تقليعة المحطات الفضائية الغنائية تنتشر بشكل مريب في الفضاء العربي، وعلى شاشات هذه المحطات تذاع أغان أقل ما يمكن أن توصف به انها خليعة إلى درجة الفحش الواضح.

انها إعلان حرب على أبسط قيم الأخلاق والذوق والجمال، وبلاشك فإن من يقف وراء هذه المحطات أشخاص لا هدف لهم بعد جمع المال سوى إشاعة المنكر وضرب الأخلاق النبيلة بين فئات الشباب العربي المدمن على متابعة أحدث أغاني الفيديو كليب التي تذيعها هذه المحطات!

إن الخلاعة التي تظهر في أغاني هذه المحطات تدخل في باب خدش الحياء العام، فمشهد الفتيات الراقصات شبه عاريات وبحركات مقززة، اضافة لمرأى (الشباب) الذين يهزون خصورهم على طريقة راقصات الأفلام العربية.

وعليه فقد اختلط الحابل بالنابل على هذه الفضائيات السيئة وما عاد هناك فرق بين فتاة ورجل، ناهيك عن تلك الرسائل المتبادلة على الهواء مباشرة بكل ما تحويه من حروب على أبسط قيم الحياء والذوق العام!
من يموِّل هذه الفضائيات؟ ومن يدير عمليات ضرب الأخلاق من خلالها؟ من يملكها؟ ومن يقف وراءها؟

إن مشاهد العري والخلاعة وانعدام كل معايير الفن والجمال في الأغنيات التي تذاع عبر هذه المحطات يجعلنا حقيقة نترحّم على الرقيب العربي في التلفزيونات العربية، ذلك الرقيب الجاهز دوماً لقطع أي مشهد غرامي ساخن بين البطل والبطلة حرصاً على حياء المشاهدين والمشاهدات دون أن يحتج أحد من دعاة حقوق المرأة وحقوق الإنسان الذين صاروا يحتجون على كل سلوك يحافظ على القيم والأخلاق تحت ذريعة رفع الوصاية عن الحريات الجنسية!

اليوم، في فضائيات العولمة، لم يعد للرقيب مكان بعد أن أصبحت الرقابة (موضة) قديمة، وأصبح العري والخلاعة على الهواء مباشرة بحجة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فأي إنسان هذا الذي نربيه على هذا النوع من الحرية؟

أي إنسان هذا الذي نطلق له ولغرائزه العنان دون ضوابط؟ أي إنسان نربي؟ وأي إنسان نبني؟ إن في المدرسة أو الجامعة بعد أن نكون قد أبحنا له كل الخلاعات ليتشبع بها ويمليء بها عينيه وخياله، ثم نصعق ونولول حينما نكتشف بأن شبابنا يتعاطى المخدرات وأن هناك جماعات تروج لهذه السموم في بعض الجامعات!!

إن شبكة إحكام السيطرة على عقول ونفوس الشباب ممتدة ومتداخلة ولا يمكن فصل خيوطها لنعلم أين يبدأ أول الخيط وأين ينتهي آخره، انها شبكة كبيرة تلف الكرة الأرضية وتروّج لكل ما من شأنه أن يهدمهم وأن يقتل كل نوازع الرجولة والشهامة والقيم وحب الجمال والإبداع فيهم، بمعنى آخر أن يقتلهم حتى لا يشكلوا تهديداً على المشروع الأكبر الذي يعمل أصحابه ليل نهار للسيطرة على العالم!

ومن هنا، فإن هذه المحطات الغنائية التي ينظر إليها البعض على انها نقطة تافهة يقوم على إدارتها أشخاص تافهون، إنما هي في الحقيقة حلقة في سلسلة الهدم الدولية، انها إحدى الحلقات التي نجد لها صدى في سلوكيات شبابنا التي صارت غريبة علينا وعلى أخلاقيات هذا المجتمع، ما يجعل مسئولية الجميع مضاعفة.

والمسئولية ليست على أجهزة الرقابة والجهات الأمنية والشرطية لمحاصرة تجار المخدرات ومروجي الخلاعة، وإنما مسئولية الأسرة، الأم والأب اللذان صارا يتخليان عن مسئولية التربية والرقابة تحت ذرائع العمل والانشغالات اليومية انها مسئولية المدرسة، المعلم والمعلمة، المنهج، الكتاب المدرسي، الإعلام.. وطبعاً جهات الرقابة المجتمعية التي عليها أن تفتح أعينها جيداً لطوفان الغثيان الذي يأتينا من كل فج عميق!!