عصام بدوي: تحتوي الشواطئ المصرية علي مساحات كبيرة من الرمال السوداء التي تعتبر المصدر الأساسي لكثير من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية التي يمكن أن تعود علي مصر بالملايين من العملات الصعبة والتي تقدر أحيانا ـ حسب أحد الدراسات الاقتصادية ـ بنحو‏324‏ مليار جنيه سنويا‏,‏ بل إن استغلالها يوفر علينا ملايين العملات الصعبة التي ننفقها في استيراد واحد فقط من تلك المعادن كالزيركون الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك التي تزدهر بها مصر‏,‏ بالإضافة إلي معادن أخري أهمها الحديد والجرانيت والمونازيت ومعدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة أجساد الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية‏.‏
ورغم أن استراليا والهند والبرازيل والولايات المتحدة تستغل تلك الرمال استغلالا اقتصاديا عظيما يعود عليها بملايين العملات الصعبة في حين أن مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم‏,‏ إلا أن تلك الصناعة متوقفة فيها منذ عام‏1969,‏ وليس هناك سوي بعض الدراسات لتطوير تلك الصناعة لكنها مجرد حبر علي ورق وحبيسة الأدراج‏.‏

ويقول الدكتور جودة علي دبور ـ أستاذ متفرغ بهيئة المواد النووية ـ‏:‏ الرمال السوداء توجد في العديد من الدول مثل استراليا والهند ومصر والبرازيل والولايات المتحدة‏,‏ وكل هذه الدول فيما عدا مصر تستغل هذه الرواسب استغلالا اقتصاديا كبيرا‏,‏ حيث تحقق منتجات هذه الرواسب ملايين العملات الصعبة لخزائنها‏,‏ وعلي الرغم من أن رواسب الرمال السوداء المصرية تمثل أكبر احتياطي من هذه الرواسب في العالم‏,‏ وكان يتم تصنيعها منذ أربعينيات القرن الماضي بواسطة شركة الرمال السوداء المصرية حتي تم تأميمها عام‏1961‏ تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات االرمال السوداء‏,‏ ومنذ ذلك التاريخ أخذت الشركة في التعثر وتوقف الإنتاج وتمت تصفيتها عام‏1969‏ تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء‏.‏
وعلي الرغم من توافر هذه الرمال وما بها من معادن ذات أهمية اقتصادية فإن مصر تستورد بملايين العملات الصعبة أحد هذه المعادن وهو الزيركون أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك‏,‏ ويمكن استخراجه من الرمال السوداء المصرية‏,‏ بجانب معادن أخري ذات أهمية اقتصادية مثل معادن الحديد والتيتانيوم‏(‏ الماجنيتيت والإلمنيت والليكوكزين والروتيل‏)‏ بالإضافة إلي معدني الجارنيت والمونازيت‏.‏

تنتشر التركيزات العالية من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية في الرمال الشاطئية في أربع مناطق علي ساحل البحر الأبيض المتوسط حول مصبات فرعي نهر النيل رشيد ودمياط الحاليين أو الأفرع السبعة القديمة المطمورة وهي السهل الساحلي علي جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط‏,‏ كما تحتوي التلال الرملية الشاطئية التي تقع شرق بوغاز بحيرة البرلس علي كميات هائلة من تلك المعادن‏,‏ وكذلك السهل الساحلي الممتد من شرق بحيرة البردويل حتي مدينة العريش شمال سيناء يمثل رابع هذه المناطق‏.‏
يعتبر الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء المصرية وكذلك ما بها من معادن ذات أهمية اقتصادية حافزا قويا لإعادة الرمال السوداء إلي الوجود‏,‏ حيث إن كمية خام تلك الرمال تقدر بنحو مليار ومائة مليون متر مكعب من الرمال الجافة تكفي لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مائة وخمسين عاما بطاقة استهلاك للخام مقدارها ألف متر مكعب في الساعة علي مدي أربع وعشرين ساعة في اليوم‏,‏ أي‏24000‏ متر مكعب يوميا‏,‏ وعلي مدار‏300‏ يوم تشغيل في السنة‏,‏ وهذا الاحتياطي موزع علي الأربع مناطق علي النحو التالي‏:500‏ مليون متر مكعب في منطقة رشيد‏,300‏ مليون متر مكعب في منطقة دمياط‏,200‏ مليون متر مكعب في منطقة بلطيم‏,100‏ مليون متر مكعب في منطقة شمال سيناء‏,‏ ويمكن ترتيب هذه المواقع حسب الإمكانات والمميزات التصنيعية علي النحو التالي‏:‏ منطقة بلطيم يليها منطقة رشيد ثم منطقة دمياط ثم منطقة شمال سيناء‏.‏

ويمكن القول إنه عند تصنيع هذه الرمال فإن العائد السنوي منها يعتمد علي الطاقة التصنيعية لهذا الخام‏,‏ فإذا بدأنا بطاقة تصنيعية مقدارها‏1000‏ متر مكعب رمالا جافة في الساعة وردية واحدة في اليوم‏(8‏ ساعات في اليوم‏)‏ لمدة‏300‏ يوم تشغيل في السنة فإن الناتج من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية تقدر قيمته بما يساوي‏108‏ مليارات جنيه مصري في العام‏,‏ فإذا زاد معدل التشغيل اليومي إلي ورديتين أو ثلاث ورديات في اليوم‏,‏ فإن الرقم السابق يتضاعف مرتين أو ثلاث مرات‏(216‏ أو‏324‏ مليار جنيه مصري في السنة‏)‏ وفي حالة مضاعفة سعة المصنع فإن العائد السنوي يزداد حسب زيادة السعة‏.‏
وبناء علي الأسعار العالمية لهذه المعادن‏(‏ أسعار ديسمبر‏2001)‏ فإن هذا الاحتياطي نظرا لتغير الأسعار وظروف المتاح في السوق العالمية من هذه المنتجات فإن هذا التقدير يكون متواضعا‏,‏

ويقول الدكتور جابر بركات الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة‏:‏ يجب أن يكون هناك تخطيط شمولي بالمناطق المختلفة وللمدي الطويل بمعني كي تصبح الصناعة رابحة إقتصاديا يجب أن تكون الدراسة واسعة النطاق وعلي المدي الطويل أي يمكن الإستفادة منها لمدة أكثر من‏50‏ عاما‏..‏ مثل المنطقة من أول بوغاز البرلس إلي الخاشعة والعياشي بكفر الشيخ فهناك مجموعة من الكثبان الرملية يتراوح عرضها في بعض الأماكن من‏3‏ إلي‏8‏ كيلو وبطول يمتد إلي نحو أكثر من‏15‏ كيلو مترا كمنطقة واحدة فما بالنا ببقية الأماكن‏.‏