يبدو أن المغرب العربي مقبل على الانخراط في معادلة جديدة، ونوع مستجد من الشراكة مع بعض دول أوروبا. فقد عرفنا حتى الآن معادلة (25 +12) التي تضم كافة دول أوروبا الموحدة، مع كافة دول الحوض الجنوبي للبحر المتوسط، والتي تُعرف تحت اسم "مسار برشلونة"، على اعتبار أنها انطلقت من هذه المدينة الاسبانية عام 1995، وأصبح لها منذ ذلك الحين بعض الهياكل الادارية والمالية، وبعض التقاليد السنوية، من لقاءات ومساعدات ومجالات عديدة للتعاون والتشاور، ولو أنها لم تحقق أي اختراق يُذكر على الصعيد السياسي بشكل خاص، ربما لانحياز معظم أطرافها للمواقف الأميركية المرفوضة عربياً، بخاصة بعد حربي أفغانستان والعراق، والتخلي عن محاولات إيجاد مخرج للصراع العربي ـ الاسرائيلي، وعدم مساندة الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني. إضافة إلى أن توسع الاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، بانضمام عشرة بلدان جديدة إليه، قد خفف من اهتمام الاتحاد بالشاطئ الجنوبي للمتوسط، وقلّص حجم المساعدات والاستثمارات المتوقعة أساساً.
وعرفنا معادلة (5 + 5) التي تضم الدول الخمس الأعضاء في "اتحاد المغرب العربي"، والدول الأوروبية الخمس المواجهة لها على الضفة الشمالية للمتوسط. وقد عقد العشرة قمتهم الأخيرة في تونس في شهر كانون الأول أواخر العام الماضي 2003، بعد إرجاء وتسويف داما أكثر من عشرة أعوام لرفض حضور العقيد القذافي بسبب الحظر الذي كان مفروضاً على الجماهيرية، وتداعيات "لوكربي" و"يوتا". ويقول العشرة اليوم إن العلاقات المغاربية ـ الأورومتوسطية مرشحة للتطوّر في اتجاه إرساء شراكة بناءة ومثمرة ومتضامنة. ومن المتوقع أن يعقد وزراء خارجية المجموعة اجتماعاً لهم في الجزائر استعداداً للندوة الوزارية الثالثة عن الهجرة في منطقة غرب المتوسط، المقررة في العاصمة الجزائرية أيضاً في منتصف أيلول.
كما عرفنا مؤخراً معادلة (5 + 4) حين عقد وزراء داخلية بلدان الحوض الغربي للمتوسط اجتماعاً ضم خمس دول أوروبية، ودول اتحاد المغرب العربي (بحضور ليبيا واستثناء موريتانيا)، وذلك من أجل دراسة المواضيع الملحة المتعلقة أساساً بالهجرة غير الشرعية وبمكافحة الارهاب، بخاصة بعد تفجيرات مدريد في 11 آذار الماضي.
آن الأوان إذن للتعرّف إلى آخر تقليعة في هذا المجال، وهي معادلة (4 + 3) التي بشرت بها وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليو ـ ماري خلال زيارتها الأخيرة للجزائر (من 16 إلى 18 تموز الماضي)، وأطلعت عليها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وتقضي المعادلة الجديدة بإقامة شراكة بين الدفاع الأوروبي وثلاث دول مغاربية. فقد دعت فرنسا بالفعل إلى عقد اجتماع في العاصمة الفرنسية في شهر تشرين الأول المقبل، يضم وزراء دفاع أربع دول في جنوب أوروبا (اسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال)، وثلاث دول مغاربية هي الجزائر والمغرب وتونس، من أجل "التقارب بين ضفتي غربي المتوسط"، وتنظيم تمارين مشتركة وتأهيل ضباط، واعتبار الاستقرار في المغرب العربي "أفضلية أولى".
اللافت للنظر في هذا الاقتراح الأخير استبعاد ليبيا التي تملك أطول شاطئ على الضفة الجنوبية للمتوسط تزيد على ألفي كيلومتر، والتي عدّلت سياستها بشكل جذري في الآونة الأخيرة لكي تنخرط في جهود "مكافحة الارهاب"، بعد تسوية قضيتي "لوكربي" و"يوتا" ورفع الحظر الدولي عنها. مع العلم أن تقارير دولية أخيرة تقول ان أكثر من مليوني افريقي يحلمون بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البوابة الليبية. ذلك أن الأفارقة يدخلون إلى الجماهيرية بشكل حر، وبدون سمات وتأشيرات منذ أن انحاز العقيد القذافي إلى الخيار الافريقي، وبالتالي فهم اكتشفوا أن عبور الأراضي الليبية هو أقصر الطرق إلى موانئ أوروبا وشواطئها الجنوبية.
وقد احتجت ليبيا بشدة على هذا الإقصاء المتعمد، معتبرة أنه يوجه ضربة إلى التعاون الأوروبي ـ المتوسطي. وقال العقيد القذافي لدى استقباله وزراء الخارجية في الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا وتونس، في ختام اجتماعهم الدوري الذي عقد يوم 24 تموز المنصرم في مدينة سرت (500 كلم شرق طرابلس) منتقداً الاقتراح الفرنسي: "لا يمكن لأي تجمع أن ينتقي بعض دول اتحاد المغرب للتعامل معها في أي مجال... ولا بد أن يكون التعامل مع الكيانات والدول الأخرى عبر اتحاد المغرب العربي".
وإذا كان إقصاء موريتانيا من المعادلة الجديدة أمراً مفهوماً، على اعتبار أنها لا تملك شواطئ على المتوسط، فإن استبعاد ليبيا يبدو أمراً مقصوداً. صحيح أنه ليس في الجماهيرية وزير للدفع ليحضر اجتماعاً مخصصاً لوزراء الدفاع، لكن يبدو أن المسألة أبعد من ذلك. فالعلاقات الأوروبية ـ الليبية ليست بالصفاء الذي يظنه بعضهم، رغم زيارات طوني بلير وسيلفيو برلسكوني ووزراء أوروبيين آخرين إلى طرابلس. العارفون ببواطن الأمور يقولون إن برودة العلاقات الفرنسية ـ الليبية إنما ترجع إلى تضامن باريس مع برلين في سعيها للحصول على تعويضات في قضية تفجير ملهى "لابيل" في برلين.
وقد تمت بالفعل تسوية هذه المسألة مقابل 35 مليون دولار ووعد المستشار شرودر بزيارة ليبيا.
وقد لوحظ أن وزير خارجية فرنسا ميشال بارنييه جال مؤخراً في العواصم المغاربية مستثنياً ليبيا، كما تم إرجاء زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى ليبيا، والتي كان سيف الاسلام القذافي قد أعلن انها ستتم قبل نهاية هذا العام. وقد فتح الطريق الآن أمام إتمام هذه الزيارة كذلك.
يبقى أننا أمام معادلة جديدة، في محاولة أوروبية جديدة، لمواجهة الاختراق الأميركي الكاسح سياسياً وعسكرياً واقتصادياً باتجاه كافة الأطراف المغاربية، بما في ذلك ليبيا حيث تتدفق الشركات الأميركية. وقد أنهت ميبي دومانوفسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي، المكلفة مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، جولة لها في 18 تموز الماضي قادتها إلى المغرب والجزائر وتونس، لتنفيذ برامج في إطار "مبادرة الشراكة"، بخاصة بعد إقامة علاقات بين الحلف الأطلسي وسبعة بلدان متوسطية بينها المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، دُعيت لحضور قمة الحلف الأخيرة في اسطنبول للمرة الأولى.
- آخر تحديث :
التعليقات