشتغل من حين إلى آخر، حول رواية أو قصة أو قصيدة أو فيلم سينمائي... كما استبعد أن ينجذب المتلقي إلى عمل ينتمي إلى هذه الأجناس، لا لشيء سوى لأنه يتضمن مشاهد ايروسية مجانية، أو جرعة إباحية زائدة، وذلك لأن من يطلب هذا النوع من المتعة و «الفائدة»، سيجد حتما ضالته في قنوات رقمية متخصصة، ومواقع على شبكة الإنترنت تقتحم بوابة بريده الإلكتروني بلا استئذان. من المؤكد أننا في حاجة إلى أبحاث ميدانية على مستوى سوسيولوجيا القراءة، لمعرفة أثر وتأثير تسريد المسكوت عنه واللامفكر فيه، والجرأة على الأخلاق العامة والذوق السليم، على سوق الانتاج والاستهلاك الأدبيين. وفي غياب هذه الدراسة، لا نحتكم إلا إلى انطباعاتنا وملاحظاتنا التي تتسم بالذاتية والتقييم الجزئي. إن التواطؤات التي قد تنتسج، مثلا، بين نصوص زفزاف وشكري وادريس الخوري ومحمد برادة وغيرهم من جهة، وقاعدة واسعة من القراء العرب والأجانب من جهة ثانية، تقترن، رأسا، بما تتميز به هذه الأعمال من صدق في التجربة، وسوية في البناء الفني، وقوة في التقاط أوجاع وأنباض اليومي والمعيش، ورغبة في استقطار جمالية ما داخل التفاصيل الزائلة، والجزئيات الهامشية، والسماجة المتناثرة أيضا، وغيرها من الأشياء التي، في غيابها، تغدو الحياة جحرا خانقا».

* الجرأة في الإبداع لا تعني خرق شروطه

* أما الكاتبة والناقدة المغربية زهور كرام فتقول إنه « يمكن الحديث عن أن هذا النوع من الكتابة أصبح ظاهرة لافتة للانتباه، ولذا، وجب النظر إليها في شرعيتها الفنية، وفي قدرتها على خلق النص الابداعي. والحكم على مثل هذه الكتابة فيما إذا كانت تهدف إلى تحقيق الترويج التجاري، أم هي نتيجة طبيعية للتطور النوعي للعمل الابداعي؟ أظن أن المنطلق الموضوعي هو الابداع وشروطه، ذلك لأن الابداع له منطقه الخاص الذي بموجبه يتم تحويل كل ما هو مادي وواقعي إلى ما هو فني ومتخيل. ولعل المسافة التي يحققها المبدع في عملية التحويل هي التي تدعم مبدأ الاستثمار التوظيفي، وهي التي تكسب للابداع أحقيته في تناول كل المواضيع ولكن بطريقته الخاصة وغير المألوفة، وغير المعتادة. ولهذا، فالابداع له مؤهلاته التكوينية والبنيوية والفنية التي تجعل له القدرة على تناول كل القضايا والتيمات بشكل ايحائي وغير تقريري. والايحائية التي تخلقها لغة الابداع هي التي تبعد عن الابداع التقريرية والمباشرية والسطحية وتفتح النص على التأويل والتعدد في الاقترابات، وهذا بفعل عنصر التخييل الذي يحول كل الأشياء المادية إلى مكونات إبداعية».
وتضيف زهور كرام «ليس المشكل أن نتحدث عن قضايا معينة موجودة كلها في واقعنا وتفكيرنا، ولكن المشكلة هي في كيفية العمل على تحويلها وجعلها مواضيع إبداعية وروائية وفنية. هل يتم توظيفها وفق مبدأ الانزياح عن الواقعي؟، هل يتم ادخالها في علاقات بنيوية جديدة داخل العمل الابداعي مما يجعل منها معرفة غير مألوفة نتيجة لوضعها الجديد داخل منظومة الابداع؟. هل الضرورة الفنية للعمل هي التي استدعت هذه المواضيع لتحقق دلالة معينة للنص؟، أم جيء بها لتخدم أطروحة جاهزة ليست لها علاقة بالمنطق الابداعي؟. إن اقحام مواضيع الجنس وما شابه ذلك من كلمات نابية بشكل لا يستدعيه زمن الابداع، ولا يتطلبه المنطق التخييلي، ولا يتم توظيفه فنيا، ويبقى مفتقدا لكل دعامة جمالية ومتعة فنية ولغة إبداعية، يعتبر مسا بشروط الابداع وعملية لا تخدم تطور النص، بل بالعكس تحول الابداع إلى نظام لتمرير أطروحات جاهزة. ولنا في التجربة الروائية والقصصية العربية أمثلة رائدة عن نصوص تناولت الجنس والمقدسات، ولكن بطريقة إبداعية ولغة فنية جعلتنا نأخذ بها ودعتنا إلى التفكير فيها. ولهذا أيضا فالحديث عن الجرأة في الابداع ليس معناه خرق الابداع بالمكشوف والمادي والفج، وأن ننقل ما هو مباشر إلى الابداع، وإنما الجرأة أن نحكي عن مواضيع كيفما كانت ولكن بطريقة تشخيصية وتحويلية وايحائية، لأن وظيفة الابداع لا تكمن في عملية النقل، وإنما في خلق إمكانيات الايحاء والانزياح عما هو واقعي ومادي وإلا لماذا نبدع إذا كان ما في الواقع يكفينا؟».
وعن مسألة حرية المبدع تقول زهور كرام « حرية المبدع مرتبطة بمجال تحركه في زمن التخييل وفي صدقه مع الحالة في اللحظة الابداعية. ويلخص كل هذا مستوى انتقاله من موقعه كمؤلف إلى موقعه التخييلي كمبدع. وزمن التخييل له ضوابطه وشروطه وتعاقداته الفنية، وبالتالي فإن المبدع يتحرك وفق هذه التعاقدات ويبدع تبعا لهذه الضوابط. المبدع حر في أن يتناول أي موضوع أو أية قضية، ولكن هذه الحرية مرهونة بضوابط التخييل وهي التي تحقق إبداعية النص وتخلق المتعة واللذة في القراءة».
وحول رواج هذا النوع من الكتابة تقول زهور كرام «كثيرة هي الأعمال التي لقيت رواجا في سوق الاستهلاك وفي الترجمة أيضا، بسبب تطرقها لمواضيع معينة بشكل مباشر وتقريري، وليس بسبب قدرتها الفنية على تحويل تلك المواضيع إلى مواد إبداعية. إذن، المسألة ليست هل تتحدث عن الجنس وغيره في الكتابة الروائية والقصصية أم لا، فهذه مسألة غير مطروحة، لأن كل المواضيع مؤهلة للحكي عنها ابداعيا. ولكن السؤال هو كيف نحول الموضوع ماديا إلى موضوع تخييليا وفنيا وإبداعيا؟، أي كيف نجعل منه مادة روائية. عندما نعي معنى التخييلي والروائي والابداعي فإننا نجيب عن أسئلة تخص منطق الابداع».

