بيروت: بالرغم من تخطيه سن التقاعد وتناوله 17 نوعاً من الدواء وطبيب خاص يرافقه دائماً، يصر المخرج المبدع يوسف شاهين على العمل كما شاب في العشرين من عمره ليبدع أعمالاً جديدة.“الخليج” التقته في مقر اقامته في بيروت وقد جاءها لافتتاح فيلمه الأخير “اسكندرية نيويورك” فبدا على عادته حزيناً وناقماً على كل الواقع السائد.

أظهرت حنيناً لأمريكا في فيلمك “اسكندرية نيويورك” لماذا لم تسع للعمل في هوليوود مثلاً؟
لأنني لا أعمل بحرية فيها، الكل فوق رؤوسنا بدءاً من شركات الانتاج الى السياسات العدائية ضد العرب، وفي المحصلة لا أعمل إلا وفق مزاجي وبامتلاك كامل حريتي.

* هذا يعني اعترافك بأجواء الحرية في الوطن العربي؟
وحدها الأجواء لا تكفي لا بد من انتزاع الحرية بالقوة حيناً بالحيلة او بأي وسيلة أخرى في أحيان أخرى.

ولكنها أفضل من حرية أمريكا؟
أفضل من حرية بعض الأنظمة او بعض المؤسسات مثل السينما حيث تضيع رؤية المخرج او الكاتب مثلاً.

* بعد تجربة طويلة في الحياة، ما حصيلة تجربتك الانسانية والعملية؟
حياتي الشخصية، ارتبطت تماماً بحياتي العملية، لذلك لم تكن سيرتي الذاتية سهلة، خصوصاً في مواجهة أقرب الناس بصراحة، فهل يمكن ان أسيء الى والدتي مثلاً، وكذا الأمر على زوجتي وأختي وحتى على نفسي.

*وكيف تجيب عن هذا السؤال؟
أنا “طاحونة بلاوي”.

*أعلنت عنها صراحة؟
أنا حكيت كثير.

* ولا يزال لديك الكثير من الأسرار؟
بدون شك.

*ألا تواجه نفسك بها؟
صعبة قوي.

* ذكرت بأن الفتاة الجميلة هي التي تلفت انتباهك بغض النظر عن انتمائها او طائفتها، فماذا عن باقي المعايير؟
ان تكون ذكية، غير متخلفة وقارئة بالحد الأدنى، وهنا لا أضع اللوم على الفتيات، بل على التربية الخاطئة ككل.

*هل تعرف الخوف؟
لا أخاف إلا الله.

* ولكنك اعترفت بأنك تخشى السجن؟
قلت بأنني لا أحب ان أدخل السجن، ولكن اذا حصل سأشتم من داخل جدرانه من سجنني وسأكتب أيضاً من هناك السيناريوهات التي أريدها.

* لأنك لا تحب ان تدخل السجن تسعى لتغليف بعض الحقائق؟
أنا لا أغلق الحقائق، بل أسعى للكشف عنها بطرق دبلوماسية.

* مع انك عدو الدبلوماسية؟
ممكن.

* من داخل السجن لن تستطيع شيئاً؟
ومن قال اني سأكون وحدي؟ لا يمكن ان أعمل وحدي، وسيكون معي كثيرون.

*تعتقد بأنك ستجد أوفياء لك؟
أكيد.. أولهم أبنائي خالد يوسف ويسري نصرالله وأحبابنا كثر والحمد لله.

* كرمت في مصر أكثر من مرة؟
صحيح وأعطوني أكبر الجوائز، جائزة عبدالناصر التي عرضت علي مرة ثانية، بالإضافة الى حميمية الناس معي إذ لا يمكنني ان أمشي في الشارع ورأسي في الأرض.

* ألم يجذبك العمل السياسي؟
عرضوا علي يوماً منصب وزير فقلت لهم لا.

* لماذا؟
لأنني أفضل ان أبقى في موقعي لأني أعرف قدراتي وحجمي وموقعي تماماً، وأعرف أين يمكن ان أؤثر أكثر، فاللغة التي أعرفها بشكل جيد والتي يمكن محاسبتي عليها هي السينما، لماذا اذهب لمركز ينحصر فيه عملي بترقية هذا او ذاك، او لأفقع تصريحاً تلو الآخر وكفى.

