يصعب إيجاد تفسير لقرار تمديد ولاية الرئيس اميل لحود من خارجه وحتى من داخله. قدم في تبرير القرار وإيضاح موجباته عدد من الاسباب تتراوح بين الظروف الاقليمية وارتفاع سعر النفط الى خمسين دولارا للبرميل الى ان اعتمد تفسير شبه رسمي يعيد التمديد الى الضغوط الخارجية التي مارستها عواصم غربية على دمشق لحملها على الامتناع عن التدخل في الشأن الرئاسي، فقررت سوريا التصدي لهذه المحاولات والتعجيل بالتمديد.
والحال ان ليس من تفسير للقرار السوري الا القرار السوري ذاته. تريد سوريا التمديد لأنها تريد التمديد. وهذا ذروة المنطق وانتفائه في آن او ما يطلق عليه lt;lt;التوتولوجياgt;gt; حيث لا شرح لأي موضوع الا الموضوع ذاته. كان يجوز الاعتقاد بأن سيد هذا النوع من التفكير الدائري هو الرئيس الاميركي جورج بوش الذي اذهل العالم منذ حملته الانتخابية الاولى بإطلاقه مجموعة من التصريحات والاقوال التي لم تجد حتى الساعة من يفسرها، وصولا الى اعلانه قبل شهور قليلة ان برهانه على وجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة هو... وجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة.
لكن قرار التمديد الذي يمكن ان يندرج تحت الكثير من العناوين كالفشل الذريع في صياغة علاقة لبنانية سورية تغلب عليها المصالح العامة للبلدين بدلا من المصالح الشخصية والفردية لمجموعة من المنتفعين الذين لا يزيد عددهم عن ألف شخص في اشد التوقعات تفاؤلا، يبدو في حاجة ماسة الى كل الاسانيد والتبريرات التي تضفي عليه سمات المنطق والرجاحة، في حين انه قرار يلبي أولاً وأخيراً حاجة أصحابه ويعبّر عن تفكيرهم، على الرغم من تبرع بعض المؤيدين (ومن بينهم نائب بيروت في موسم الشحائح)، الى تدبيج المقولات المستقاة من صميم الصراع العربي الاسرائيلي ودروس صن تسو عن فنون الحرب والاستراتيجيا وسط احتفالات لتوزيع بطاقات الانتساب الى المقاومة على الانصار وحرمان الآخرين منها، وتعظيم دور المقاومين والحط من قدر المشاركين في الحرب الاهلية... الى آخر ما في هذه المعزوفة من تسطيح وتجاهل لأسس وlt;lt;لثوابتgt;gt; (بما ان الكلمة رائجة هذه الايام) في التاريخ الحديث للبنان ومن ابسطها ان المقاومة لم تكن إلا وجها من وجوه الحرب الاهلية.
لا كبير معنى للتسويات التي قيل انها رافقت القرار والتي فُهم انها ستؤدي عمليا الى جعل فترة التمديد صيغة مكررة لفترة الرئاسة الاصلية بأشخاصها ونهجها مع بعض التعديلات التجميلية. فآخر ما يهم في السياق السياسي الراهن هو بالضبط دور الطبقة السياسية التي يمكن كما دلت التجربة الاستغناء عن خدماتها واستبدالها افرادا وجماعات، ما دامت لا تدين بوجودها الا لصاحب القرار وما دام التغيير في أداء افرادها للمهمات المطلوبة منهم هامشيا وفي اطار المقبول. انها سياسة بلا سياسيين على غرار lt;lt;الديموقراطية بلا ديموقراطيينgt;gt;.
ولا قيمة ايضا لمساعي تسويق التمديد والترويج له (وهذا ما يفسر ما تسرب عن تراجع الجهات التمديدية عن نشر مجموعة من استطلاعات الرأي تظهر سعة التأييد الذي يحظى به الرئيس لحود)، فالتوتولوجيا (او علم اللغو ان كان للغو من علم) لا تحتاج الى ما يشرحها وينشرها بين الناس إلا ذاتها.