* المكشوف والكاشف

* وتقول الروائية اللبنانية علوية صبح: فرق بين الأدب المكشوف والأدب الكاشف. فالأدب هو رحلة استكشاف، ليس للجنس فقط أو المحرمات الدينية وإنما لأشياء كثيرة أخرى غير مستكشفة ولا نجرؤ على الاقتراب منها أو لربما كنا لا نعرف أنها باب للأدب نستطيع أن ننفذ منه إلى أشياء أبعد وأعمق. أمور كثيرة جداً لم يقاربها الأدب في حياتنا. وبالنسبة لي الجنس هو كأي موضوع آخر، وما يهم هو الحساسية الفنية للكاتب وأسلوب مقاربته للموضوع. وأرى انه لا فرق بين الجنس أو غير الجنس كموضوع، لأن الهدف عندي هو فهم الشخصية أو الشخصيات، والجنس هو أحد الاحتمالات للإضاءة الفنية. وإذا ما وجد مبرر فني لكشف الشخصية عبر الجنس، فليس عندي في الأمر أي إشكال، لكن الجنس ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما يأتي عفو الخاطر، فأنا لا أقصد أن أكون حرّة، وإنما أنا حرّة بالفعل. والأدب هو حرّية وليس ردة فعل، فكل إبداع فني هو فعل حرية وليس وسيلة للحرية. لا يعنيني في أي حال كسر التابو، لأن كسر التابو هو أمر أستطيع أن أحققه في كلامي اليومي، أو في كتابة مقالة، أو في أي شيء آخر. وفي العمق القلق الفني هو الأساس الذي يبرر كل موضوع قد نتطرق إليه في كتابتنا للأدب.
وحين نفكر ملياً لماذا نعثر في روايات العقد الأخير مثلاً على كمٍ من المشاهد أو المقاطع التي تتطرق لمواضيع جنسية أو دينية، في حين لم يكن الأمر كذلك وبهذه الحدّة في رواية الستينات فذلك، ربما، لأن تلك الفترة ارتبطت بالآيديولوجيا، وبفكر معين لم يعد شائعاً أو لم يعد صالحاً اليوم. نعاني الآن من فراغ بعد انهيار تلك الآيديولوجيا التي امتلأ بها أدب تلك المرحلة. لم نعد نشعر أن ثمة قضية طاغية. سقوط الآيديولوجيا ومشروع الحداثة أحدث فراغاً كبيراً، وكأنما الجسد والجنس والدين كلها أمور جاءت لتسد هذا الفراغ. هناك فرق بين استخدام الجنس لكشف الأسرار وإماطة اللثام عن أمر ما أو شخصية ما وان يكون الجنس مجرد وسيلة لاستدراج القارئ بشكل تسويقي.
أنا مع الحرية المطلقة للإبداع، وإن لم يكن الكاتب حراً فحينها سيستخدم الجنس ليكتب بشكل استعراضي وغرائزي من دون أن يصل بأدبه لأي كشف إنساني يسجل له. فالفرق شاسع بين «البورونو» و«الإيروتيك»، وإن كان الأول لا يعنيني فإن الثاني يمكن أن يوصل إلى نتيجة هي في الأحيان مُرضية لا بل ومطلوبة. الناس أحبوا بعض الأعمال لمواضيعها التي تمسّ حساسيات عندهم لا لقيمتها الأدبية أو الفنية. فهناك من أحب أعمالاً لأنها عن فلسطين وغيرهم احتفى بأعمال لأنها عن العراق ولكل هواه. أما بالنسبة لروايتي «مريم الحكايا» مثلا ً فكثيرون أحبوها ومنهم محجبات وملتزمات رغم بعض المقاطع التي يمكن أن يعتبرها البعض إباحية، لكنها ليست كذلك وإنما تأتي في سياق القصص تغنيها وتجعل الشخصيات أكثر حياة ونبضها الداخلي أقوى وأهم.