* وصلت في فيلم “اسكندرية نيويورك” الى مرحلة من التشاؤم قد تنعكس على جمهورك؟
أنا متفائل دوماً رغم كل السلبيات والتشاؤم الذي يسود العالم وأشعر دائماً بأن المستقبل أفضل.

* في فيلمك الأخير لم تترك فرصة لبارقة أمل؟
عندما أغضب يكون غضبي عميقاً.. أنا الذي أحب الحرية لنفسي، فلا بد وان أحبها للآخرين.

* في فيلم “اسكندرية نيويورك” تعلن غضبك ونقمتك على أمريكا وأنت أصلاً ناقم على العرب، فمع من أنت؟
لست مع أحد، انا مع الحرية والحقيقة، التي أظهرها الفيلم بنسبة 80%، لأني صورت أمريكا كما هي اليوم، او بالأحرى لما وصلت إليه اليوم وهي التي لم تكن بهذا السوء من قبل، ولكن لا يمكن ان ننكر عليهم التطور الفني الذي وصلوا إليه. لا أنكر بأني أحببت أمريكا في إحدى الفترات. وكذلك الأمر في إعلان مواقفي من العرب، وخصوصاً من السياسات العربية، لا أنكر على العرب طيبتهم وكرمهم، ولكن لا يمكن ان نخفي تخلفهم، وبالتالي لا يمكن لنا ان ننكر واقعاً نعيشه.

*لماذا تعرض مقتطفات من حياتك في أفلام مبعثرة؟
لأن جمعها في فيلم واحد يمكنه ان يجعل مدة عرضه ست ساعات ومن ثم فإن الأمور جاءت بالصدفة، فأنا قدمت فيلم “اسكندرية ليه” في وقت كنا نتهم فيه بعدم التسامح مع الآخرين، وحاولت ان أظهر فيه العكس من خلال الاسكندرية الحلوة، بتاع زمان.. في ذلك الوقت وبعد أول عملية قلب كنت اتخذت قراراً بقول الحقيقة، وعندما انتهيت منه شعرت بأني لم أقل الحقيقة كاملة، فصورت بعدها فترة انتمائي للناصرية.

* لذلك أنت في موقع المعارضة اليوم؟
أبداً.. بالعكس أنا جسدت الحقائق.

*لماذا تمزج الواقع بالخيال في كل أعمالك؟
لأننا نعيش الخيال أصلاً في الواقع.

*ولماذا اخترت محمود حميدة ويسرا لبطولة “اسكندرية نيويورك”، علماً بأنك قادر على اكتشاف وجوه جديدة كل يوم؟
عندما أجد من يمكنه التعاطي معي بشكل اوتوماتيكي، وأتواصل معهم بشكل أسرع، لأنهم اعتادوا ان يقرأوا في عيني ما أريد، أفضل ان يعيشوا لحظات العمل معي.

*تحب التعامل مع ممثلين يجسدون الشخصيات كما تراها أنت، فهل جسد أحمد يحيى الشخصية في فيلم “اسكندرية نيويورك” كما تراها أنت؟
بل أفضل. الولد ده هايل.. وفضلاً عن شكله الجميل، يتمتع بلياقة ومتواضع جداً، وبصراحة ندمت على عدم اصطحابه الى بيروت لافتتاح الفيلم.

*ذكرت بأنك تبنيته، فهل جاء هذا التبني على الصعيد العملي ام الانساني؟
الاثنان معاً.

* رغم عصبيتك الحادة جداً، لكن الجميع يحب التعامل معك، ما سر ذلك؟
عندما أعمل أصر ان تسود أجواء الحب والانتماء بين كل أعضاء فريق العمل من كبيرهم الى صغيرهم، ومن ثم فإن عصبيتي لا تخرج إلا عندما تصطدم بحائط الغباء، ولكنها تختفي في حالات الإبداع.