محمود اسماعيل بدر: الشاعر «محمد علي شمس الدين» تتجسد حياته اليومية في «حقيبة سفر» اذ انه على موعد دائم مع الرحيل والتنقل ما بين عاصمة عربية واخرى لتلبية الدعوات للمشاركة في امسية شعرية او ملتقى او مهرجان ثقافي، حيث اصبح مع الوقت نجما لامعا على مستوى حضوره المميز وعلى مستوى حوار التجارب بين الاجيال الشعرية..«الرأي» التقت الشاعر شمس الدين في العاصمة الاردنية عمان واجرت معه هذا الحوار المخصص للحديث عن المهرجانات الثقافية العربية:
ما هو الانطباع الذي تسجله عن مشاركاتك في المهرجانات الثقافية العربية
المهرجانات الثقافية العربية وحتى الامسيات الشعرية المحدودة هي ملتقى للحوار الثقافي الذي نفتقده عربيا، معارض الكتب ومهرجانات مثل جرش والجنادرية والمحبة وغيرها هي تقليد يؤخذ به كل عام ليكون تجمعا للفكر والابداع العربي، ولو اخذنا على سبيل المثال «المعرض العربي والدولي للكتاب» الذي يقام كل عام وهو الثاني في القيمة الفكرية بعد «فرانكفورت» فنرى انه يحتضن نخبة من الشعراء المصريين والعرب وتقام خلاله امسيات شعرية تجتذب اليها جمهورا متنوعا، ورغم ما يؤخذ على المعرض احيانا من عدم التنظيم وكثرة عدد الشعراء المشاركين في كل أمسية ربما بعضها يفتقر الى الكثافة الجماهيرية المطلوبة فانه يبقى مركزا للحوار والنقاش الذي نفتقده عادة في الساحة الثقافية العربية. ان جماهيرية الامسيات الشعرية لم تكن دائمة واسعة او متجاوبة مع القصائد، حتى نزار قباني نفسه في احدى الامسيات التي حضرتها شخصيا نزل عن المنبر متألما بسبب قلة الجمهور.
وفي مهرجانات اخرى كجرش مثلا، حيث تقدم فنون كثيرة في اطار المهرجان من غناء ومسرح وتشكيل وما الى ذلك، فان النشاطات والامسيات الثقافية الشعرية والنقدية بدأت تأخذ حيزا لها في اطار المهرجان وعلى غرار امسيات معرض الكتاب في القاهرة. فانه يتم توجيه دعوات لشعراء متنوعين في العالم العربي، ولكن المشكلة نفسها تتكرر وفي اغلب المهرجانات حيث اسماء بعينها لا بد ان توجد رغم ان تجربتها قد استهلكت. في مهرجان جرش الاردني ثمة اجراء مستجد وهو ان يدعى شعراء ذوو تجارب مميزة ليقدم كل شاعر منهم شهادة ذاتية حول تجربته الشعرية وتتم مداخلات ومناقشات يشارك بها الجمهور لتعميق الحوار بين المبدع والمتلقي، وهذا التقليد جيد على العموم في جانب التوثيق.
في مهرجان الجنادرية السعودي، يتم التركيز عادة على الشعر الشعبي «النبطي» اكثر من التركيز على الشعر العربي الفصيح بوجهيه الكلاسيكي والحديث، وللشعر الشعبي حضور في المهرجانات العربية من الاردن الى اللاذقية فالقاهرة فالرياض وهي المراكز الاساسية للمهرجانات الفنية والفلكلورية والتراثية الدورية.
ما هي الاسس التي يتم بموجبها اختيار شعراء المهرجانات؟
هناك معايير كثيرة ولكن اهمها في اعتقادي هو الاستناد الى شهرة ونجومية الشاعر، وربما خضعت احيانا لاعتبارات اخرى غير نقدية او غير شعرية، كالعلاقات الخاصة مثلا وهو امر لا يخلو منه اي مهرجان او احتفال، لكن المعايير الرئيسية كما لاحظت وعلى امتداد اكثر من عشرين عاما كنت اشهد فيها تلك الاحتفالات بصورة دورية وكل عام على وجه التقريب هي معايير الشهرة والقيمة الابداعية.
لكن ذلك لا يمنع من توجيه ملاحظة مفادها ان الاسماء نفسها التي تتمتع بالشهرة تعاد دعوتها كل عام تقريبا وفي المهرجانات والاماكن نفسها ولعل بعض الشعراء يستعيدون في كل عام نفس القصائد التي يرتاحون عادة اليها ويعتقدون انها الاكثر وصولا وتأثيرا في الجمهور من اجل ذلك تمت بعض التعديلات في المهرجانات لجهة اسماء الشعراء المدعوين من حيث تنويع الدعوات وشمولها مختلف التيارات الشعرية من كلاسيكي وحديث وصولا لشعراء المحلية، وقد وصل الامر ببعض المهرجانات وبعض المعارض كمعرض القاهرة للكتاب ان تم التركيز خلال دورات معينة على (قصيدة النثر) فدعي الى الدورة الماضية للمعرض معظم شعراء قصيدة النثر العربية، وعقدت الندوات وقدمت الابحاث والشهادات واوراق العمل البحثية، الملاحظ من خلال ان جميع من دعوا لتلك المهرجانات قد لبوا الدعوة والقوا بقصائدهم امام الجمهور والنقاد مرات عدة وذلك بخلاف ما انطووا عليه من ادعاءات استبعاد قصيدة النثر عن المنبرية الجماهيرية متجاوزين بذلك كل انتقاداتهم للشعر المنبري وشعر المهرجانات وما اشبه ذلك حتى لكأن الموضوع كما قيل في بعض التعليقات ضرورة رفع الحصار عن قصيدة النثر فاستوت على المنبر شأنها شأن سائر الاشكال الشعرية العربية المعاصرة على اعتبار ان المنبر شكل من اشكال «مسرحة الشعب» حيث ان فن الالقاء لا يعتبر جزءا من القصيدة بل هو جزء مهم من فن المسرح، فما يبقى في المجمل العام هو القصيدة بأبعادها الابداعية الفنية التي تنطوي عليها سواء قرئت على حصان كما كان يفعل المتنبي في عصره، او على كرسي او جلوسا او على منبر او قراءة صامتة بالعينين.