* المناخ الفاسد

* من جانبه، دافع الكاتب المصري الشاب ياسر شعبان عن روايته «أبناء الخطأ الرومانسي» مؤكداً أنها صودرت بجريرة رواية «قبل وبعد» لتوفيق عبد الرحمن، ورواية «أحلام محرمة» لمحمود حامد في الأزمة المعروفة بأزمة الروايات الثلاث.
وقال شعبان: روايتي تخلو من الإسفاف لكن المناخ الفاسد لا ينتج إلا أفكاراً فاسدة ولا يقدم إلا معلومات مغلوطة ومضللة. ويحتفي باثارة الجدل حول قضايا تم حسمها مرات ومرات، جدل تغلب عليه السفسطة التي لا تؤدي إلى شيء ولن تؤدي.
وهذا هو الحال.. تابعناه مع أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» عند اعادة طبعها بعد سنوات من صدورها لأول مرة.
وكانت هناك محاولة للايحاء بأن الحكومة انتصرت لحرية الابداع بوقوفها في جانب الرواية، وخلفها جحافل من النقاد والمثقفين الموظفين والمنتفعين المتلونين، واغلاق جريدة الشعب.
لكن القدر لم يمهلهم طويلاً، فظهرت أزمة «الروايات الثلاث» لتكشف قبح المشهد وتعفنه.
فبعد أن دافعت الحكومة عن «وليمة لأعشاب البحر» وتصدى نقادها إلى تفنيد الدعاوى القائلة بتجديفها، اذا بالجميع يهاجمون «ثلاث روايات» لاحتوائها على مشاهد جنسية تخدش حياء المجتمع. وبدا الموقف وكأن الحكومة ساندت اختراق التابو «الديني» ثم هبت فزعة لاختراق التابو الجنسي. واعتبر البعض ذلك الموقف بمثابة مفارقة شائنة واعتبرته نوعاً من الهلوسة. ففي حالة «الوليمة» لم تكن الحكومة وعمالها مع حرية التعبير والابداع واختراق التابو الديني، بل كانت ضد جريدة الشعب ذات التوجه الأصولي. وفي أزمة «الروايات الثلاث» بدت الحكومة وعمالها كمن تلقى ضربة مفاجئة أفقدته التوازن، وفي محاولة لاستعادة هذا التوازن المزعوم تم اسقاط أشياء عديدة قبل السقوط المدوي للجسد المترهل.
هل تظن أن القراءة أو الفرجة ممكنة في هذا المناخ؟ وهل لو تمت لن تكون مغلوطة وخاضعة لتصورات مسبقة وتؤدي الى نتائج ومواقف منحازة ومضللة؟ هل تظن أن رواية «وليمة لأعشاب البحر» تمت قراءتها خلال الأزمة مثلما حدث قبل سنوات عند صدورها لأول مرة؟
هل تظن أن «الروايات الثلاث» تمت قراءتها والكتابة عنها بوصفها رواية أم بوصفها أعمالا متهمة يجب البحث فيها عما يدينها أو يبرئها؟
هل تظن أننا جادون أم ما زلنا نعاني الهلوسة؟